The End Of The Sharapovas
في أسفلِ أرضِ مملكةِ فَنت، لكنَّ ذِكرَاها ظَلَّت...
قبلَ خمسينَ سنة...
بينَ جُدرانِ زَنْزانةٍ شَهِدَتْ على أَوَّلِ بِدايةٍ لمَجْزَرةٍ لَمْ يَرَ مِثْلَها لا إنْسٌ ولا جِنٌّ...
كان أُورْيُونُ يَتَّكِئُ بظهرِه على جِدارٍ بارِدٍ رَطِب، وأعْيُنُهُ مُعَلَّقَةٌ على البابِ الحديديِّ...
فَقَدِ اسْتَيْقَظَ مِن نَوْمِهِ على أَثَرِ صُراخِ رَجُلٍ يُجَرُّ إلى زَنْزانةٍ غَصْبًا... وما هيَ إلَّا هُنَيْهَةٌ، حتّى رَأى رَجُلًا قَصِيرًا يُمْسِكُ بِهِ حارِسَانِ...
كانَ يَصْرُخُ، يُحاوِلُ الإفْلاتَ، لكنَّ أجْسادًا شَهِدَتْ حُرُوبًا، لَنْ تَقْوَى عَلَيْها مُجَرَّدُ صُرَاخات...
فَتَحَ أَحَدُهُمَا بابَ الزَّنْزانةِ - نَفْسُ زَنْزانةِ أُورْيُون - وَرَمَوُا الرَّجُلَ إلى الدَّاخِلِ كَأَنَّهُ شَيْءٌ لا قِيمَةَ لَهُ،
ثُمَّ أُغْلِقَتِ الأَبْوَابُ الحديديَّةُ من جَدِيدٍ، إلى أَجَلٍ غَيْرِ مَعْلُوم...
كانَتْ أرْضِيَّةُ الزَّنْزانةِ مُتَّسِخَةً وَرَطِبَةً...
لَمْ تَكُنْ مَكانًا سَتَرْغَبُ في إمْضاءِ آخِرِ لَحَظَاتِ حَيَاتِكَ فيه...
نَهَضَ بِتَثاقُلٍ مِنَ الأَرْضِ، وَأَعْيُنُ أُورْيُون تُراقِبُهُ فِي صَمْتٍ. اعْتَدَلَ الرَّجُلُ فِي جِلْسَتِهِ، وَبَدَأَ يَشْتِمُ الحُرّاسَ بِصَوْتٍ خافِتٍ...
لَاحَظَ الرَّجُلُ نَظَرَاتِ أُورْيُون، فَتَوَقَّفَ عَنِ الشَّتْمِ وَاتَّكأَ عَلَى الجِدارِ...
سادَ الصَّمْتُ بَيْنَهُمَا، لا يُسْمَعُ فِيهِ سِوَى أَصْوَاتِ أَنْفَاسِهِمَا وَصَرِيرِ الأَبْوَابِ الحَدِيدِيَّةِ الَّتِي تُفْتَحُ وَتُغْلَقُ بَيْنَ الحِينِ وَالآخَرِ...
مَرَّتْ بُرْهَةٌ، فَقَطَعَ أَقْصَرُهُمَا الصَّمْتَ قَائِلًا بِبَلاغَةٍ:
"ما الَّذِي قَادَ خُطاكَ إِلَى هَذَا القَبْرِ الحَدِيدِيِّ؟ أَمِنْ ذَنْبٍ اقْتَرَفْتَهُ؟ أَمْ مِنْ فِكْرَةٍ لَمْ يَحْتَمِلْهَا مُلُوكُ الطِّينِ؟"
فَأَجَابَهُ مَنْ حَفِظَ كُلَّ جِدَارٍ فِي هَذَا المَحْبَسِ:
"طَمَعِي أَعْمَى بَصِيرَتِي، وَطَيْشِي أَسْكَتَ حِكْمَتِي، وَشَهْوَةُ الحُكْمِ قَادَتْنِي بِخُطىً ثَابِتَةٍ نَحْوَ هَذَا القَيْدِ الَّذِي أَلْبَسُهُ اليَوْمَ كَمَنْ يَلْبَسُ ثَوْبَهُ الأَخِيرَ."
