"إيلين، اجلسي. لدينا حديث هام".
"حاضر، يا أبي".
سَادَ الصمتُ الغرفة، ولمْ يَكُنْ يُسمع سُوى صوتِ طقطقة نيران المدفأة الصغيرة المشتعلة، التي أُشعلت لِتُضفي بعض الدفء .
جلستُ في المقعد المقابل لعائلة كورلين. نهضَ صموئيل، وتجنبَ النظرَ إليّ، ثُم انحنى فجأةً.
"إيلين، أنا آسف!"
"نعم؟"
ثُم نهضَ والدُ صموئيل بِدوره وانحنى.
"إيلين، لَقد ارتكبَ صموئيل حماقة لا يُمكن تبريرها. أرجو منكِ، رُغم عَدم استحقاقنا، أن تُسامحي صموئيل الأحمق".
"أوه."
مِن الواضح أن دوقة دانيوث لم تخبر والد صموئيل مباشرة، بل تم إبلاغه مِن شخصٍ مقرب، لذا استجوب صموئيل. لكن إلى أي مدى اعترف؟ هل حتي الأمور التي يظن أن الأعتذار عنها قد يجلب له العفو؟
"بنجامين، دَعنا نشرح لإيلين أولًا".
أَجلسَ والدي عائلة كورين بصوتٍ حازمٍ. نظرتُ إلى والدتي، فوجدتها تُحدق في الحائط بزاوية مرتفعة. كان وجهها الأبيض المصقول كان يحمل تعبيرًا و كأن كلمة " مللتُ"مكتوبة عليه بحروف كبيرة.
أما والدي، فكانَ يبدو كمن يوشك أن يُخبرني عن مرضِ عضال، بوجه مليء بالألم.
"لَقد جاءَ الماركيزُ نوردن ُمنذ قليل ليخبرنا أن هناك شائعات عن علاقة وثيقة للغاية بين صموئيل وميلاني...".
"حقًا؟ لكن لماذا ميلاني نفسها ليست هُنا؟ قد يكون لديها ما تقوله. يجب أن تكون حاضرة".
عِندها، تَدخلتَ أمي بصوتٍ واضحٍ دون أن تغير تعبير وجهها :
"رودولف، أنا أؤيد ذلك أيضًا".
"حسنًا. إذا كنتما ترغبان في ذلك، فسوف نَستدعي ميلاني".
بعد قليلٍ، دَخلتَ ميلاني الغرفة ورأسها منخفض. لمْ تكُن مذعورة ولا باكية. يبدو أنَّني أَخطأتُ في تقييمها.
"ميلاني، اجلسي. لقد سمعنا مِن الخارج أن هناك علاقة وثيقة بينك وبين صموئيل؟"
نظرت ميلاني إلى صموئيل، لكنَّه كانَ يُحدق في يديه التي على الطاولة، ولم يُلاحظ نظرتها. أو ربما لم يَرغب في ذلك.
رفعتَ ميلاني رأسها ونقلتَ نظرتها من صموئيل إلى والدي، وأجابت بصوت قوي.
"نعم. أنا وصموئيل نُحب بعضنا. أعلم أن حفل زفاف الآنسة إيلين بعد أسبوعين. وأنا آسفة حقًا. لكننا نحب بعضنا".
تنهد والدي بعمق " هوف".صمت صموئيل. أما والد صموئيل فكان يحدق في ميلاني بعينين مفتوحتين علي وسعهما.
"هل لي أن أتحدث؟"
بعد موافقة الجميع، بدأتُ الحديث.
"في الواقع، صادفتكما منذ قليل في طريق عودتي من الغابة وأنتما تتحدثان. قال صموئيل إنه يحب ميلاني من كل قلبه، يا أبي".
"آه!"
أطلق والد صموئيل، الكونت كورين، صوتًا يعبر عن استيائه. انتفض صموئيل، لكنه لم يجرؤ على النظر في عيني.
"إيلين، ماذ تريدين أن تفعلي أولًا؟"
"لا مفر من ذلك. صموئيل اختار ميلاني عليّ. لا بد لي أن أنسحب، أليس كذلك؟"
نظر إلي صموئيل بتعجب"ها"، كما لو كان يظنُ أنَّني لن أتخلي عنه أبدًا . آه، كُنتَ تعتقد أنَّني سأتشبثُ بكَ، أليس كذلك؟
"مثلما وصل الأمر إلي أذن خالي نوردن،سينتشر الخبر بين النبلاء. لا يمكنني أن أصبح زوجة بائسة يخونها زوجها قبل الزواج. سوف يُستهان بعائلتي، عائلة بوين الماركيزية. سأحتاج إلى بعض الوقت لأداوي جراحي، لكن يجب أن نسرع بزواج صموئيل و ميلاني، أليس كذلك؟ خاصة أن ميلاني حامل. "
أنزل صموئيل رأسه أكثر. ابتسمت ميلاني بهدوء.
"أنتِ...!"
