---

بين الحساسية والمرح.. حكاية فتاة تخفي وجعها بالابتسامة

أنا فتاة يبدو على ملامحي الفرح، ويظنّ من يراني أن حياتي خفيفة كنسمة صيف، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن قلبي يحمل أثقالاً لا تُرى. أنا تلك الفتاة الحسّاسة التي تبكي بصمت، وتضحك بصوتٍ عالٍ كي لا يسمع أحدٌ أنينها الداخلي. لا أحب أن أُشعر من حولي بضعفي، لذلك أتقن دور الفتاة المرِحة التي تُطلق النكات وتزرع الضحكات في وجوه الآخرين، حتى لو كنت في داخلي أحتاج إلى من يبتسم لي.

كثيرًا ما أجد نفسي في صراع بين ما أشعر به حقًا، وما أُظهره للعالم. أحيانًا يضيق صدري من أمور بسيطة، كلمة غير مقصودة قد تجرحني، أو موقف عابر يعلق في ذاكرتي طويلاً. أحاول أن أبدو قوية، لكنّ داخلي هشّ كزجاج شفاف، يخاف من الانكسار أمام من يحبّه. ومع ذلك، لا أسمح للحزن أن ينتصر عليّ. أواجهه بضحكٍ مصطنع أحيانًا، لكنه صدقٌ من نوع آخر، صدق الرغبة في ألا أكون سبب حزن لأحد.

تعلمت أن الناس لا يفهمون دائمًا ما وراء الابتسامات، وأن كثيرين يفضّلون الوجه المشرق على الحكاية المظلمة خلفه. لذلك اخترت أن أكون كما يريدون، لا لأنني ضعيفة، بل لأنني أحبّ أن أكون مصدر راحة لا عبء. لا أريد أن يشعر أحد بثقل قلبي، ولا أريد أن يرى أحد دموعي، فأنا أؤمن أن لكل إنسان همه الخاص، فلماذا أضيف همومي إلى قلوبهم؟

لكنّي في لحظات الصمت، حين يهدأ كل شيء، أعود إلى نفسي. أخلع قناع المرح، وأتحدث مع روحي كما لو كانت صديقتي القديمة. أعاتبها على طيبتها الزائدة أحيانًا، وأشكرها لأنها رغم كل شيء، ما زالت قادرة على الحب والعطاء. في تلك اللحظات أكتشف أن الحساسية ليست ضعفًا كما يظن البعض، بل هي دليل على قلب حيّ يشعر بعمق. هي اللعنة الجميلة التي تجعلني أتألم بسرعة، لكنها أيضًا تجعلني أفرح لأبسط الأشياء.

ربما أبدو مرحة طوال الوقت، لكن من يعرفني جيدًا يدرك أن ضحكتي ليست دائمًا انعكاس سعادة، بل مقاومة. مقاومة لليأس، للحزن، وللألم الذي لا أريد أن ينتصر. أنا أضحك لأعيش، لا لأنني لا أتألم. أضحك لأمنح نفسي سببًا للبقاء، وأمنح غيري شعورًا بالطمأنينة.

في النهاية، أنا تلك الفتاة التي تجمع بين النقيضين: حساسة لدرجة البكاء من كلمة، ومرحة لدرجة إضحاك الجميع في أحلك اللحظات. قد أنهار أحيانًا في داخلي، لكنني دائمًا أنهض بابتسامة جديدة. فربما يكون تَصنّع المرح طريقتي الخاصة في النجاة، وطريقتي في القول للعالم: “أنا بخير” حتى عندما لا أكون كذلك.

---

مو كل اللي ساكت مرتاح، ولا كل اللي يضحك بخير.

في ناس تتألم بصمت، مو لأنهم ضعفاء، لكن لأنهم يعرفون إن الحزن لما يُقال يوجع مرتين: مرة لما نحكيه، ومرة لما نشوف أثره في عيون اللي نحبهم.

فـ يصيرون يخفون وجعهم بابتسامة خفيفة، يردّون بكلمة "ما فيني شي" وهم من الداخل يغرقون.

مو خوف من الضعف، لكن احترام لمشاعر اللي حولهم، حرص إنهم ما يصيرون عبء على أحد.

يمرّ اليوم تلو الآخر، واللي بداخلهم يهدأ أحيانًا، ويثور أحيانًا، بس دايم يتعلمون كيف يرممون أنفسهم بصمت.

يتكئون على الدعاء، على الليل، على لحظة هدوء ما يسمعها أحد.

يتغيرون من الداخل، يصيرون أكثر نضجًا، أكثر لطفًا، كأن الحزن علّمهم كيف يراعون حتى الألم في الآخرين.

ووسط كل هذا، يكتشفون حقيقة صغيرة لكنها عميقة:

إن السلام مو غياب الحزن، بل وجوده مع القدرة على التعايش معه.

إن القوة مو في إنك ما تتألم، بل في إنك تبتسم رغم الوجع، وتكمل الطريق بقلب متعب