سر وادي الظلال
كانت الشمس تشرع في الغروب، تُرسل أشعتها الأخيرة عبر الفتحات الضيقة بين الأشجار، مما جعل الضوء يتناثر في كل مكان، كأنها خيوط ذهبية تتناثر على الأرض. إلياس وقف على حافة الجرف المطل على القرية، ينظر إلى الأفق البعيد حيث تتداخل قمم الجبال مع السماء الزرقاء المظلمة. كانت الرياح العاتية تداعب شعره، بينما كانت أفكاره تلاحقه.
"هل ترى هناك؟" قال إلياس، مشيرًا إلى الوادي الذي يبتعد عن القرية. كان يعرف أن الجميع في القرية يتجنبون هذا المكان. كان يبدو وكأنه مجرد فجوة مظلمة بين الجبال، لكن إلياس شعر بشيء غريب في قلبه، شيء أكبر من مجرد فضول.
"أراه... لكن لا أعتقد أننا يجب أن نقترب منه، إلياس. هناك شيء في هذا المكان يجعلني أشعر بالقلق." قالت ليلى، وهي تقف إلى جانبه، تنظر إلى النقطة التي يشير إليها. كان صوتها مليئًا بالتحذير، وعينيها تلمعان ببريق من الشك.
"أنت دائمًا تخافين، ليلى. كل الناس في القرية يقولون إن الوادي ملعون. لكنني أعتقد أنه مجرد أسطورة. لا أعتقد أن هناك أي خطر." قال إلياس وهو يبتسم بخفة، لكن رغم كلماته، كان هناك شعور غريب في معدته. شيئًا ما في تلك الظلال المظلمة كان يستدعي انتباهه، كان يشم رائحة سر قديم يدعو للاكتشاف.
"إلى متى ستظل تُصر على أنك لا تخاف؟" قالت ليلى، وهي تعبر عن قلقها. كانت تعرفه جيدًا، وكان إلياس دائمًا يضع نفسه في مواقف قد تبدو خطرة، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا.
أخرج إلياس من حقيبته خريطة قديمة كانت قد سقطت من بين الأوراق المبعثرة في العلية. كانت الخريطة مهترئة من أطرافها، وكأن الزمن قد مسح جزءًا كبيرًا من تفاصيلها، لكن الرسوم كانت واضحة بما يكفي. كان هنالك رسم للوادي نفسه، مع إشارات إلى أماكن مخفية على جانبيه، وكأن شخصًا ما قد وضع علامات معينة لتوجيه من يجرؤ على دخوله.
"أنتِ تعرفين هذه الخريطة؟" سأل إلياس، وهو ينظر إلى ليلى بعينين مليئتين بالدهشة.
"لم أرها من قبل، ولكنها تبدو قديمة للغاية. ومن أين حصلت عليها؟" أجابت ليلى، مستغرِبة، وهي تحاول أن تدقق في كل تفاصيل الخريطة. كانت تشعر أن هناك شيئًا غامضًا وراء هذه الخريطة، شيئًا ربما لا يجب أن تكتشفه الآن.
"لقد وجدتها في العلية. كنت أبحث عن بعض الأشياء القديمة، وعثرت عليها بين بعض الكتب والورق المتناثر. في البداية ظننت أنها مجرد قطعة قديمة بلا قيمة، ولكن عندما نظرت إليها جيدًا، شعرت أن هناك شيئًا مميزًا فيها." قال إلياس، وهو يضغط على الخريطة بيديه وكأنها شيء ثمين. "أعتقد أننا يجب أن نذهب ونستكشف الوادي، ربما نكتشف شيئًا لا يعرفه أحد."
"وأنتَ متأكد أن هذا هو الوقت المناسب؟" سألته ليلى، ولم تخفِ توترها. كان الوادي يبدو غير مألوف، غامضًا جدًا، وفي ذهنها كانت تساؤلات كثيرة. "ماذا لو كان هناك خطر حقيقي؟"
"لن نعرف حتى نذهب هناك. نحن أطفال، لا شيء سيوقفنا. وإذا لم نكتشفه، سيظل سرًا لن نعرفه أبدًا." قال إلياس، وهو يقلب الخريطة في يديه، ويبدو أكثر تصميمًا من أي وقت مضى. في قلبه كان يعلم أن هناك شيئًا كبيرًا ينتظرهم في هذا المكان البعيد.
نظرت ليلى إلى الخريطة، ثم إلى إلياس. كان يعلم أنها لن تستطيع التراجع الآن، وأنها سترافقه في هذا المغامرة مهما كانت المخاطر. كانت تلك هي صفتها، لا تستطيع أن تتركه يذهب وحده في مثل هذه المغامرة. "حسنًا، إليك ما سأفعله: أنا معك، لكن إذا حدث شيء غريب، سنتراجع فورًا."
ابتسم إلياس، ثم وضع الخريطة في حقيبته بإحكام. "لا تقلقي، ليلى. سنكون بخير. إذا كنا معًا، فلا شيء يمكن أن يوقفنا."
وفي تلك اللحظة، بدأ الطفلان رحلتهما نحو الوادي المظلم. كان الطريق ضيقًا ومتعرجًا، تحيط به الأشجار الكثيفة التي كانت تلقي بظلالها على كل شيء. الرياح بدأت تعصف من حولهم، كأنها كانت تدعوهم إلى المضي قدمًا أو التراجع. لم يكن أي منهما يعلم أن ما سيكتشفانه في ذلك الوادي سيغير حياتهما إلى الأبد. ربما كانوا قد اقتربوا من الحقيقة المخبأة في الأعماق، أو ربما كانوا على وشك فتح باب لعالم آخر لا يعرفون عنه شيئًا.
Comments