كانت السماء ملبدة بالغيوم فوق مدينة لندن، والرياح تعصف عبر الأزقة الضيقة، حاملة معها رائحة المطر والتراب.
في زاوية شارع مكتظ بالأسرار،
وقفت إلين كارتر أمام باب معرض فني ضخم، تحيطها هالة من الحماس والتوتر. كانت الليلة هي الليلة المنتظرة: ليلة افتتاح معرض الفنان الشهير ليوناردو ريتشي الذي لطالما أذهل العالم بأعماله الغامضة.
دخلت إلين إلى الداخل بخطوات واثقة.
كان المكان يعج بالنخبة: رجال الأعمال، المشاهير، وعشاق الفن.
بدت الأضواء الخافتة وكأنها ترقص على لوحات ليوناردو المعلقة بعناية على الجدران.
لكن رغم الضوضاء، لم تستطع إلين التخلص من شعور غريب يحيط بالمكان.
اقتربت من إحدى اللوحات، لوحة بعنوان "ظلال الذاكرة"
كانت مليئة بالتفاصيل الغامضة، وجوه مختبئة في العتمة، وألوان متداخلة توحي بمعانٍ أعمق.
التقطت إلين دفتر ملاحظاتها الصغير، وبدأت تسجل أفكارها كعادتها:
"ماذا يخفي ليوناردو وراء هذه الألوان؟"
"ولماذا تشعرني لوحاته دائمًا بأنها تصرخ بقصة غير مكتملة؟"
بينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت ضجيجا في الزاوية الأخرى من القاعة.
مجموعة من الحضور كانوا يتجمعون حول أحد الأشخاص، وجوههم تعكس دهشة وتساؤلات.
اقتربت إلين بحذر لترى ما يحدث، لكنها توقفت عندما سمعت أحدهم يهمس:
"ليوناردو لم يظهر حتى الآن... هذا غير معتاد."
كانت هذه اللحظة بداية شعور إلين بأن الليلة ليست عادية.
التفتت لتجد آدم كريستوفر، المحقق الخاص الذي اشتهر بحل القضايا المستحيلة، يقف في الزاوية ويراقب الوضع بصمت.
كانت المرة الأولى التي تراه فيها، لكنها سمعت عنه كثيرا بدت نظراته ثاقبة ووجهه خاليًا من التعبير، كما لو كان يحاول فك شفرة المكان بأكمله في ثوانٍ.
لم تستطع منع نفسها من الاقتراب منه.
"آدم كريستوفر، أليس كذلك؟"
قالت إلين بثقة، محاولة جذب انتباهه.
التفت إليها ببطء، ونظر مباشرة في عينيها.
"ومن تكونين؟"
"إلين كارتر صحفية."
مدت يدها بابتسامة طفيفة، لكن الابتسامة تلاشت عندما قابلها بصمت مطول.
"هذا ليس مكانا للصحفيين الفضوليين."
قال ببرود ثم أدار ظهره ليكمل مراقبته.
شعرت إلين بالاستفزاز لكنها قررت ألا تستسلم بسهولة.
"وأنت؟ لماذا يتواجد محقق مشهور مثلك في افتتاح معرض فني؟
هل ليوناردو متورط في شيء لا نعلمه؟"
لم يرد آدم فورا لكنه اقترب منها بخطوة، ثم همس بصوت خافت:
"ليوناردو ليس هنا، وهذه الليلة لن تكون مجرد حفلة فنون استعدي للأسوأ."
في تلك اللحظة، انطفأت الأضواء فجأة، وعم الصمت القاعة.
سمع الجميع صوت زجاج يتحطم في مكان ما، ثم صرخة مدوية شقت الهدوء.
تجمدت إلين في مكانها، بينما كانت مشاعر القلق تتصاعد في صدرها.
هل كان اختفاء ليوناردو مجرد بداية لغز أكبر مما تخيلت؟
مع اقتراب الحضور نحو مصدر الصوت، أدركت إلين أن هذه الليلة ستغير مجرى حياتها، وأنها ستجد نفسها في قلب تحقيق معقد، حيث تداخل الفن مع الخطر، والذكريات مع الحاضر.
كان الظلام قد ابتلع القاعة بعد انطفاء الأضواء، وأصوات الزجاج المحطم والصرخات تملأ المكان.
حاول الحضور الهروب في فوضى عارمة، بينما كانت إلين تقف في مكانها، مصدومة وغير قادرة على الحركة للحظات.
قبل أن تستوعب ما يحدث، شعرت بيد قوية تمسك بذراعها بقوة.
"تحركي الآن!"
جاء الصوت عميقا، متوترا ولكنه ثابت.
التفتت لتجد آدم كريستوفر بجانبها.
كان وجهه هادئا بشكل غريب، وكأن هذه الفوضى لا تعنيه.
