...خرجوا من المكتبة، و كان الغروب يوشك على الاكتمال....
...ثم ابتسم الأمير نيسبيروس بخفة بعدما تأكد أن إيفيريا تنزل الدرج جيدًا....
...“لم يكن الأمر بذلك القدر كما توقعتِ، أليس كذلك؟”...
...عند سؤال الأمير نيسبيروس، توقفت إيفيريا في منتصف الدرج. و الآن كان هو وهي يقفان وجهًا لوجه. ...
...كان دائمًا ما يقول أشياء يصعب الرد عليها. فتساءلت إيفيريا إن كان يجهل صعوبة تقييم المكان الذي أخذها إليه بشكل مباشر، أم أنه يعلم ويتعمد ذلك....
...وربما الاحتمال الثاني هو الأرجح....
...بعد تردد، أومأت إيليريا برأسها بخفة. فلم يكن الأمر مجرد لا شيء، بل كان أسوأ مما توقعت....
..."المكتبات كلها متشابهة.'...
...هل شعرت بالضيق من كلامه هذا بسبب عقدة نقص دفينة؟...
...رغم أنها كانت تظن أصلًا أن المكان لم يكن جيدًا، فلماذا إذاً تشعر بهذا الانزعاج من كلماته؟...
...كتمت إيفيريا اضطرابها، ونزلت بقية الدرج وكأن شيئًا لم يكن. وربما أدرك الأمير نيسبيروس تعقيد مشاعرها، إذ بدا على وجهه تعبيرٌ غامض....
...“هل نعود سريعًا؟ إلى الأكاديمية.”...
...“نعم.”...
...كان نصف وجهه مضاءً بضوء الغروب حين التفت إليها. ...
...ثم أسرعت إيفيريا في اللحاق به. و بدا طريق العودة إلى الأكاديمية أطول بكثير من طريق الذهاب إلى المكتبة....
...سارت إيفيريا خلف الأمير نيسبيروس بصمت. و حين بدأ الظلام يحل، وصلا إلى الأكاديمية....
...“ادخلي بحذر.”...
...كان السكن في أطراف حرم الأكاديمية. وفي الوسط كانت هناك قاعة المذاكرة. وكانت المسافة بين سكن الفتيات وسكن الفتيان كبيرةً نوعًا ما. لذا لن تتقاطع حركتهما معًا....
...انحنت إيفيريا برأسها أمام البوابة الرئيسية ثم اتجهت نحو جهة السكن....
...كانت حقيبتها المليئة بالكتب والدفاتر تنزلق باستمرار، وبينما كانت تعدلها، اقترب منها الأمير نيسبيروس. فتوترت لا إراديًا....
...“هل ترغبين في تناول العشاء معي؟”...
...عضّت إيفيريا شفتيها بلطف....
...لم يكن بإمكانها التظاهر بعدم السمع والمضي قدمًا، فالمسافة بينهما كانت قريبة جدًا. ولو ادّعت أنها لم تسمع، لاتُّهِمَت هذه المرة بسوء السمع لا ضعف الذاكرة....
...رغبت في الرفض، لكن لم تكن تعرف كيف سيكون رد فعله حينها....
...فابتلعت ريقها وأومأت برأسها ببطء. و ابتسم الأمير نيسبيروس بعينين نصف مغمضتين....
...“هل نأكل في الخارج؟ أم في الأكاديمية؟”...
...“في الأكاديمية، في الأكاديمية من فضلكَ.”...
...لو تناولت الطعام معه في الخارج، لطال وقت بقائهما سويًا أكثر، وهذا ما أرعبها....
...رغم أن تناول العشاء معه داخل الأكاديمية قد يثير بعض الأحاديث غير المرغوب فيها، فإن بإمكانها تبرير ذلك بأنهما يعملان على مهمة معًا، وغالبًا سيمرّ الأمر دون ضجة....
...أقنعت إيليريا نفسها بأن هذا الخيار ليس سيئًا....
...كانت المسافة من البوابة إلى قاعة الطعام طويلةً نوعًا ما. وبينما كانت تمشي إلى جانب الأمير نيسبيروس، بدأت تراقب تصرفاته ثم انسحبت بهدوء إلى الخلف....