يبدو أن الكونت كورين لم يكن يعلم بأمر الحمل. أمسك الكونت صموئيل من ياقته فجأة ولكمه في وجهه بقوة.
صرخت ميلاني"آه". أما نحن،عائلتي الثلاثة، فحدقنا في المشهد ببرود.
"هكذا هي الأمور لا مفر من ذلك. الطفل لا ذنب له. مبارك لكما، صموئيل، ميلاني. أتمنى لكما السعادة".
"إيلين، هل أنتِ متأكدة من أن هذا ما تريدينه؟ لقد كنتما حبيبين مقربين".
"لكن صموئيل يحب ميلاني حقًا، ويريد أن يستأجر غرفة مشمسة ليعيش معها وطفلهما بأموال عائلتنا. أعتقد أن هذا مبالغ فيه بعض الشىء"
"ماذا...؟"
كان صوت والدي منخفضًا. لا بد أنه يشعر بالاستياء الشديد، حتي لو كان صديق قديم له. حسنًا، أنا سعيدة لأنه يشعر بذلك.
"الحياة مليئة بالمفاجآت، أليس كذلك؟ لو تخليت عن كبريائي، وتزوجت من صموئيل، ثم حدث لي مكروه قبل أن أنجب طفلًا، فإن كل المهر الذي سيعطيني إياه والدي سيذهب إلي الطفل الذي ستنجبه ميلاني. هذا هو معنى أن تموت حسرة".
توقفت للحظة، ثم قلت أهم شيء.
"بالإضافة إلى ذلك، بعد سماع ذلك الحديث، تلاشت رغبتي في الزواج تمامًا. لم يعد لدي أي ذرة من المشاعر تجاه صموئيل".
بعد سماع كلماتي، توسل بنجامين كورلين، الكونت، إلى والدي.
"رودولف، أنا آسف! أنا المسؤول عن تربية ابني الأحمق. لكن إذا تخليت عنا الآن، فسوف نفلس. أرجوك، لا تتخلى عنا!"
"ها؟"
كان التعليق الصغير هذا من ميلاني. هل كانت تجهل أن عائلة كورلين تعاني من ضائقة مالية شديدة؟ لقد قال صموئيل إنهم لا يستطيعون الاستمرار بدون مساعدة عائلتنا، أليس كذلك؟ هل كانت غارقة في نشوتها ولم تسمع؟
ضيق والدي عينيه وأجاب صديقه القديم.
"آه، أتمنى لو أستطيع مساعدتك. لكن هذا الأمر لم يعد يخصني ويخصك فقط. إنها قضية تخص عائلة بوين الماركيزية بأكملها وعائلة كورلين الكونتية. لن أطالب بفائدة على الأموال التي قدمناها لك في الماضي، كما وعدنا. لكن يجب أن تعيدها. وسوف نتوقف عن تقديم أي دعم مالي في المستقبل، بما أن الزواج قد أُلغي".
"إيلين! ألا يمكنكِ أن تطلبي من والدك مساعدتنا؟ الطفل الذي سيولد لا ذنب له، أرجوكم ساعدونا..."
تلاشى صوت صموئيل عندما نهضت والدتي بابتسامة هادئة. كانت أمي ترتدي ابتسامة مصطنعة على وجهها الجميل، لكن عينيها كانتا مخيفتين للغاية.
"صموئيل؟ حتى الطفل سيفهم أن كلامك غير منطقي. لقد خُنتَ إيلين وأَلحقتَ ضررًا كبيرًا بقلبها وسمعتها، لكنك تطلب مِنها أن تساعدك من أجل طفلك الذي سيولد من خيانتك؟ هل تعتقد حقًا أن هذا منطقي؟"
دون انتظار رد، تابعتُ بعد والدتي.
"هذا هو الوضع، ميلاني. يجب أن تسددي ديونك لعائلتنا بالعمل بجد مع الجميع أثناء تربية طفلك. الحب سيساعدك على تخطي كل شيء. وأخيرًا، لا أستطيع تحمل رؤية وجهك، لذا هل يمكنكِ مغادرة هذا المنزل صباح الغد؟ سيبلغ والدي والدك بالتفاصيل، فلا تقلقي".
"لكن...!"
"أنتِ لم تعودي بحاجة لحضور المناسبات الاجتماعية، أليس كذلك؟ قصة حصولك على زوج وطفل دفعة واحدة ستنتشر بحلول الغد. لم تَعُد هناك حاجة للبحث عن زوجٍ في المجتمع الراقي. لقد حققتِ هدفك، تهانينا. وداعًا، صموئيل، ميلاني".
كانت ميلاني تحدق بي بغضب. لتحدقي كما تشائين. كَلِمتا " النكران"و"السطحية"وُجدتا مِن أجلكِ.
ودعتهم بابتسامة هي الأجمل لدي، ثم هممت بمغادرة الغرفة، لكن والدتي أوقفتني.
ترجمة :~طماطم🌺~
Comments