عادَ الصَّمْتُ يَضَعُ نُقْطَةَ الخِتامِ لِهَذَا الحِوارِ البَلِيغِ، يُسْكِتُ النَّدَمَ مُعْلِنًا أَنَّ الحَسْرَةَ عَلَى مَا فَاتَ لا تُحْيِي مَيْتًا، وَلا تُشْبِعُ جَائِعًا، وَمَا هِيَ إِلَّا أُسْلُوبٌ يُجِيدُ بِهِ العَاجِزُ تَبْرِيرَ سُقُوطِهِ، يُزَخْرِفُ بِهِ وُجْعَهُ لِيَرَاهُ الآخَرُونَ حِكْمَةً، وَهِيَ فِي جَوْهَرِهَا صَرْخَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ لا تَرُدُّ زَمَنًا، وَلا تُغَيِّرُ قَدَرًا.
لم يَطُلِ السُّكوت، فمَن ظلَّ حَبيسًا لا يُدركُ الزَّمَن، فنَطَقَ مَن ظلَّ في القَبْرِ سِنِينَ:
"لَم أَرَكَ مِن قَبل... مَن أَنتَ، يَا مَن قَذَفَتْهُ الأَقْدَارُ إِلَى جِوَارِي؟"
أَعَادَ نَظَرَهُ لَهُ احْتِرَامًا، فَمَنْ تَعَلَّمَ العِلْمَ فَقَدْ تَعَلَّمَ الأَدَبَ قَبْلَ الحُرُوفِ:
"أَنَا سَجِينٌ كَالأٓخَرِينَ... لَكِنَّ قَيْدِي لَيْسَ مِنْ حَدِيدٍ، بَلْ مِنْ أَفْكَارٍ سَبَقَتْ عَصْرَهَا. عَالِمٌ فِي الجِينَاتِ، لَعِبْتُ بِمَا لَا يُلْعَبُ، فَأَحْرَقَنِي مَن خَافَ النُّورَ."
عَدَّلَ فِي جِلْسَتِهِ قَائِلًا بِتَهَكُّمٍ، وَالأَعْيُنُ تَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ:
"مَا الَّذِي جَعَلَ رَجُلًا بِعِلْمِكَ يُؤْثِرُ ظِلَّ الزَّنَازِينِ عَلَى ضَوْءِ المَجَالِسِ؟ أَمِنْ خَطَإٍ فِي الحِسَابِ، أَمْ مِنْ صَوَابٍ لَمْ يَحْتَمِلْهُ الزَّمَانُ؟"
تَنَهَّدَ مَنْ بَلَغَ فِي العِلْمِ مَا أَشَابَ رَأْسَهُ:
"لَمْ يَكُنْ خَطَأً، بَلْ صَوَابًا أَرْعَبَ العُرُوشَ... اقْتَرَحْتُ عَلَى المَلِكِ فِكْرَةً تُغَيِّرُ مَلَامِحَ الإِنسَانِ، تُوَرِّثُ الذَّكَاءَ كَمَا نُوَرِّثُ الدَّمَ، فَأَجَابَنِي بِالسَّيْفِ بَدَلَ الإِصْغَاءِ. فِي مَمَالِكِ الطِّينِ، لَا يُغْفَرُ لِمَنْ يُفَكِّرُ أَبْعَدَ مِمَّا يَجِبُ."
يَعودُ الصَّمتُ ويَذهَبُ، كأنَّه يُحاوِلُ مَنعَ مَجزَرةٍ لا يُدرِكُها لا فاعِلُها ولا ضَحاياها، لكنَّ القَدَرَ أقوَى مِنَ الصَّمت، فحالَ عليه أنْ يَمنَعَ ما لا بُدَّ أنْ يحدُث.
أمالَ أوريون رأسَه، وقال بنبرةٍ تُشبِعُ صَمتَ سنواتٍ خَلْفَ جُدرانٍ باردةٍ:
"زِدْني بيانًا، فما تَسَلَّلَ إلى فَهْمي من قولِكَ إلَّا نَزْرٌ يَسير."