...“تعالي بجانبي، لماذا تمشين خلفي بهذه الطريقة المزعجة؟”...
...كان المشي بجانبه أكثر إزعاجًا، لكنها أخفت ذلك وامتثلت لكلامه....
...“لا يوجد الكثير من الناس.”...
...“صحيح.”...
...لحسن الحظ، كان وقتًا مزدحمًا نسبيًا، لذا قلّ عدد الطلاب....
...و حين دخل الأمير نيسبيروس مع إيفيريا إلى قاعة الطعام، توجهت أنظار الطلاب إليهما. ...
...فاحمرّ وجه إيفيريا خجلًا، ورغم معرفتها أن سبب تلك النظرات هو وجود الأمير نيسبيروس، إلا أنها لم تستطع التحكم في ردّة فعلها....
...راودها شعورٌ بالقلق من أنه سيختار الجلوس في وسط القاعة حيث يكثر مرور الناس، فسارعت إلى وضع حقيبتها على أحد الطاولات في الزاوية....
...“هل هذا المكان يعجبكِ؟”...
...“نعم.”...
...أجابت إيفيريا بإيجاز، وطلبت سلطةً خفيفة الكمية، في إشارة واضحة إلى رغبتها في إنهاء العشاء بأسرع وقت ممكن....
...كان الأمير نيسبيروس ينظر إليها بهدوء. بينما ساد الصمت بينهما....
...وما إن وصلت الأطباق حتى تحدّثت إيفيريا وكأنها تبدأ معركة....
...“شهيةٌ طيبة.”...
...“أنتِ أيضًا.”...
...بدأت إيفيريا تدفع الطعام إلى فمها بصعوبة رغم أنها لم تكن ترغب في الأكل....
...لم تكن معتادة على تناول العشاء أصلًا، لذا شعرت أن معدتها لن تتحمله، وربما لن تستطيع النوم لاحقًا بسببه....
...ففكرت أنها بحاجة إلى الحصول على دواء للهضم في طريقها إلى قاعة المذاكرة بعد العشاء....
...ثم واصلت تناول السلطة بصمت....
...“هل أنتِ من النوع الذي يتناول وجباته في وقتها؟”...
...“لا، لكنني أتناول الغداء جيدًا.”...
...“حاولي أن تأكلي جيدًا دائمًا.”...
...“نعم، سأحاول.”...
...أجابت إيفيريا بإيجاز ثم خفضت رأسها، في إشارةٍ واضحة إلى أنها لا ترغب في مواصلة الحديث....
...ثم أنهت طعامها بسرعة مذهلة ونهضت من مكانها على عجل....
...“شكرًا على اليوم أيها الأمير. أراكِ لاحقًا.”...
...خشية أن يناديها، أسرعت إيفيريا في خطواتها....
...بينما كانت تشعر بعدم ارتياح في معدتها، ويبدو أنها قد تعرضت لعسر هضم، إذ كان وجهها شاحبًا تمامًا....
...***...
...كان التقدّم في المشروع يسير بسلاسة. فقد كان الأمير نيسبيروس متعاونًا أكثر مما كانت تتوقع، بل وأشار إلى ثغراتٍ لم تستطع إيفيريا نفسها ملاحظتها....
...رغم أن مشاعرها تجاه الأمير نيسبيروس لم تكن إيجابيةً إطلاقًا، إلا أنها لم تستطع إنكار كفاءته....
...وإن كانت تجد فكرة أنها تعترف بقدراته أمرًا مضحكًا بحد ذاته....
...أثناء حديثها معه عن طريقة تقديم العرض، لاحظت إيفيريا أنه يحدق بشرود في طرف المكتب....
...“أيها الأمير، إذاً بالنسبة لهذا الجزء من العرض……هل تستمع إليّ؟”...
...“نعم.”...
...“سأتحدث أنا عن الأحداث التي وقعت في زمن استخدام اللغة القديمة، وأنتَ تحدث عن عملية تفرع اللغة القديمة إلى اللغة الإمبراطورية.”...
...لكنه لم يجب....
...كان عرض تطور اللغة أصعب من تقديم عرض عن أحداث تاريخية. كما أنه موضوعٌ يدعو إلى الكثير من الأسئلة والتعليقات غير الضرورية....
...لذلك اختارت عمدًا أن يكون هذا الجزء من نصيب الأمير نيسبيروس....
...نظرت إليه إيفيريا بتحفّظ وتحدثت مجددًا....
...“هل نبدل الأدوار؟ إذا لم يعجبكَ الأمر، فقط أخبرني.”...
...“لا، دعينا نبقيه كما هو.”...
...“حسنًا.”...
...ما إن سمعت إجابته حتى تمددت إيفيريا ومدّت جسدها المتيبس. فصدر من جسدها صوت فرقعة خفيف....
...غدًا، بعد الانتهاء من العرض، سينتهي مشروعها المشترك مع الأمير نيسبيروس. وكان في داخلها أملٌ صغير بألا تضطر إلى مواجهته مجددًا بعد ذلك....
...و للمفارقة الحزينة، كان أكثر من نصف حصصها يتقاطع مع حصص الأمير نيسبيروس....
...فارتمت إيفيريا بخمول فوق الطاولة....
...وبينما كان يتأمل خصلات شعرها الأسود المتناثرة على سطح المكتب، ابتسم ابتسامةً غامضة،...
...“سألقي عليكِ التحية حتى بعد انتهاء هذا المشروع. سنلتقي كثيرًا.”...
...“نعم……”...
...كان التوقيت مثاليًا بشكل مزعج. فأجابت إيفيريا بصوت فاقد للحيوية وهي ترفع جذعها....
...ورغم كل شيء، شعرت بأنها أصبحت أقرب إليه قليلًا خلال الأيام العشرة الماضية. فهو لم يكن فظًا أو قاسيًا كما قيل في الشائعات أو كما بدا في الانطباع الأول....
...لكن لا يمكن إنكار أنه كان شخصًا غريب الأطوار. ففي بعض الأحيان، كانت تصرفاته تجعل إيفيريا تظنه مجنونًا قليلًا....
...صحيحٌ أن الأمير نيسبيروس لم يكن كما تصوره الناس، لكن ذلك لا يعني أنه مريحٌ في التعامل. لذلك، كانت تشعر بالتوتر كلما تعاملت معه....
...ومع ذلك، فقد خف ذلك التوتر مقارنةً بلقائه الأول. ربما بدأت تشعر بأنها لا تحتاج إلى البقاء على حذر طوال الوقت....
...وربما لهذا السبب تحديدًا، تفوّهت بكلمات دون أن تمر عبر عقلها....
...“……ما الذي يدور في بالكَ أيها الأمير؟ آه، أنا آسفة.”...
...استفاقت فجأةً لما قالت. فأسرعت بالاعتذار، لكنها لم تكن تعرف ما الذي سيكون عليه رده....
...هي كانت فقط تتساءل بصدقٍ عن دافع تصرفاته، لكن كلماتها خرجت وكأنها اتهام أو توبيخ....
...لقد كانت متهورة. ولم تستطع حتى أن تنظر إلى وجهه، بل أغلقت عينيها بإحكام....
...ثم ساد الصمت بينهما. فانحنت إيفيريا أكثر واعتذرت مرة أخرى....
...“أنا آسفةٌ فعلًا.”...
...“أنا أملك ذاكرةً قوية.”...
...فتحت إيفيريا عينيها بهدوء إثر رده. و كان صوت الأمير نيسبيروس، كعادته، مفعمًا بالمرح بشكل غريب....
...يا لها من جملة خارجةٍ عن السياق....
...حتى أنه لم يضف أي كلمة بعدها....
...كان من حسن الحظ أنه لم يُظهر رد فعل كبيرًا، ومع ذلك بقي فهم ما يدور بداخله أمرًا مستحيلًا....
...***...
...“إيفيريا!”...
...فُتح باب الغرفة بعنف. ...
...كانت إيفيريا قد أنهت للتو تمرينها على الجزء الخاص بها من العرض، واستلقت على السرير مبكرًا على غير العادة، فرفعت رأسها مستغربةً مما يحدث....
...كانت سينثيا تمسك مقبض الباب وتلتقط أنفاسها. من الواضح أنها كانت تركض. فأزاحت إيفيريا الغطاء بهدوء واقتربت منها، وبدأت تربت على ظهرها....
...ثم رفعت سينثيا رأسها فجأة، بعدما كانت منحنية للأمام....
...“هل هذا صحيح؟ أنتِ……مع الأمير نيسبيروس؟ هل تخرجين معه؟”...
...“لا، لا، ليس صحيحًا. من أين سمعتِ هذا الكلام مجددًا؟”...
...اتسع وجه إيفيريا بتعبيرٌ يشبه الاشمئزاز، بينما أطلقت سينثيا زفرةً طويلة وكأنها كانت تتوقع أنه غير صحيح....
...“مجرد كلام سمعته من باقي الطالبات. وطلبوا مني ألا أخبر أحدًا.”...
...“لو سمعتِ أحدًا يقول شيئًا كهذا، صححي له، وقولي أنني التقيت بالأمير مؤخرًا فقط بسبب المشروع. لا أفهم أصلًا من أين خرجت هذه الإشاعة.”...
...“حسنًا، أنا أيضًا ظننتُ أن هناك أمرًا غير طبيعي.”...
...تساءلت إيفيريا هل سمع هو أيضًا بهذه الشائعة السخيفة....
...ففي الواقع، لو لم يكن الأمير نيسبيروس هو الطرف الآخر، لما انتشرت إشاعة كهذه أصلًا. و حتى هو يعتبر ضحيةً في هذه القصة، لكنها رغم ذلك لم تستطع كبح شعور الضيق تجاهه....
...هزّت رأسها مرارًا لتوقف أفكارها....
...كلما تعلق الأمر به، كانت تشعر وكأنها تغوص في قاعٍ لا نهاية له....
...على أي حال، الشائعات عادةً ما تخمد بمرور الوقت....
...ثم عادت الى السرير و سحبت الغطاء حتى أسفل عينيها وأغلقت عينيها فوراً....
...***...
...أنهت إيفيريا مشروعها مع الأمير نيسبيروس بنجاح وسلام. وكما هو متوقع، قدم عرضه بشكل ممتاز....
...و لم يكن واضحًا إن كان ذلك بسبب موهبةٍ فطرية، أم لأنه اكتسب هذه المهارات بصفته وريثًا لعائلة دوقية....
...“مرحبًا، إيفيريا.”...
...“مرحبًا.”...
...كان دائمًا ما يبدأ الحديث معها. وترافقه ابتسامته الساطعة كنوع من المكافأة المجانية....
...رغم أن وجهه كان دائم الابتسام، فإن النظر إليه دائمًا ما يثير في داخلها شعورًا غريبًا. ربما لأن لون عينيه الشفاف كان يعكس بريقًا خاصًا....
...حدقت إيفيريا في عيني الأمير نيسبيروس كما لو أنها مسحورة. و عندما لاحظ نظراتها، سألها بخفة متعمدة،...
...“هل يمكنني الجلوس بجانبكِ؟”...
...“سأنتقل أنا إلى الخلف……”...
...“لا، اجلسي معي.”...
...أوقفها حين بدأت تنهض، وتحديدًا أمسك بالكتاب الذي كانت تحمله....
...ولو أنه لمسها مباشرة، لكانت قد أبعدته لا إراديًا، لذا كان من الجيد أنه لم يفعل....
...لكن، هل يعقل أن الأمير نيسبيروس لا يعلم شيئًا عن الشائعات التي تدور حولهما حاليًا؟...
...جلست إيفيريا مجددًا في مكانها وسألته مباشرة،...
...“أيها الأمير، هل ربما……”...
...“نعم؟ تحدثي، أنا أستمع.”...
...“هل سمعتَ بالشائعات التي تخصني وتخصكَ؟”...
...____________________...
...السرد كأنه غريب شوي واضع المؤلفه تبي تختصر عشان كذا اذا جت نص الروايه عساه يضبط ...
...المهم يوم قال ذاكرتي زينه واضح يقصد يومهم بزران بس غريبه هو وش صار لها عشان تنسى ؟...
...يارب ماتجسذت مابيي ذا الشي ...
...مع انه مب في التصنيفات بس يارب لوء...
...Dana...
Comments