حاولت سحب يدها،لكنها أدركت أن المكان يزداد خطورة مع كل ثانية.
"اتبعيني إن كنت تريدين الخروج من هنا حيّة."
قال ببرود وهو يقودها بين الحشود نحو مخرج جانبي.
رغم انزعاجها من نبرته الآمرة، لم يكن أمامها خيار سوى الامتثال.
خرجا من القاعة إلى ممر ضيق خلفي، حيث توقف آدم للحظة لينظر حوله.
"ما الذي يحدث؟"
سألت إلين وهي تحاول التقاط أنفاسها.
"هل أنتِ دائما كثيرة الأسئلة؟"
رد دون أن يلتفت إليها.
"وأنت دائما قليل الكلام!"
ردت بغضب وهي تضع يديها على خصرها.
لكنه تجاهل تعليقها وأكمل السير نحو المخرج الخلفي، عندما وصلا أخيرا إلى الشارع البارد،
أضاء مصباح الشارع وجه آدم، مما كشف عن نظراته التي جمعت بين الحذر واليقظة.
"ليوناردو اختفى." قال فجأة.
"اختفى؟ كيف؟" سألت بصدمة.
"كان متوقعا." رد ببساطة.
"متوقعا؟ ولماذا إذن كنت هنا؟"
نظر إليها ببرود وقال:
"كنت أبحث عن إجابة، لكن يبدو أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا."
في اليوم التالي، وجدت إلين نفسها أمام مكتب آدم، رغم عدم رضاها عن ذلك، كانت ترغب في معرفة المزيد عن ما حدث في الليلة الماضية، ولم يكن هناك شخص أفضل للحصول على الإجابات منه، رغم بروده.
طرقت الباب بقوة، ثم فتحته قبل أن يرد.
"ليس لديكِ أي احترام للخصوصية؟"
قال آدم دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التي كان يراجعها.
"أعتقد أن الإجابات التي أحتاجها أكثر أهمية من خصوصيتك."
ردت وهي تضع حقيبتها على طاولة قريبة.
"لماذا أنتِ هنا؟"
"أريد أن أعرف ماذا يحدث ليوناردو اختفى، القاعة تعرضت للهجوم، وهناك شيء غريب يدور حول اللوحات التي يرسمها."
أغلق آدم الملف الذي كان يقرأه ببطء، ونظر إليها بعينيه الثاقبتين.
"أنتِ تتحدثين كثيرا."
"وأنتَ تتحدث قليلا."
قالت وهي تقترب منه.
"لكن هذا لن يمنعني من معرفة ما أعرف أنك تخفيه."
قرر آدم وإلين زيارة منزل ليوناردو للحصول على أي خيوط تساعدهما على فهم ما يحدث، كان المنزل كبيرا، يعكس ذوق ليوناردو الفني، اللوحات تغطي الجدران، لكنها لم تكن عادية؛ كانت مليئة بالرموز الغامضة.
"هذه ليست لوحات فقط."
قالت إلين وهي تقترب من إحداها.
"إنها رسائل."
آدم وقف بجانبها، عيناه تفحصان التفاصيل بدقة.
"ليوناردو كان يترك أدلة في لوحاته، لكنه لم يكن يفعل ذلك من أجل الفن فقط هذه الرموز تشير إلى شيء أكبر."
"مثل ماذا؟"
"مثل شيء لا تريدين أن تعرفيه."
بينما كانا يخرجان من المنزل، وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل مجموعة من الرجال يرتدون ملابس سوداء، كان واضحا أنهم ليسوا مجرد لصوص.
"تراجعي خلفي."
قال آدم وهو يسحب سلاحه.
"أنا قادرة على حماية نفسي."
ردت إلين بعناد، لكنها شعرت بالخوف عندما اقترب أحد الرجال منها.
بدأت المواجهة، وكان آدم يتحرك بسرعة ودقة، لكن إلين لم تكن مجرد متفرجة.
استطاعت أن تستخدم ذكاءها للهروب من أحد الرجال الذين حاولوا الإمساك بها، رغم أن آدم لم يكن راضيا عن تدخلها.
"قلت لكِ أن تبتعدي عن الخطر."
قال بعد أن انتهت المواجهة.
"وأنا قلت لك أنني قادرة على التعامل مع نفسي!"
بعد العودة إلى مكان آمن، بدأت إلين وآدم بتفحص أحد الأدلة التي عثرا عليها في منزل ليوناردو كانت رسالة مخفية خلف إحدى اللوحات، مكتوبة بلغة قديمة.
"هذا نص غامض."
قالت إلين وهي تحاول قراءته.
"لكنني أعرف من يستطيع فك شفرته."
قال آدم، وكأنه قد توصل إلى خطوة جديدة في اللغز.
"ومن يكون؟"
"شخص لن يعجبكِ مقابلته."
إنتهي الفصل
Comments