2-حين تبرمج الصمت ليتكلم

ضحكت بأعلى صوت ، و بدأت أركض فورا متفادية الطلاب و المارة في الممر

" أنقذوني ! أنها مجنونة "

" أيتها الحمقاء ، توقفي "

ضحكاتنا كانت تعلو ، و الطلاب يلتفتون بدهشة بعضهم يضحك و أخرون يهمسون بفضول

ركضت حتى وصلت الى زاوية ، فاختبأت خلف أحد الأعمدة أطلت برأسي ببطء ، فرأيتها تمشي ببطء و تقول

" أعرف أنك هنا أيليورا ، لن تنجي هذه المرة "

ثم فجأة .... أمسكت بي من ظهري

" أمسكت بك أيتها اللعينة "

تحولت المطاردة الى عراك ضاحك بين صديقتين لا تفرقهما حتى حرب عالمية ثانية

"هل انتهيتما من المرح ؟"

اوقفنا ذلك الصوت الاجش و تلك الرائحة الدافئة و المغرية كأنها خلقت لتترك في الذاكرة ، تجمدت أنا و لينيا في مكاننا عندما رأينا الأستاذ الجديد

أنا ما زلت نصف منحنية من الضحك و هي تمسك بيدي بقوة و كأنها كانت توشك على سحبي أرضا

وقف أمامنا ، عيناه تمسح الوقف و كأنه يدرس مشهدا غريبا في فلم رديء الانتاج، نظراته ثابتة جعلت ضحكتنا تختنق في حنرجرتنا

"إن كنتن تبحثن عن لفت الأنظار فقد نجحتن " بنبرة تحمل غضبا

صمت للحظة ثم تابع بصوت منخفض لكن أكثر حدة

" لكن في مهامي ، من يلفت الأنظار يصبح هدفا و الأهداف لا تحذر بل تصطاد .... احرصوا على أن تبقوا غير مرئيين ، فالبقاء على قيد الحياة يبدأ من الصمت " بنبرة أشبه بالهمس البارد

كان ينظر الينا و كأنه يعرف أكثر مما يجب ، كأوراق مكشوفة أمام عين تقرأ ما وراء الكلمات

مر من جانبنا و كأن الهواء تغير من حولنا

رائحته لم تكن عطرا بل أشبه بشيء أخر ، دخان ناري مختلط بمعدن بارد ، رائحة تشبه الميدان أو ربما ..... الحرب

التفت لينيا بسرعة و همست

" هل قال يصطاد ؟ من هذا ؟ أستاذ أم قناص في فلم أكشن ؟ّ! "

تمتمت بصوت خافت

"كأنه يراقب العقول "

كنا ما زلنا واقفتين مكاننا نحاول استيعاب ما حدث

نظرت بالصدفة الى ساعتي ، شهقت بصوت واضح و قال

" لينيا ! الطاب الجديد !"

أمسكت يدها بسرعه و بدأنا نركض بين الطلاب ، و صلنا الى الكافيتيريا أخيرا، أنفاسي تتلاحق و قلبي يكاد أن يخرج من صدري ، تتجول عينانا بسرعة في المكان نبحث عنه

أشارت لينيا الى زاوية حيث كان جالسا وحده ، يعبث بهاتفه و يبدو عليه بعض الذيق

"وجدته"

تقدمنا بخطوات سريعة ، عندما اقتربنا رفع رأسه و نظر ألينا ثم قلت

" نعتذر بشدة لم نقصد التأخر" بصوت هادئ

" لا بأس توقعت ذلك " بصوت حازم فيه بعض الغضب

جلست لينيا بجانبي و قالت بنبرة محاولة لتخيفيف الجو

" هذا الأستاذ اليوم قرر تهديد الجامعة اليوم لهذا تأخرنا" بصوت مرح مع ضحكة صغيرة

اـبتسم ذلك الطالب ابتسامة صغيرة جدا شبه خفية ثم قال

" فهمت ، أذن أنتما من النوع الذي يركض خلف الخطر "

تبادلنا النظرات و قلت

" نحن فقط ... نبدو هكذا "

ألتفت الى لينيا و ابتسمنا لبعض

" بالمناسبة أنا لوكاس"

مد يده بابتسامة ، صافحته بهدوء و قلت

" أنا ايليورا و هذه لينيا "

و لينيا كا عادتها لم تحتمل الصمت و قالت

" لوكاس ، أسم غريب ، لكنه يليق بك "

ضحك بصوت مرتفع و قال

" غالبا ما يقال لي ذلك شكرا لك"

بدأنا بعد ذلك الحديث بشكل جدي عن المتطلبات الأساسية للمشروع ، و البرمجيات المتفق عليها ، و فكرة المشروع بشكل عام