نظرَ العالِمُ حولَه، واقتَرَبَ، ثم همسَ بكلماتٍ تُشبِهُ الوَصِيّة:
"اعْلَمْ أنَّ الفِكرةَ لم تَكنْ جُنُونًا كما ظنُّوا، بل كانتِ امتدادًا مَنطقيًّا لِفَهمِنا الحاليِّ لِعِلمِ الجينَات. في كلِّ خليةٍ، يوجَدُ شريطٌ مزدوجٌ يُدعى الحَمْضَ النَّوويَّ، يَحمِلُ شيفرةَ الكائنِ، وصفاتِه، وطِباعَه. ما قُمتُ بهِ باختِصارٍ، هو تصميمُ ناقِلٍ فيروسيٍّ مُعَدَّل، منزوعِ الخُطورة، يَحمِلُ جيناتٍ مُستخلَصةً من دماغِ شَخصٍ آخر، ويُحقَنُ داخلَ خلايا مُضيفٍ بشريٍّ. هذا النَّاقلُ يُدمِجُ الشيفرةَ الجديدةَ في نَسيجِ الدماغِ دونَ إثارةِ جهازِ المناعة، بفضلِ بروتيناتٍ طوَّرتُها تُضلِّلُ الخلايا المناعيةَ وتَمنَعُها من رصدِ التَّسلُّل.ولأنَّ الدماغَ مَركزُ الذاكرةِ والمَهارات، فإنَّ الجيناتِ المنقولةَ تُحفِّزُ تكوينَ روابطَ عصبيةٍ جديدةٍ، تُشبِهُ إعادةَ كتابةِ الوعي. ليسَ استنساخًا، بل تَشابُكٌ بينَ عقلَين... لا يُولَدُ شخصٌ جديد، بل شخصٌ يَحمِلُ وعيَين، ذاكرتَين، وعبقريتَين في جسدٍ واحد."
اتَّسَعَت عَيناهُ، فما سَمِعَهُ أشبهُ بالخيالِ لمن لا يُدرِكُ أو يفقَهُ عِلمَ الجينات. لكنه كانَ ذا عِلمٍ واسع، وإن لم يَبلُغ مَن صَنَعَ أساسَ البِداية. فمَن أوجَدَ الشّيءَ أحقُّ بالاحترامِ ممّن طوَّرَه. لا تطوُّرَ دونَ أصل، ومَن طوَّرَ لم يَفعَلْ إلَّا تجديدَ الموجود، وأمّا مَن أبدَعَ، فَقَدْ أَخْرَجَ ما لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ.
ظَلَّ العَالِمُ يَشْرَحُ لَهُ مَا اسْتَطَاعَ، لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ مَوْتَ فِكْرَتِهِ مَعَهُ، بَلْ أَرَادَهَا أَنْ تَتَطَوَّرَ وَتُسَاهِمَ فِي ازْدِهَارِ هَذِهِ المَمْلَكَةِ، حُلْمٌ نَبِيلٌ سَيُلْطَخُ بِاسْمِ الوَحْشِيَّةِ عَمَّا قَرِيبٍ...
قَضَيَا سَاعَاتٍ فِي مُنَاقَشَةِ الْفِكْرَةِ، وَظَلَّ العَالِمُ يُدَوِّنُ الْمَعْلُومَاتِ فِي عَقْلِ السَّجِينِ...
مَعَ طُلُوعِ فَجْرِ الْيَوْمِ الْجَدِيدِ، وَالأَخِيرِ لِلْعَالِمِ، اقْتَرَبَ نَفْسُ الحَارِسَيْنِ، وَأَشَارَا لَهُ بِالْوُقُوفِ، فَعَلِمَ المَعِينُ أَنَّ الأَمْرَ مَحْتُومٌ وَلَا مَفَرَّ لَهُ...
وَدَّعَ أُورْيُونَ وَدَاعًا أَخِيرًا، فَفُتِحَتِ الزَّنْزَانَةُ، وَأُغْلِقَتْ فَوْرَ خُرُوجِهِ، وَسُحِبَ إِلَى قَدَرٍ مَكْتُوبٍ...
فِي مَمْلَكَةٍ أَصْبَحَ فِيهَا التَّفْكِيرُ إِلَى خَارِجِ الحُدُودِ جَرِيمَةً...
اسْتَطَاعَ أُورْيُونُ سَمَاعَ صَوْتِ مُعْلِنِ الحُكْمِ وَهُوَ يَتْلُو الحُكْمَ قَبْلَ أَنْ يُحْضَرَ المَحْكُومُ عَلَيْهِ...
وَلَمْ تَمْضِ سِوَى دَقَائِقَ حَتَّى نُفِّذَ حُكْمُ الْمَوْتِ فِي حَقِّ مَنْ أَنْتَجَ فِكْرَةً جَدِيدَةً... لَمْ يَكُنِ الأَوَّلَ وَلَنْ يَكُونَ الأَخِيرَ...
مَرَّتِ الأَيَّامُ، وَتَحَوَّلَتْ إِلَى أَسَابِيعَ، وَاخْتَفَى مَعَهَا خَبَرُ مَوْتِ تَالْيُوسْ فُونْ إِيرِيدُونْ...
ـ16 تموز 3629 من سنة الملكيةـ
مع بداية طلوعِ الفجر، بدأت دوريةٌ حول الزنازين لتفقُّدِ الأمورِ وأحوالِ السجناء. كان السجّان يمرُّ على كلِّ زنزانةٍ على حدة، ولم يتبقَّ له سوى اثنتين...
مرَّ على الأولى، فاتَّسعت عيناهُ فجأة، ثمَّ ركض نحو الثانية، وما إن نظر داخلها حتى خَرَجَتْ روحه من بين ضلوعه. عادَ راكضًا، يحملُ خبرًا لم تسمعه أروقةُ هذا السجنِ منذ أكثرَ من مئةٍ وسبعين سنة؛ خبرًا زَلْزَلَ الأرض تحتهم، فليس من عادةِ هذا السجنِ أن يدخلَه أحدٌ ويخرج منه... بل غالبًا ما يخرجُ منه دونَ روح.
انتشر الخبرُ في الأنحاء، وانطلقت دورياتُ التفتيش، وأُرسلَ خمسةُ حرّاسٍ إلى الحدود لإغلاق البوابات في أسرعِ وقتٍ ممكن...
وقفَ مأمورُ السجنِ ينظرُ بخيبةِ أمل، يتوعَّدُ بالعقابِ الشديد على هذا الإذلال الذي لَحِقَ به جراءَ تقصيرِهم... هروبُ سجينَين... أمرٌ لم يشهدْهُ سجنُ إيريبوس منذ زمنٍ بعيد، أو بالأحرى، هذه ثاني مرةٍ يرى فيها السجنُ محاولةَ هروبٍ ناجحة.
اقتربَ منه نائبهُ وقالَ بصوتٍ مرتجفٍ وقد غلبه الخوف:
"لا تقلق يا سيدي... إنهما لم يبتعدا بعد، والحُرّاس يجوبون كلَّ ركنٍ بحثًا عنهما."
لم يُكلِّفِ المأمورُ نفسَه عناءَ الرد، بل أخرجَ سيجارةً من جيبِه، وأشعلها بعودِ ثقاب. رمى العودَ على الأرض، ووضع السيجارة بين شفتيه، واستنشقَ سُمَّها ببطء... أخرجَ دخانًا كثيفًا، ثم قال كأنما يُحدِّثُ نفسَه:
"انتهت أيّامُه بين هذه الجدران... وما عادَ لهذا القفصِ سلطانٌ عليه."
النَّائِبُ نَظَرَ إِلَى الْأَرْضِ بِعَارٍ، وَقَالَ:
"حَقًّا، يَا سَيِّدِي، أَقِرُّ بِخَطَئِي الْعَظِيمِ وَأَسْتَنِيرُ بِرَحْمَتِكَ، فَاغْفِرْ لِي تَقْصِيرِي الَّذِي لَا يُغْتَفَرُ."
تَنَهَّدَ الْمَأْمُورُ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ بِتَأَمُّلٍ شَدِيدٍ:
"فَلْتَجْسُدْ لِرَبِّنَا كَي يُمَكِّنَ الْحُرَّاسَ مِنَ الْعُثُورِ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ فَشِلُوا، فَمَصِيرُنَا أَنَا وَأَنْتَ أَنْ نُمْحَى مِنَ الْذِّكْرَى، وَتَكُونَ نِهَايَتُنَا لَا تُرْوَى."
ــــــــــــــــــــــــــــــــThe endـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتمنى الفصل الاول من روايتي يعجبكم ان شاء الله..🌱
.
للمعلومة فقط هذه ليست رواية رومانسية في حالة ظن شخص ما انها كذلك...😊
.
بإذن الله ما راح تكون في هذه الرواية اي لقطات غير لائقة او مسيئة الى اي فئة معينة..
.
و اذا تمت الإشارة لشخصية معينة انها فاسدة فهذا ينتسب لها هي فقط كشخص مسؤول عن أفعاله و تصرفاته و لا يقصد بها جماعة معينة...
.
.
🌱
معلومة: التنزيل راح يختلف، مثلا انزل فصل في واتباد و بعد اربع ايام انزله هون 🩰
Wattpad: Maisam78
Comments