𝟑

...في صباحٍ رمادي جديد، طرق كينيان باب غرفة ليندسي، ودخل دون أن ينتظر إذنًا....

...وقف أمامها، متأمّلاً إياها بنظراتٍ غريبة، وكأن شيئًا ما يضطرب داخله، لكنه لا يملك الجرأة ليتلفّظ به....

..."ما الأمر؟!"...

...سألته ليندسي بنبرة غير معتادة، خشنة، متحفّزة....

..."ماذا؟!"...

...تراجع بخفة، يحدّق فيها بدهشة، إذ لم يعتد سماع هذه النغمة في صوتها....

...كانت... مختلفة....

..."لم تأتِ بلا سبب، أليس كذلك؟!"...

...ردّ ببرودٍ كعادته، كأنما يتحدث عن أمرٍ تافه:...

..."جئت لأخبرك ألا تغادري الغرفة اليوم."...

...رفعت حاجبيها....

..."لماذا؟"...

..."زوار من العشائر الأخرى سيحضرون إلى القصر."...

...ساد الصمت بينهما، ثقيلًا كجدارٍ لا يُهدم....

..."وجودك وحده يثير النفور فيهم، فالأفضل أن تبقي هنا. في غرفتك."...

...ثم أضاف، دون أن يلتفت:...

..."ولن تزعجي الخدم مجددًا، أليس كذلك؟"...

...كان كلامه أشبه بخنجر مغروز بابتسامة جامدة. ثم جال بنظره في أرجاء غرفتها المزينة، وابتسم بسخرية:...

..."تبدو حياتك مريحة في هذا الترف الذي لم تسعي له يومًا."...

...ثم أدار وجهه عنها، كمن يأبى حتى النظر إليها....

...كينيان كان يمقتها...لا، أكثر من ذلك....

...كان يراها وصمة، خيانة لنقاء الدم، وُجِدت حيث لا ينبغي لها أن تكون....

...'هو يظن أنني أعيش مدلّلة، مستمتعة بمزايا لا أستحقها.'...

...لم تكن ليندسي من نبلاء الدم الخالص....

...كانت ابنة أمّ من العامة، نالت الاعتراف فقط بفضل موهبتها النادرة في الكهانة....

...لكن بعد أن سقطت تلك الهالة عنها، بعدما كُشِف أنها لم تعُد كاهنة… أصبح وجودها محلّ شك....

...ولم يكن ذلك وحده....

...خطط سيلفيا الدنيئة جعلت كينيان يظن أنها تضطهد الخدم وتتدلل، متنعّمة بترفٍ لا يليق بها....

...قال دون أن ينظر إليها:...

..."حين يغادر الزوار، عودي لمكانك الحقيقي. حتى صبري له حدّ."...

...فأجابته بثبات:...

..."كنت أفكر بالأمر."...

...ارتسمت على وجهه ابتسامة دهشة واستخفاف:...

..."ستغادرين؟ حقًا؟ وهل تظنين أن هناك مكانًا ينتظرك؟"...

...كان يظنها تتشبث بالقصر كما يتشبث الغريق بخشبة، لكنه لم يعلم أن قرار الرحيل كان محفورًا في قلبها منذ زمن....

..."سأعود إلى دوقية كيسيون."...

...كلماتها خرجت ثقيلة، كأنها تُنزِفها من قلبها لا من لسانها....

...ذاك المكان... لم يكن وطنًا، بل سجنًا....

...لكنه كان الطريق الوحيد....

...'عليّ أن أُسقِط اسمي من سجل العائلة. إن بقي هناك... فلن أتحرّر منه أبدًا.'...

...كان التحدي قاسيًا، لكن لا بد من الخلاص....

...'يجب أن أجد طريقة. يجب أن أهرب، أن أعود إلى كوريا... مهما كلّف الأمر.'...

...صوت كينيان فجأة شقّ أفكارها بصراخ:...

..."ليندسي كيسيون! أما زلتِ تسمعينني؟!"...

...فوجئت، شعرت بقبضته تطبق على معصمها....

...لكن ما بدا كغضب، لم يدم....

...تغيّر وجهه، أصبح غريبًا....

...كان يحدّق في يدها، في بشرتها الشاحبة تحت أصابعه، وكأن شيئًا خفيًّا يربكه....

...'لقد نسيته... هو أيضًا من المتعالين.'...

...قواها الروحية كانت ما تزال غير مستقرة منذ استيقاظها....

...لكن كينيان، بقوته، لا يمكن أن يكون قد تأثر بها فعليًا... لا، هو مَن اختار أن يترك يدها....

...يده انسلت من معصمها بهدوء، لكنها ظلّت تحدّق فيه، وفي تلك اللحظة، ظل هو بدوره يحدّق في كفّه الفارغة....

...'ما هذا الشعور الغريب؟ حين لمستها... شيء داخلي اهتزّ. كأن السكون داخلي انكسر.'...

...كان قد عاش حياة جافة، مليئة بالقوة... لكنها تخلو من الشعور....

...القوة التي امتلكها لم تكن نعمة، بل لعنة. ...

...شعور أبديّ بالعطش، بجوعٍ لا يُروى....

...وكان، منذ وُلد، يعاني من هذا الفراغ الذي لا يُفهم....

...لكنه، للحظة واحدة فقط، حين لمسها... شعر بالراحة....

...'لا... بل شعرت كأنني إنسان.'...

...لكن الشعور تلاشى فور أن أزاحت يدها....

...أراد أن يعود إليه، أراد أن يلمسها مجددًا فقط ليسترجعه....

...صُدم من رغبته....

..."أبعد يدك."...

...قالتها بنظرة صارمة، لم ترتعش....

...هو، الذي لطالما احتقرها، لم يستطع هذه المرة أن يرد....

...، تذكّر من تكون. تلك المرأة... خانت أزيث. شوّهت اسم العائلة.'...

...تمالك نفسه وقال:...

..."ما بالكِ لا تتحدثين بأدب؟"...

...فأجابته بنبرة ساخرة:...

..."هل أستخدم الألقاب وأنت لا تحترمني؟"...

...اقترب، صوته يحمل تهديدًا:...

...'كان عليّ أن أطردها منذ البداية... لم يكن عليّ أن أرحمها لحظة.'...

...لكنها لم تتراجع....

...كانت أقوى من ماضيها، أقوى من نظراته....

..."أتظنين أن أزيث سيحميك؟"...

..."..."...

..."سبق أن قلت، أزيث لا يعنيه أمرك. إن أردتِ الخروج من هنا بكرامة، فتصرّفي على هذا الأساس."...

...كانت الحقيقة واضحة....

...حتى حين اشتكت له من ظلم الخدم، كان جوابه:...

...> "لا تثيري المتاعب."...

...لم يعد يؤلمها ذلك. لم تعد تنتظر شيئًا....

..."لا تقلق. سأرحل وحدي."...

..."ماذا؟"...

..."لا تتعب نفسك. أنت لا تكترث لحياتي... ولا لموتي."...

...ابتسمت، بثبات يشبه الانكسار....

...'اضربني إن شئت. لم أعد أخافك.'...

...ما عاشته في ساحات المعارك كان أهون من غضب كينيان....

...وفي اللحظة التي كاد أن يمدّ يده إليها، دوى صوت هادئ، آمر:...

..."توقف، كينيان."...

...تصلّبت أطرافها، لأن ذلك الصوت لم يكن غريبًا....

...كان أزيث راديان....

...خطيبها السابق....

..."الزوار وصلوا. لا وقت لإضاعة الجهد على هذه المرأة."...

...تبادل النظرات معها، لكن نظرته مرّت من خلالها كأنها هواء....

...'أنا، بالنسبة له... مجرد حجر في الطريق.'...

..."ليندسي، يا عزيزتي."...

..."..."...

..."لا تكوني فظة مع كينيان."...

...ضحكت، بسخرية مريرة:...

..."أما كان الأجدر بك أن تقول هذا له؟"...

...رفع يده كمن يتأفف:...

..."هذا أقصى ما يمكنني فعله لأجلك."...

...كلماته كانت باردة كثلجٍ يلامس جرحًا مفتوحًا....

...'هذا هو، أزيث.'...

...كانت قد تساءلت من قبل، حين أصبحت "هان جي-يو" في عالمٍ آخر......

...'لو متُّ هناك... هل كان سيحزن؟'...

...والآن... عرفت....

...لم يكن ليحزن....

...بل ربما كان ليرتاح....

...لكن قبل أن ترحل، كان لا بد لها من كلمة أخيرة....

...حدّقت فيه وقالت بثقة:...

..."هل تعلم يا أزيث؟ لم أنعم يومًا، ولم أُهن خادمًا."...

...تجاهلها، كأن الكلمات لا تعنيه....

...كينيان كذلك، اكتفى بنظرةٍ مشككة، كأنها تهذي....

...لكنها أكملت:...

..."ستندمان."...

..."نندم؟"...

..."أجل... يومًا ما، ستندمان على ما فعلتماه بي."...

...قالتها بصوتٍ واثق، عيناها مشتعلة، وقلبها ساكن....

...ضحك أزيث بسخرية... وسامته تلمع لكنها جوفاء....

..."ندم؟… مستحيل."...

...كان متيقنًا تمامًا بأنه لن يندم أبدًا....

...بل، في الحقيقة، تساءل ببرود:...

...وهل يوجد شيء يستحق الندم بالأصل؟...

...كلمات ليندسي لم تُحرّك فيه شيئًا....

...لم تُشعل فيه شعورًا، ولم تترك ندبة....

...كانت مجرد هواء يتلاشى في صمت....

...لذا، قال بصوتٍ هادئ، خالٍ من الندم… ...

...وبملامح جامدة كقناع:...

..."للأسف… لا أظن ذلك."...

مختارات
مختارات

3تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon