ما بين أختين
في القصر الإمبراطوري لـ إمبراطورية سيرينا،
وتحديدًا في غرفة هادئة تكسوها الفخامة والسكينة، كانت أميرة شابة نائمة على سريرها الوثير.
شعرها الذهبي الطويل انسدل كخيوط من شمس الصباح،
ومع دخول خادمتها برفق، ارتفع صوتها الناعم قائلة:
الخادمة: سموكِ، حان وقت الاستيقاظ.
فتحت الأميرة عينيها ببطء، لتكشف عن زرقة صافية لامعة تشبه الياقوت.
الخادمة: صباح الخير يا سموك. بعد التحية الصباحية،
لدينا وفق الجدول: درس التاريخ الإمبراطوري أولًا،
يليه درس الأدب مع الكونتسة ( إيزابيل مونتغمري )،
ثم تاريخ السحر، وبعدها مأدبة شاي مع بنات النبلاء. هذا كل شيء لهذا اليوم.
إليانور: شكرًا لكِ يا ( كلارا).
وبعد أن ارتدت ملابسها الأنيقة، جلست أمام مرآتها،
بينما كانت خادمتها تمشط خصلات شعرها الذهبية بعناية.
**:أوه… مرحبًا بكم، لم أنتبه لوجودكم. دعوني أُعرّف بنفسي…
أنا إليانور، في السادسة عشرة من عمري. ولست مجرد أميرة عادية… لا، بل ولية العهد!
يا للحظ العظيم، أليس كذلك؟
الجميع يظن أن حياتي مثالية:
فساتين من الحرير، قصر من ذهب، وخدم يهرولون لتلبية رغباتي. لكن الحقيقة؟
أنا لا أملك حتى حرية أن أفتح نافذتي متى أشاء!
يقولون إنني محظوظة… محظوظة لأنني محبوسة هنا مثل طائر في قفص مذهّب.
محظوظة لأن كل يومي جدول من الدروس المملة والابتسامات المصطنعة.
محظوظة لأنني لا أملك صديقة حقيقية سوى مرآتي.
أتعرفون ما هو أصعب شيء؟ أن يُطالبوكِ بأن تكوني مثالية دائمًا:
مشيتك، جلستك، حتى تنفسك يجب أن يكون راقيًا!
يا للمتعة… أن تعيشي حياتك كلها كأنك مسرحية لا تنتهي.
في الجهة الشمالية من الإمبراطورية، وعلى بعد أميال من القصر المهيب،
كانت هناك غرفة ضيقة متهالكة، جدرانها باهتة،
وسقفها المتشقق لا يكاد يحمي ساكنتها من برد الليل.
على سرير خشبي قديم غُطي ببطانية باهتة اللون،
نامت فتاة جميلة ذات شعر حالك السواد، يتناثر بخصلات فوضوية على الوسادة الخشنة.
وفجأة دوّى صوت طرقٍ عنيف على باب غرفتها المهترئ.
فتحت عينيها بخفة وكأن الأمر لا يفاجئها،
ثم تمددت بتكاسل على الفراش قبل أن تحدّق إلى السقف بعينيها الخضراوين الصافيتين؛
عينان تلمعان بحدةٍ تشبه نظرات الأسد، تحملان قوةً وجُرأة لا تليق بمكان كهذا.
ارتفع الطرق مجددًا حتى كاد الخشب الضعيف يتحطم،
فنهضت غاضبة، بخطواتٍ سريعة فتحت القفل الصدئ، ورمت الباب إلى الوراء قائلة بصوتٍ حاد:
"أما يكفي؟ ستكسرين الباب بهذا الجنون!"
كانت على العتبة امرأة متقدمة في العمر، وجهها متجهم،
تحمل في ملامحها قسوة السنين،
وقد أمسكت ذراع الفتاة بقوة وهي تقول بنبرة آمرة لا تعرف الرحمة:
"هيا، لدينا عمل كثير بانتظارك اليوم… لا وقت للكلام."
زفرت الفتاة بضجر، وشدّت ذراعها من قبضتها قائلة بسخرية:
"عمل كثير؟! أجل، وكأن حياتي كلها لم تكن عملًا بلا نهاية."
لم تنتظر المرأة جوابها، بل استدارت مغادرة وهي تلوّح بيدها أن تتبعها.
تنهدت الفتاة بعمق،
ارتدت معطفًا قديمًا وخرجت إلى ساحة البيت الصغير حيث ينتظرها العمل اليومي:
حمل دلاء الماء الثقيلة من البئر البعيد، تنظيف الإسطبلات المتسخة،
تكديس الحطب، والاعتناء بالحيوانات. كل ذلك وهي بالكاد قد فتحت عينيها.
يديها الغضّتان امتلأتا بالخدوش والجروح الصغيرة من كثرة العمل،
وكتفاها اعتادا ثقل الأحمال. لكنها لم تشتكِ،
بل كانت تقاوم التعب بابتسامة ساخرة، كأنها تتحدى قسوة الحياة.
في أعماقها، كانت تعلم أن العالم أكبر من هذه القرية الفقيرة،
وأن قدرها لن يظل حبيس الطين والدخان. كانت تحلم بالحرية،
أن تكسر هذه القيود الخفية،
وأن تجد لنفسها مكانًا أوسع من غرفة متهالكة وساحة مليئة بالتراب.
**: مرحبًا… اسمي أوفيليا، أبلغ من العمر ستة عشر عامًا.
قد تتوقعون أن تكون حياتي مليئة بالضحكات والأحلام مثل أي فتاة في عمري… لكن لا،
حياتي ليست سوى سلسلة من الأوامر والعمل الشاق.
عائلتي؟ يسمّون أنفسهم عائلتي، لكنهم يعاملونني كخادمة لا أكثر.
أمي لا ترى فيّ سوى يدين تحملان الماء والحطب.
أبي بالكاد ينظر إليّ، وإن فعل فلا يرى إلا تقصيرًا متخيَّلًا.
أما إخوتي… فهم لا يرون في وجودي سوى وسيلة لخدمتهم،
وكأنني ولدت فقط لأرتب لهم أغراضهم وأجلب لهم ما يشتهون.
حتى أختي، التي كنت أتمنى أن تكون سندًا لي… تتجاهلني وكأنني ظل لا قيمة له.
لكن لا تنخدعوا! أنا لست ضعيفة، ولن أبقى سجينة هذه المعاملة أبدًا.
لقد تعلمت أن أواجههم بجرأة، أن أرفع رأسي عاليًا رغم الإهانات،
وأن أبتسم ابتسامة متحدّية كلما حاولوا كسر إرادتي.
أنا أوفيليا… ولست خادمة، ولست مجرد فتاة منسية بين جدران متصدعة.
قد أكون مهمَلة اليوم، لكنني أقسم أن الغد لن يكون كذلك.
سأغادر هذا المكان… سأكسر قيودي، وسأصنع لنفسي اسمًا يذكره الجميع.
انتظروني… لأن اللحظة التي أرحل فيها من هنا ستكون بداية قصتي الحقيقية.
ماذا تفضلون: حياة إليانور المليئة بالترف ولكن المقيدة بالقواعد، أم حياة أوفيليا المليئة بالحرية المحتملة ولكن الصعبة؟
برأيكم، أيّهما أقوى؟ الأميرة التي تتحكم في نفسها دائمًا، أم الفتاة المتمردة التي تتحدى كل القيود؟
هل يمكن أن تتعاطفوا مع أوفيليا وهي تُعامل كخادمة، رغم أنها من عائلة نبيلة؟
هل تعتقدون أن إليانور تشعر بالوحدة خلف الذهب والستائر الفخمة، أم أنها تحب حياتها كما هي؟
لو قابلتُم أوفيليا، هل كنتم ستشجعونها على الهروب والتمرد، أم على الصبر والتخطيط؟
ما رأيكم، هل يمكن أن تتقاطع طرق أوفيليا وإليانور يومًا لتغير حياتهما؟
لو كنتم مكان أي منهما، هل ستختارون القوة الداخلية مثل أوفيليا، أم الصبر والتكتيك مثل إليانور؟
أيّهما أكثر إثارة للاهتمام في حياتها: الضحكات المخادعة لإليانور، أم التحدي الصريح والساخر لأوفيليا؟
Comments