مرت عدة أيام منذ سمعت ذلك الحديث الغريب عن انتقال أشخاص من عوالم الأنمي والأفلام إلى هذا العالم . كنت أحاول أن أطرد تلك الفكرة من رأسي ، لكن كلما رأيت شخصاً يحمل سيفاً غريباً أو يرتدي درعاً لامعاً ، شعرت أن العالم من حولي يتغير شيئاً فشيئاً .
رغم ذلك ، ركزت على هدفي الوحيد : البقاء ، كنت أعمل بجد ،كل يوم ، أرفع الصناديق الثقيلة ، أتحمل نظرات التعب والإرهاق ، وأعود في الليل إلى نفس المكان في الغابة ، أمد ظهري على الأرض الباردة ، وأحاول أن أنام .
لكن اليوم ، وأنا أضع يدي في جيبي بعد انتهاء العمل ، لامست أطراف أصابعي شيئاً جعلني أبتسم رغماً عني...
مئة دولار .
مئة كاملة . مئة حصلت عليها بعرق جبيني . لم يكن أحد قد أعطاني إياها ، ولم أجدها على الأرض . لقد كسبتها أنا .
نظرت إلى صاحب العمل ، وقد بدا أكثر هدوءاً من المعتاد .
اقترب مني وقال :
" أحسنت هذا الأسبوع ، إياك أن تظن أن أحداً لم يلاحظ تعبك ... غداً إجازة ، خذ وقتك . "
تفاجأت للحظة . غداً ... إجازة ؟ لم أتوقع أن أحصل على يوم راحة في هذا العالم . شعرت بسعادة غريبة ، ليست فرحاً صاخباً ، بل شيء هادئ ودافئ ، كما لو أن العالم قرر أن يعطيني لحظة لأتنفس فيها .
في طريقي إلى الغابة ، لم يكن التعب يثقل خطواتي كعادته . جلست قرب شجرة أعرفها جيداً ، تلك التي أستند إليها كل ليلة . أخرجت هاتفي ، فتحته ، ولم أفعل شيئاً به . فقط نظرت إلى شاشته الصامتة . لم يظهر إشعار من التطبيق الغامض هذه المرة ، فقط ظَلَّ رمز " ما وراء المجهول " في زاويته المعتادة ، يلمع بخفوت وكأنه يراقب بصمت .
أغمضت عيني .
" غداً لدي إجازة ... ربما حان الوقت لأبحث عن نزل رخيص . سرير حقيقي ... ربما دش ساخن ... "
لم أكن متأكداً كم سيكلف ذلك ، لكن مع مئة دولار في جيبي ، شعرت بأنني أستطيع شراء الراحة ، حتى ولو ليوم واحد .
ابتسمت ، وغرقت في نومٍ مختلف عن كل ليلةٍ سابقة ... نوم فيه أمل ، وخطة بسيطة ليومٍ أفضل .
...
استيقظت باكراً على غير العادة . لا صوت للعمال ، لا أصوات صراخ أو أوامر . اليوم فعلاً إجازة .
غسلت وجهي عند مجرى الماء القريب من الغابة ، رتبت ملابسي المهترئة قدر المستطاع ، ثم خرجت من الظل إلى ضوء الشمس ، وفي رأسي هدف واحد : البحث عن نزل رخيص .
كنت أبحث عن نزل بسيط . سرير ، سقف ، وربما حائط يمنع البرد . ثلاثة دولارات فقط . هذا ما وضعته كميزانية ، لا أكثر .
توجهت إلى السوق ، حيث الناس يبيعون ويشترون ، يصرخون ويتجادلون . توقفت عند رجل يبيع الفواكه وسألته :
" هل تعرف نزلاً رخيصاً ؟ شيء بثلاثة دولارات مثلاً ؟ "
نظر إلي وكأني مجنون " ثلاثة دولارات ؟ في أحلامك ."
سألت شاباً يجلس عند الرصيف ، ثم سيدة تبيع الخبز ، ثم عامل نظافة . كلهم كانت إجاباتهم تدور بين " لا أعلم . " و " لا يوجد مكان بهذا السعر . " البعض تجاهلني تماماً .
ولكنني لم أستسلم . استمررت في السؤال ، بصدقٍ وإصرار ، حتى شعرت أن قدمي لم تعد تحملني .
ثم ، بينما كنت أجلس على طرف الطريق أتنفس بصعوبة ، سمعت صوتاً هادئاً خلفي :
" أنت تبحث عن مكان رخيص "
التفتُ ، ورأيتها . سيدة عجوز ، ملامحها طيبة ، ووجهها مليء بتجاعيد الزمن . كانت تحمل سلة صغيرة فيها أعشاب طبية .
" نعم ! " أجبت بسرعة وكأنني تعلقت بحبل نجاة .
ابتَسَمَت وقالت : " يوجد مكان ... ليس مشهوراً ، لكنه آمن . يُدار من قِبَل امرأة كبيرة مثلي . تعال ، سأرشدك إليه . "
وقفت ، وشعرت بأن هذه اللحظة الصغيرة كانت انتصاراً جديداً ... طريق صغير نحو دفء حقيقي ، ولو ليومٍ واحد .
19تم تحديث
Comments