ناقشنا المواد اللازمة ، و الخطوات الأولى التي ينبغي علينا تنفيذها

و اتفقنا أن نبدأ العمل الفعلي من الغد ، أما اليوم فسنكتفي برسم المخططات المبدئية و توزيع مهام البرمجة على كل واحد منا ، حتى تكون بدايتنا منظمة و واضحة

نظرت الى ساعتي لأتفقد الوقت ، فتحت عيناي قليلا بصدمة صامتة .... سأتأخر عن عملي

وقفت فجأة و قلت بهدوء

" أنا أسفة ، لكن يجب أن أرحل الآن ، سأتأخر عن عملي بدوامي الجزئي "

نظر إلي لوكاس بدهشة خفيفة، كأنه لم يتوقع ذلك

" أنت تعملين؟!؟!؟ لستي غنية ؟ّ! "

نظرت إليه بنظرة هادئة خالية من التفاخر و أبتسمت بخفة و قلت

" لست من أولئك الطلاب الذين يعتمدون على مصروف ثابت أو يضيعون المال دون وعي ، أنا أجمع مالي بنفسي ، و نعم أنا أعمل بدوامين جزئيين "

ثم وجهت ابتسامة الى لينيا ، ووقفت لتعانقني ثم قالت

" متى سوف تعودين"

" اليوم لدي محاضرتين واحدة في العاشرة و الأخرى في الواحدة "

ابتسمت لي و قالت

" لا تنسي أن تتصلي علي بعد انتهائك"

عانقتها بحنان ، ودعنا بعضنا البعض و غادرت المكان بخطوات سريعة

وصلت الى مكان عملي الأول ، مقهى صغير يقع بالقرب من الجامعة ، يميز بطابع خشبي دافئ حيث تكسو الجدران ألواح من الخشب البني و تحيط به مقاعد مريحة بلون الأخضر البارد جدا كأنها نسجت من نسمات الربيع

دخلت بخفة كما أفعل في كل مرة ارتديت زي العمل بسرعة و ربطت شعري على عجل

بدأت بتنفيذ الطلبات المعتادة، أتنقل بين الطاولات و أدون الملاحظات و أوجه تلك الطلبات الى العاملين معي

أخرجت دفتري الصغير لأدون بعض الأشياء التي يحتاجها المقهى لاحقا ، لكن شيء ما اوقفني رفعت رأسي ببطء ، كان هو

" الأستاذ رويل "

تقدم بهدوء ، خطاه ثابتة كأنها لا تجيد التردد ، عيناه تتفحص المكان كمن يعرف جيدا أين يقف ، و عندما استقرت نظراته علي شعرت بثقلها و كأنها تحاول قراءة شيء أعمق مما هو ظاهر

توقف أمامي و قال بصوت عميق

"لم أكن أعلم أن أحد من طالبات تلك الجامعة يعملنا هنا "

رفعت حاجبي و لم أظهر أي أرتباك و قلت بثبات

"و هل من المفترض أن نكتفي بالمحاضرات و الجلوس خلف المقاعد ؟ الحياة أكبر من ذلك أليس كذلك أستاذ ؟

" هل لديك أي محاضرات الآن ؟ أن أنك تهربت منها للمرح " بنظرة ساخرة و صوت عميق

شعرت بحرارة خفيفة تتصاعد داخلي ، غضب طفيف اجتاحني حدقت به بثبات و قلت

" أنا لا اتهرب من مسؤولياتي ، إن كانت محاضرتي الآن لكنت هناك ، هذا عملي و ليس وسيلة للمرح و الهرب بل للبقاء" بصوت حاد ممزوجة ببعض الغضب

راقبني بهدوء ، لاحظ فيها توتري الطفيف

" عيناك علي ..... لا تتوتري "

" أنا لست متوترة "

" كوب من الأمريكانو"

دونت طلبه بسرعة أتجنب بها أي تواصل شعرت بثقل نظراته لحظة ، ابتعد و جلس في زاوية هادئة من المقهى ، ظهره مستند الى الجدار و عيناه تراقب المكان ، أو لا ليست تراقب المكان كأنهما تتفحصان كل شيء كأنه يراقب الجميع

تاركا خلفه أثرا غريبا ، ليس فقط بسبب نبرة صوته الغريبة و العميقة الممزوجة بشيء من التحذير ، ولا بسبب طريقة كلامه التي بدت و كأنها منتقاة بعانية ، بل ذلك التناقض بين نظراته الهادئة و كلماته الحادة

" لا تتوتري ، أنظري الى عيني ، تهديد ، اصطياد ، خطر " تشه من أستاذ ، منذ متى يقول أستاذ لطالبة جمل كهذه ؟ و كأنه يعرف ما أشعر به مسبقا ، هنا شيء غريب

حضرت طلبه بيدين مرتجفتين ، لا أعلم لماذا يربكني هو مجرد أستاذ

وضعت الكوب على الصينية و أخذت نفسا عميقا قبا أن أسير نحوه، كانت خطواتي ثابتة ظاهريا و في داخل شيء غريب أعتقد أنه حس التحليل داخلي

وصلت الى الطاولة ، وضعته أمامه بلطف و قلت

" طلبك أستاذ "

" هممم "

استدرت لأعود لكنه أوقفني فجأة بصوته دون أن يرفع رأسه عن هاتفه و قال

" عمليتك كانت سريعة ، و يديك ثابتة رغم التوتر "

وسعت عيناي لكن فورا أخفيتهما

" عفوا أيها الأستاذ أنا لا افهم شيء مما تقوله ، فلتستمع بقهوتك "

خرج الأستاذ من المقهى بخطوات هادئة و ثقيلة ، بقي أثره يطفو في المكان كما لو أن حضوره لم يغادر بعد

بعد ساعة خلعت المئزر ، رتبت شعري سريعا و خرجت من الباب الخلفي للمقهى

أتمشى ببطء ، كانت نسمات الهواء تلامس وجهي بلطف ، نظرت الى ساعتي لا زال هناك ربع ساعة قبل المحاضرة القادمة أخترت أن أمشي على مهلي في الطريق المؤدي الى الجامعة ، أراقب الطلاب المتناثرين هنا وهناك البعض يضحك والبعض يتكلم ،وصلت أخيرا إلى القاعة ودخلت جلست بهدوء على أحد المقاعد المحاضرة ، كانت عن الروبوتات بشكل دقيق وتلك المعالجات الحسيه المعالج المركزي كنت أدون كل شيء بعنايه ربما لأنني وجدت نفسي مأخوذة بهذا العالم الجميل

عند انتهاء المحاضرة كانت لدي واحده أخيرة أنهيتها بصمت ،غادرت الجامعة باتجاه منزلي دخلت الى غرفتي الصغيرة خلعت معطفي جلست على الأريكة لبرهه أتنفس بعمق ،ذهبت إلى الحمام أخذت حماما سريعا وارتديت ملابسا مريحه ، جلست أمام حاسوبي المحمول الذي أحضرته لينيا في عيد ميلادي لم أكن أريد أخذها لكنها كانت تصر علي أنه فقط هدية عيد ميلاد ، لكن أنا لا أحتاج يمكنني أن أحضره براتبي لكنني أعرف عقل صديقي الأحمق ، بدأت أرسم مخططات المشروع ، لم يتبقى الكثير لكن التركيز مطلوب والمهام ليست سهله ، نظرت إلى ساعه مجددا أقترب وقت عملي المسائي

"ذلك المطعم الفاخر ينتظرني"

أغلقت الحاسوب تنفست بعمق وبدأت أستعد للجزء الثاني من يومي الطويل ، ارتديت بنطالا أسود مع بلوزه خفيفة داكنة وتركت شعر منسدلا بحريه على كتفي خرجت ماشيه بخطى هادئة نحو ذلك لمطعم الفاخر

وصلت قبل خمس دقائق من بداية دوامي كما أعتدت دائما ، في غرفه الموظفين ، ارتديت زي العمل الرسمي قميص أسود وبنطالا بنفس اللون فوقهما سترة بيضاء أنيقة تضيف طابعا رسميا وجادا على المظهر

المطعم كان يكسوه اللون الأسود من جميع الجوانب تقريبا حيث تتناغم كل التفاصيل بشكل متقن الجدران والطاولات مع مفارش سوداء اللون وعليها لمسات حمراء تضيف إلى المكان تباينا بسيطا لكن انيق ، حتى الأرائك كانت باللون الأسود مع لمسات من الأحمر الغامق الذي كان يشبه لون النبيذ يضيف إلى المكان أجواء راقية وغامضة كان كل شيء يوحي بالفخامة كأنك في عالم أخر

بدأت أتجول بين الطاولات ، أخذت طلبات من الزبائن بابتسامه متعبه أتعامل مع كل طلب بحرص ، كان المطعم يعج بأجواء هادئة لكنها تنبض الحياة مع أضاءه خافته تمنح المكان طابعا دافئا ، أصوات محادثات الزبائن مجمع موسيقى هادئة تملأ الفضاء تصفي شعورا بالراحة

الجديد

Comments

Reem Zidan♥️

Reem Zidan♥️

من اجمل الروايات التي قرأتها/Smile/حقا

2025-08-12

2

الكل

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon