ولادة الحامي

ولادة الحامي

ولادة الحامي

كانت السماء مظلمة كقطعة قماش حريرية ممتدة بلا نهاية، إلا من وميض الشهب التي تتساقط بشكل لم تشهده القرية منذ عقود. قطرات المطر بدأت تتناثر على البيوت الخشبية القديمة، تصنع موسيقى غريبة، كأن الأرض نفسها تغني فرحًا بحدث غير مسبوق. الرياح كانت تعصف بين الأشجار العالية، تحمل أصواتًا بعيدة لا يفهمها أحد، وتمر بين البيوت، فتداعب الستائر والفتحات الخشبية، كما لو كانت تشارك البشر فرحتهم بقدوم شيء أعظم من مجرد ولادة طفل.

القرية كانت مختبئة بين الجبال، محاطة بغابات كثيفة وأنهار تتلألأ في ضوء القمر، وكأنها لوحة مرسومة بعناية من قوى الطبيعة نفسها. البيوت مبنية من الحجر والخشب، سقوفها مغطاة بألواح خشبية مشربة بقطرات المطر، والطرق المتعرجة المبللة تعكس أضواء الشهب في مشهد سحري لم يره أحد من قبل.

وسط هذا المشهد الساحر، ولد طفل صغير، اسمه ناي. لحظة ولادته لم تكن كباقي الولادات. عندما صاح الطفل صرخة عالية، شعرت كل المخلوقات في القرية بشيء مختلف؛ كانت عيناه الزرقاوتان تتوهجان وكأنهما انعكاس للشهب في السماء. كل من رأى هذا المنظر توقف عن التنفس للحظة، كأن الزمن نفسه قد تجمد.

جلست جدته بجانبه، امرأة مسنّة حكيمة، ربت أجيالًا على أسرار القرية منذ عقود، وضعت يديها على رأسه وهمست بصوت خافت، محمّل بالعاطفة والخوف والفرح:

"يا ناي… يا صغيري… لقد جئت لتكون الحامي. يومًا ما، ستعرف سر الأسطورة، وستعرف لماذا وُلدت هنا، في هذه القرية."

الناس من حولها وقفوا مذهولين، بعضهم بكوا من الفرح، وبعضهم ارتعشوا من الغموض. الشيوخ عرفوا أن هذه الليلة ستكتب تاريخ القرية لسنوات طويلة، وأن هذا الطفل سيكون محور الأساطير القادمة.

في الزاوية المظلمة من الساحة، وقفت شخصية غامضة ترتدي عباءة سوداء، عيونها تلمع في الظلام. لم تكشف عن وجهها، لكن كل من رآها شعر بقوة غريبة، وكأنها تعرف أكثر مما يعرفه أي شخص في القرية عن الطفل ناي.

ثم، فجأة، هبت ريح قوية، تلاحق قطرات المطر وتدور حول الطفل. الأرض اهتزت تحت أقدام الحاضرين، كأنها تحتفل بولادة الحامي الجديد. وصوت خافت جاء من بعيد، لا يعرفه أحد: "لقد بدأ الوقت… لقد ولد المختار…"

كانت هذه اللحظة بداية رحلة ناي، رحلة ستأخذه بعيدًا عن كل ما يعرفه، لتكشف له الأسرار القديمة، ولتضعه أمام قوة لم يظن أحد أن الأرض تحتملها.

بعد ولادة ناي، انتشرت الأحاديث بين سكان القرية عن قدرته الغريبة. البعض بدأ يتحدث عن علامات لم يولد عليها أي طفل آخر، مثل عيناه المتوهجتان، وهدوءه الغامض رغم صغر سنه. البعض الآخر، وخاصة الأطفال، كانوا يراقبونه بشغف وفضول، لا يجرؤون على الاقتراب، لكنهم كانوا يشعرون بأن شيئًا غير عادي يحيط به.

أما والديه، فكانوا يعيشون مزيجًا من الفرح والقلق. كانوا يعلمون أن ابنهم الصغير لم يولد ليكون طفلًا عاديًا، وأن مستقبل القرية مرتبط به بطريقة أو بأخرى. كل ليلة، كانوا يجلسون بجانبه بعد أن ينام، يراقبون أنفاسه، ويخافون من اللحظة التي سيكتشف فيها الطفل مصيره الكامل.

الأسطورة القديمة للقرية كانت تقول: "كل جيل يولد فيه الحامي المختار، الطفل الذي سيحمل قدر القرية بين يديه، وعليه أن يتعلم أسرار السماء والأرض قبل أن يكبر." والآن، وقد ولد ناي، كانت هذه الأسطورة تتحقق أمام أعين الجميع، كأنها لم تعد مجرد كلمات من الماضي، بل واقع حي.

في الأيام التالية، بدأ ناي يظهر علامات قدراته الغريبة. أحيانًا كانت الأشياء تتحرك أمامه دون أن يلمسها، وأحيانًا كان يسمع أصواتًا لا يسمعها الآخرون، وهمسات في أركان الغرفة وكأن القرية نفسها تحاول التواصل معه. كل هذا جعل الكبار يتسائلون: هل الطفل ناي سيصبح حقًا الحامي الذي تنتظره القرية منذ قرون؟

حتى جدته، التي كانت تعرف الكثير عن الأسرار القديمة، لم تستطع التنبؤ بكل ما سيحدث. كانت تقول بصوت مليء بالحكمة:

"يا ناي… لا تظن أن القوة وحدها تكفي. ستحتاج إلى الشجاعة، والحكمة، والرحمة، وفهم كل ما حولك… فالعالم أكبر مما تتخيل."

أما الليل الأول بعد ولادته، فقد كانت السماء صافية، لكن الشهب لا تزال تتساقط، والمطر خفيفًا ينساب بين الأشجار. ناي كان مستلقيًا في سريره، وعيناه مفتوحتان على مصراعيهما، يراقبان النور المتساقط، وكأنهما يحاولان فهم العالم من حوله. وعندما اقترب والده من سريره، همس قائلاً:

"لقد جئت لتكون الحامي… العالم كله الآن بين يديك."

كانت هذه الكلمات كإشارة البداية لرحلة لم تبدأ بعد، رحلة ستأخذ ناي بعيدًا عن براءة الطفولة، لتضعه أمام تحديات وقوى لم يعرفها أحد، وتكشف له حقيقة الأسطورة التي ستحدد مصير القرية بأكملها.

وفي الأفق، وسط الأشجار والجبال، بدا أن شخصية الغامضة لم تختفِ. عيونها السوداء لم تغمض، وابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها وهي تهمس لنفسها:

"لقد وُلد المختار… والوقت قد حان."

وهكذا انتهت الليلة الأولى في حياة ناي، لكن هذا كان فقط بداية الأسطورة، بداية الحكاية التي ستكتبها الأجيال القادمة، وليست مجرد قصة تُروى للترفيه، بل تاريخ حي لقرية تتأرجح بين النور والظلام، بين الحقيقة والأسطورة.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon