...لينسيرايثون...
...ما وراء النبض...
...لم يكن الحب يوما حلما لها...كان شيئا بعيدا،...
...مؤلما، يشبه الأمنيات الميته...
...هناك ممر لا يدخله أحد، إلا إذا كان مستعدا ...
...ليخسر كل شيء...
...هل نختار الحب؟ أم هو من يختارنا في اللحظة ...
...التي نكون فيها أضعف؟...
لم يكن في البيت سوى صوت أنفاسي ، كل شيء كان ثابتا...الجدران ، النوافذ ، و الفراغ الذي تركوه
"هم"
لا أعرف إن كان يصح أن أطلق عليهم هذا الوصف
كانوا والداي... لكنهم قتلوا في داخلي شيئا ما قبل أن يحلوا عن حياتي و الأرض كلها
أنا هنا في بيت بالكاد يصلح للعيش ، بين كتب تخصصي المفضل البرمجة و الذكاء الاصطناعي في أخر سنه لي في الجامعه و نوافذ لا تفتح بسهوله، أدرس علما لأستخدمه لحل العالم و لأهرب من نفسي
أطلقت تنهيدة ، ثم سمحت لنفسي بالوقوف و جمع تلك الكتب المتناثرة في أرجاء البيت ، ذهبت لأرتدي ملابسي و اخترت بنطالا أسود واسعا و بلوزه قطنيه زرقاء كلون السماء ، تركت شعري الأسود المائل للبني منسدلا بخصلات ذات تجعيد خفيف
خرجت مبكرا لأصل الى تلك الجامعة المرموقة التي حصلت على منحه فيها ، جامعه كبيره يحيط بها العديد من الأشجار و اللأزهار و في وسطها بناء شاهق يزينه ساعة و تمثال لمدير الجامعة الأول
جمعت الهواء في صدري ثم أطلقته ، دخلت من باب الجامعة و هناك رأيت فتاة ذات شعر أسود ناعم تركض باتجاهي بكل حماس و تصرخ باسمي
" إيليورا ، أيتها الحمقاء أتصلت بك مرارا و تكرار ، كنت أشعر بلأنزعاج الشديد و أنا أكرر الاتصال بك دون جدوى كيف تركتن ي بهذا الشكل" بغضب طفيف
نظرت إلى تلك الفتاه ، صديقيتي المفضله منذ أن التحقت بهذه الجامعه نعرف كل شيء عن بعضنا حتى هي تعرف عن ماضي المؤلم،هي شخص متحمس و متفائل تدخل في المخاطر بسهولة دون التفكير في العواقب
"لينيا، لقد اخبرك من قبل لا أحتاج منك أن توصليني بسيارتك الى الجامعه يمكنني الذهاب بمفردي سيرا على الاقدام" بعتاب
" لكن إيليورا ، أنا أحاول مساعدتك ! لماذا تصرين على فعل كل شيء بمفردك ؟ أريد أن أكون بجانبك أنا صديقتك لماذا تفعلين هذا؟" قالت هذا بصوت معاتب و حزين
لينيا أنها فتاة غنيه ، مميزه ، جميله بينما أنا الفقيرة ، مرت لينيا بالكثير من الصداقات التي استغلتها ، لكنها كما تقول انها وجدت معي الأمان أو ما يسمى الصداقة وأنا وجدت معها ذات الشيء
نظرت إلى عيناها ذات اللون الأخضر التي تشبه أشعة الزمرد التي تلمع تحت الضوء خافت ، اقتربت ببطء و عانقتها و هي بادلتني و قلت
" شكرا لك ، أيتها الحمقاء أنت دائما بجانبي و أنا أعلم أنك ستبقين إلى جانبي ، لكن يجب أن أعتمد على نفسي، مع ذلك سنبقى معا دائما و أبدا أيتها الساذجة"
قهقهت بخفه عندما سمعتها تضحك بصوت عالي ثم قالت
"أعلم جيدا ذلك حتى لو طلبت مني أن اتركك سوف اقتلك قبل ان تفكري بذلك" بتهديد و صوت غاضب مصطنع
ضحكنا بصوت عالي ثم أكملت
" اه صحيح ، سمعت أن هناك أستاذا جديدا أصبح محط أنظار الفتيات ، حتى أصبحن يلاحقنه في كل مكان" بأبتسامه خبيثه
" أستاذ جديد هذا غريب"
" لا أعلم لقد سمعت أن اليوم أول يوم له و أصبح مشهور لكن لا أحد يعلم ما هو تخصصه.... هيا أيتها الكسولة سوف نتأخر على المحاضرة"
أمسكت بيدي و بدأنا نجري في ذلك الممر المزدحم بالطالب ، الذين كانوا ينظرون إلينا بسبب ضحكاتنا العالية ، وصلنا الى قاعة المحاضرة و كان الطلاب قد اخذوا أماكنهم بلفعل يتحدثون حتى حضور الأستاذ هاري
كنا نتحدث أنا و لينيا حتى أوقفنا ذلك الصوت العميق الجهوري و العالي ترافقه رائحة مسكره و كأنها أدمان
" الجميع اجلسوا"
أرتفعت شهقات الدهشه من الجميع و سرعان ما عمت الهمسات ، حتى سمعوا ذلك الصوت المخيف يأتي مره اخرى
"سكوت"
نظرت إلى ذلك الأستاذ...يبدو أنه هو من يتحدث عنه الجميع ، عيناه شديدة السواد كليله مظلمه يضل فيها الكثيرون ، طويل القامة و شعره قاتم السواد تتمرد بعض الخصلات على جبينه يضيف الى ملامحه الحادة مثل السيف غموض لا يفك يحيطه ، يرتدي ذلك القميص الأسود رافعا أكمامه لتبرز تلك الأذرع مع بنطال أسود اللون يضع يده في جيب بنطاله
أزحت نظري عنه و ألتفت إلى تلك الجالسة بجابني ، شعرت بها تضربني بخفه على كتفي بينما كانت تحدق بذلك الأستاذ و عيناها متسعتان ، ألتفتت عندما سمعت صوته
" حسنا لن اتأخر عليك في هذه الكلمة الغبيه ، أعلم أن هناك من لا يتوقع الكثير من ماده العلوم التطبيقية و ربما البعض يأتي بدافع الفضول "
زفر ببطىء ثم أكمل
"لكنني أعدكم أن ما ستكتشفونه في هذه القاعة لن يكون عاديا أبدا ... أسمي الدكتور رويل ، و يمكنكم أعتبار هذه المادة مدخلا لعالم مختلف تماما عما أعتدتم عليه" بصوت حاد و جاد
عم الهدوء القاعة بعد حديثه ، لم يعد يسمع سوى أنفاس المضطربة التي كانت تكسر الصمت بثقلها ، لكن ذلك الصمت كسر تماما حين فتح باب القاعة ، و دخل منه شخص يرتدي سترة بيضاء و بنطالا أزرق ، كان شعره البني المجعد ينسدل بعشوائية و عيناه العسليتان تتجولان في المكان بثقه لافتة ثم تكلم
" أعتذر أستاذ ، أنا طالب جديد و لم أكن أعلم في إي قاعة تعقد هذه المحاضرة لذا اعتذر عن التأخير"
عادت الهمسات تنتشر في أرجاء القاعة تتحدث عن ذلك الفتى و جاذبيته ، نظر الأستاذ و أمومأ له بالجلوس ، توجه ذلك الطالب و جلس بجانبي تبادلنا النظرات و ارتسمت على وجوهنا ابتسامة صغيره
شعرت بيد تقرص يدي ، ألتفت رأيت لينيا تبتسم بخبث تجاهلتها و ألتفت
"سكوت...و هذا تحذير لكم جميعا أنا لا أتساهل مع أي شخص يتأخر عن محاضرتي ، و من يتأخر فلن يسمح له بالدخول أبدا ،هل هذا واضح ؟ "
أنهى حديثه بصرامه ، انتقل بهدوء لبدأ تلك المحاضرة بسؤال
" كيف يفكر الحاسوب؟ ذلك الجهاز الذي يراه البعض مجرد أداة للمساعدة أو وسيله لحل مشاكلهم السطحية ، لكن نحن المبرمجين نراه بشكل مختلف تماما فهل نعرف كيف يفكر الحاسوب ؟ و هل نفهم كيف يعمل الذكاء الاصطناعي ؟ اظن أن هذا السؤال تافه عند البعض لأنكم في السنه الأخيرة لذلك أريد أجابه ذكيه"
بدأ بعض الطلاب في محاولة الإجابة على ذلك السؤال و كانت إجاباتهم جيدة لكنها لم تكن مرضية له ، في جهة أخرى كانت بعض من الطالبات يقدمن إجابات عشوائية لا رغبة للفهم بل فقط للفت انتباهه ، و قد بدت على ملامحه علامات الغضب و كان واضحا من تلك نبرته و النظرات الحادة
قاطعت تلك الطالبة التي كانت تتحدث بإجابات سطحية و سخيفة تم قلت بنبرة خافتة لكن حادة
" بالنسبة للحاسوب عالمه يتكون من لغة الالة الصفر و الواحد لا احتمالات و لا مشاعر ، نحن نراه كأداة لكنه في الحقيقة انعكاس دقيق لمن يبرمجه
ففكرة الذكاء فيه ليس ذكاء حقيقيا ، بل محاكة ذكية لفعل الإنسان
الذكاء الاصطناعي لا يبدع من العدم بل يبحث في كم هائل من المعلومات و يتعلم منها ، هو لا يفكر لكنه يقلد التفكير ببراعة تجعلنا نصدق أنه ذكي
لعل ما يرعب أكثر، أنه كلما زاد ذكاؤه أصبح مرآة أوضح لعقل الأنسان نفسه لماذا وضعت لغات البرمجة أذن ؟ "
سمعته يتكلم لكن قد خفت قليلا تلك النبرة الغاضبة و قال
" لكن بنسبة للبعض هذه أجابه مملة "
تنفست بضجر ثم قلت
" لكن ذلك لا ينطبق علينا جميعا ، نحن المبرمجون هذا عملنا نحن الان من علينا تطوير هذا الذكاء و جعله أعظم في المستقبل "
تأملني بصمت لثواني بدت كأنها دهر بسبب التوتر الذي يحيط بي ، ثم قال
" ما هو أسمك "
صمت قليلا قبل أن أجاوب و قلت بنبرة ثقة
" أدعى إيليورا "
همهم قليلا ثم أنتقل الى موضوع أخر وعند انتهاء المحاضرة قبل أن يقف و تجتمع الطالبات حوله
" بما أنه لم يبقى القليل عن تخرجكم سوف تستغلون كل وقتكم للعمل على مشروع تخرجكم و هذا يحتاج الى جهد و وقت ، و سوف يكون على شكل أفرقة و كل فريق مكون من ثلاثة طلاب "
أنهى كلامه و خرج متجاهلا الفتيات ، و قفنا أنا و لينيا نتسأل في من سيكون الطالب الثالث معنا ، أوقف حديثنا ذلك الطاب الجديد و قال
" عذرا على مقاطعتكما لكنني بحاجة الى فريق ... هل يمكنني الانضمام إليكما؟" بصوت فيه بعض الغرور
نظرت الى لينيا التي بدورها التفتت الي بعيناها الخضراء و هي تصلح غرتها بأطراف اصابعها ، في النهاية كنا بحاجة الى شخص ثالث و لم يكن من السهل العثور على احد لذا وافقنا ، و اتفقنا أنننا سنلتقي بعد ساعه لترتيب كل شيء ثم ذهب ، التفت الى لينيا التي كانت تقول
" إيليورا ، يا فتاة ! هل اليوم هو يوم حظ ؟ المعلم و الطالب أصبحا محط أنظار الجامعة في يوم واحد ، أعتقد أن كلاهما يتنافسان من أجمل" بنبرة من الدهشة و المرح
"على الأقل الآن لما لم تستطيعي التركيز طوال المحاضرة ، وسيم في المقدمة و وسيم في الخلف أنت محاصرة لينيا " بسخريه
" تشه أنا لست محاصرة ، بل انت يا عزيزتي" بخبث واضح في صوتها
" أنا !؟ بل أنقذي نفسك أولا ، تأكلينهما بنظراتك تلك أنت تقعين بسهولة أيتها الحمقاء ، صدقيني أنا اعرفك "
ما إن أنهيت جملتي حتى أتسعت عيناها و ملامحها تحولت الى تهديد لطيف
" إيليورا !"
صرخت و هي تشير بإصبعها نحوي
"أقسم إن أمسكت بك سأجعلك عبرة لكل من تجرؤ على السخرية من ملكة الجمال ! "
ضحكت بأعلى صوت ، و بدأت أركض فورا متفادية الطلاب و المارة
ضحكت بأعلى صوت ، و بدأت أركض فورا متفادية الطلاب و المارة في الممر
" أنقذوني ! أنها مجنونة "
" أيتها الحمقاء ، توقفي "
ضحكاتنا كانت تعلو ، و الطلاب يلتفتون بدهشة بعضهم يضحك و أخرون يهمسون بفضول
ركضت حتى وصلت الى زاوية ، فاختبأت خلف أحد الأعمدة أطلت برأسي ببطء ، فرأيتها تمشي ببطء و تقول
" أعرف أنك هنا أيليورا ، لن تنجي هذه المرة "
ثم فجأة .... أمسكت بي من ظهري
" أمسكت بك أيتها اللعينة "
تحولت المطاردة الى عراك ضاحك بين صديقتين لا تفرقهما حتى حرب عالمية ثانية
"هل انتهيتما من المرح ؟"
اوقفنا ذلك الصوت الاجش و تلك الرائحة الدافئة و المغرية كأنها خلقت لتترك في الذاكرة ، تجمدت أنا و لينيا في مكاننا عندما رأينا الأستاذ الجديد
أنا ما زلت نصف منحنية من الضحك و هي تمسك بيدي بقوة و كأنها كانت توشك على سحبي أرضا
وقف أمامنا ، عيناه تمسح الوقف و كأنه يدرس مشهدا غريبا في فلم رديء الانتاج، نظراته ثابتة جعلت ضحكتنا تختنق في حنرجرتنا
"إن كنتن تبحثن عن لفت الأنظار فقد نجحتن " بنبرة تحمل غضبا
صمت للحظة ثم تابع بصوت منخفض لكن أكثر حدة
" لكن في مهامي ، من يلفت الأنظار يصبح هدفا و الأهداف لا تحذر بل تصطاد .... احرصوا على أن تبقوا غير مرئيين ، فالبقاء على قيد الحياة يبدأ من الصمت " بنبرة أشبه بالهمس البارد
كان ينظر الينا و كأنه يعرف أكثر مما يجب ، كأوراق مكشوفة أمام عين تقرأ ما وراء الكلمات
مر من جانبنا و كأن الهواء تغير من حولنا
رائحته لم تكن عطرا بل أشبه بشيء أخر ، دخان ناري مختلط بمعدن بارد ، رائحة تشبه الميدان أو ربما ..... الحرب
التفت لينيا بسرعة و همست
" هل قال يصطاد ؟ من هذا ؟ أستاذ أم قناص في فلم أكشن ؟ّ! "
تمتمت بصوت خافت
"كأنه يراقب العقول "
كنا ما زلنا واقفتين مكاننا نحاول استيعاب ما حدث
نظرت بالصدفة الى ساعتي ، شهقت بصوت واضح و قال
" لينيا ! الطاب الجديد !"
أمسكت يدها بسرعه و بدأنا نركض بين الطلاب ، و صلنا الى الكافيتيريا أخيرا، أنفاسي تتلاحق و قلبي يكاد أن يخرج من صدري ، تتجول عينانا بسرعة في المكان نبحث عنه
أشارت لينيا الى زاوية حيث كان جالسا وحده ، يعبث بهاتفه و يبدو عليه بعض الذيق
"وجدته"
تقدمنا بخطوات سريعة ، عندما اقتربنا رفع رأسه و نظر ألينا ثم قلت
" نعتذر بشدة لم نقصد التأخر" بصوت هادئ
" لا بأس توقعت ذلك " بصوت حازم فيه بعض الغضب
جلست لينيا بجانبي و قالت بنبرة محاولة لتخيفيف الجو
" هذا الأستاذ اليوم قرر تهديد الجامعة اليوم لهذا تأخرنا" بصوت مرح مع ضحكة صغيرة
اـبتسم ذلك الطالب ابتسامة صغيرة جدا شبه خفية ثم قال
" فهمت ، أذن أنتما من النوع الذي يركض خلف الخطر "
تبادلنا النظرات و قلت
" نحن فقط ... نبدو هكذا "
ألتفت الى لينيا و ابتسمنا لبعض
" بالمناسبة أنا لوكاس"
مد يده بابتسامة ، صافحته بهدوء و قلت
" أنا ايليورا و هذه لينيا "
و لينيا كا عادتها لم تحتمل الصمت و قالت
" لوكاس ، أسم غريب ، لكنه يليق بك "
ضحك بصوت مرتفع و قال
" غالبا ما يقال لي ذلك شكرا لك"
بدأنا بعد ذلك الحديث بشكل جدي عن المتطلبات الأساسية للمشروع ، و البرمجيات المتفق عليها ، و فكرة المشروع بشكل عام
ناقشنا المواد اللازمة ، و الخطوات الأولى التي ينبغي علينا تنفيذها
و اتفقنا أن نبدأ العمل الفعلي من الغد ، أما اليوم فسنكتفي برسم المخططات المبدئية و توزيع مهام البرمجة على كل واحد منا ، حتى تكون بدايتنا منظمة و واضحة
نظرت الى ساعتي لأتفقد الوقت ، فتحت عيناي قليلا بصدمة صامتة .... سأتأخر عن عملي
وقفت فجأة و قلت بهدوء
" أنا أسفة ، لكن يجب أن أرحل الآن ، سأتأخر عن عملي بدوامي الجزئي "
نظر إلي لوكاس بدهشة خفيفة، كأنه لم يتوقع ذلك
" أنت تعملين؟!؟!؟ لستي غنية ؟ّ! "
نظرت إليه بنظرة هادئة خالية من التفاخر و أبتسمت بخفة و قلت
" لست من أولئك الطلاب الذين يعتمدون على مصروف ثابت أو يضيعون المال دون وعي ، أنا أجمع مالي بنفسي ، و نعم أنا أعمل بدوامين جزئيين "
ثم وجهت ابتسامة الى لينيا ، ووقفت لتعانقني ثم قالت
" متى سوف تعودين"
" اليوم لدي محاضرتين واحدة في العاشرة و الأخرى في الواحدة "
ابتسمت لي و قالت
" لا تنسي أن تتصلي علي بعد انتهائك"
عانقتها بحنان ، ودعنا بعضنا البعض و غادرت المكان بخطوات سريعة
وصلت الى مكان عملي الأول ، مقهى صغير يقع بالقرب من الجامعة ، يميز بطابع خشبي دافئ حيث تكسو الجدران ألواح من الخشب البني و تحيط به مقاعد مريحة بلون الأخضر البارد جدا كأنها نسجت من نسمات الربيع
دخلت بخفة كما أفعل في كل مرة ارتديت زي العمل بسرعة و ربطت شعري على عجل
بدأت بتنفيذ الطلبات المعتادة، أتنقل بين الطاولات و أدون الملاحظات و أوجه تلك الطلبات الى العاملين معي
أخرجت دفتري الصغير لأدون بعض الأشياء التي يحتاجها المقهى لاحقا ، لكن شيء ما اوقفني رفعت رأسي ببطء ، كان هو
" الأستاذ رويل "
تقدم بهدوء ، خطاه ثابتة كأنها لا تجيد التردد ، عيناه تتفحص المكان كمن يعرف جيدا أين يقف ، و عندما استقرت نظراته علي شعرت بثقلها و كأنها تحاول قراءة شيء أعمق مما هو ظاهر
توقف أمامي و قال بصوت عميق
"لم أكن أعلم أن أحد من طالبات تلك الجامعة يعملنا هنا "
رفعت حاجبي و لم أظهر أي أرتباك و قلت بثبات
"و هل من المفترض أن نكتفي بالمحاضرات و الجلوس خلف المقاعد ؟ الحياة أكبر من ذلك أليس كذلك أستاذ ؟
" هل لديك أي محاضرات الآن ؟ أن أنك تهربت منها للمرح " بنظرة ساخرة و صوت عميق
شعرت بحرارة خفيفة تتصاعد داخلي ، غضب طفيف اجتاحني حدقت به بثبات و قلت
" أنا لا اتهرب من مسؤولياتي ، إن كانت محاضرتي الآن لكنت هناك ، هذا عملي و ليس وسيلة للمرح و الهرب بل للبقاء" بصوت حاد ممزوجة ببعض الغضب
راقبني بهدوء ، لاحظ فيها توتري الطفيف
" عيناك علي ..... لا تتوتري "
" أنا لست متوترة "
" كوب من الأمريكانو"
دونت طلبه بسرعة أتجنب بها أي تواصل شعرت بثقل نظراته لحظة ، ابتعد و جلس في زاوية هادئة من المقهى ، ظهره مستند الى الجدار و عيناه تراقب المكان ، أو لا ليست تراقب المكان كأنهما تتفحصان كل شيء كأنه يراقب الجميع
تاركا خلفه أثرا غريبا ، ليس فقط بسبب نبرة صوته الغريبة و العميقة الممزوجة بشيء من التحذير ، ولا بسبب طريقة كلامه التي بدت و كأنها منتقاة بعانية ، بل ذلك التناقض بين نظراته الهادئة و كلماته الحادة
" لا تتوتري ، أنظري الى عيني ، تهديد ، اصطياد ، خطر " تشه من أستاذ ، منذ متى يقول أستاذ لطالبة جمل كهذه ؟ و كأنه يعرف ما أشعر به مسبقا ، هنا شيء غريب
حضرت طلبه بيدين مرتجفتين ، لا أعلم لماذا يربكني هو مجرد أستاذ
وضعت الكوب على الصينية و أخذت نفسا عميقا قبا أن أسير نحوه، كانت خطواتي ثابتة ظاهريا و في داخل شيء غريب أعتقد أنه حس التحليل داخلي
وصلت الى الطاولة ، وضعته أمامه بلطف و قلت
" طلبك أستاذ "
" هممم "
استدرت لأعود لكنه أوقفني فجأة بصوته دون أن يرفع رأسه عن هاتفه و قال
" عمليتك كانت سريعة ، و يديك ثابتة رغم التوتر "
وسعت عيناي لكن فورا أخفيتهما
" عفوا أيها الأستاذ أنا لا افهم شيء مما تقوله ، فلتستمع بقهوتك "
خرج الأستاذ من المقهى بخطوات هادئة و ثقيلة ، بقي أثره يطفو في المكان كما لو أن حضوره لم يغادر بعد
بعد ساعة خلعت المئزر ، رتبت شعري سريعا و خرجت من الباب الخلفي للمقهى
أتمشى ببطء ، كانت نسمات الهواء تلامس وجهي بلطف ، نظرت الى ساعتي لا زال هناك ربع ساعة قبل المحاضرة القادمة أخترت أن أمشي على مهلي في الطريق المؤدي الى الجامعة ، أراقب الطلاب المتناثرين هنا وهناك البعض يضحك والبعض يتكلم ،وصلت أخيرا إلى القاعة ودخلت جلست بهدوء على أحد المقاعد المحاضرة ، كانت عن الروبوتات بشكل دقيق وتلك المعالجات الحسيه المعالج المركزي كنت أدون كل شيء بعنايه ربما لأنني وجدت نفسي مأخوذة بهذا العالم الجميل
عند انتهاء المحاضرة كانت لدي واحده أخيرة أنهيتها بصمت ،غادرت الجامعة باتجاه منزلي دخلت الى غرفتي الصغيرة خلعت معطفي جلست على الأريكة لبرهه أتنفس بعمق ،ذهبت إلى الحمام أخذت حماما سريعا وارتديت ملابسا مريحه ، جلست أمام حاسوبي المحمول الذي أحضرته لينيا في عيد ميلادي لم أكن أريد أخذها لكنها كانت تصر علي أنه فقط هدية عيد ميلاد ، لكن أنا لا أحتاج يمكنني أن أحضره براتبي لكنني أعرف عقل صديقي الأحمق ، بدأت أرسم مخططات المشروع ، لم يتبقى الكثير لكن التركيز مطلوب والمهام ليست سهله ، نظرت إلى ساعه مجددا أقترب وقت عملي المسائي
"ذلك المطعم الفاخر ينتظرني"
أغلقت الحاسوب تنفست بعمق وبدأت أستعد للجزء الثاني من يومي الطويل ، ارتديت بنطالا أسود مع بلوزه خفيفة داكنة وتركت شعر منسدلا بحريه على كتفي خرجت ماشيه بخطى هادئة نحو ذلك لمطعم الفاخر
وصلت قبل خمس دقائق من بداية دوامي كما أعتدت دائما ، في غرفه الموظفين ، ارتديت زي العمل الرسمي قميص أسود وبنطالا بنفس اللون فوقهما سترة بيضاء أنيقة تضيف طابعا رسميا وجادا على المظهر
المطعم كان يكسوه اللون الأسود من جميع الجوانب تقريبا حيث تتناغم كل التفاصيل بشكل متقن الجدران والطاولات مع مفارش سوداء اللون وعليها لمسات حمراء تضيف إلى المكان تباينا بسيطا لكن انيق ، حتى الأرائك كانت باللون الأسود مع لمسات من الأحمر الغامق الذي كان يشبه لون النبيذ يضيف إلى المكان أجواء راقية وغامضة كان كل شيء يوحي بالفخامة كأنك في عالم أخر
بدأت أتجول بين الطاولات ، أخذت طلبات من الزبائن بابتسامه متعبه أتعامل مع كل طلب بحرص ، كان المطعم يعج بأجواء هادئة لكنها تنبض الحياة مع أضاءه خافته تمنح المكان طابعا دافئا ، أصوات محادثات الزبائن مجمع موسيقى هادئة تملأ الفضاء تصفي شعورا بالراحة
انتهيت من يوم عمل طويل ، خرجت من المطعم وقررت العودة إلى المنزل مشيا على الأقدام كانت الأجواء هادئة في الشوارع مما ساعدني على التخلص من التوتر الذي تراكم خلال اليوم
بمجرد وصولي إلى البيت ارتحت قليلا ثم فتحت حاسوبي أعيد ترتيب أفكاري وعيني تركز على المخططات التي كنت قد بدأت بها سابقا بدأت أضيف بعض من لمساتي الأخيرة على المشروع
بعد أن وضعت حاسوبي جانبا ، توجهت إلى سريري ثم استلقيت على ظهري وحاولت أن أغرق في الراحة لبضع لحظات ، ولكن كما جرت العادة بدا ذلك الكابوس المعتاد يتسلل إلى ذهني صورت الأحداث تتجمع ببطء تتشابك حولي ككابوس ثقيل
{والداي أمامي بكل قسوة لا يكتفون بالصراخ في وجهي فقط بل كانت كلماتهم تلاحقني مثل السكين ، أمي بوجهها الممتلئ بالغضب والكره كانت تضربني بلا رحمه وتصرخ في وجهي بغضب لم أفهمه قط "أنت بلا أية فائدة" تقول وهي تدفعني بعنف النحو الحائط وكانها تتمنى أن أختفي ، ثم يتبعها صوت أبي بروده القاتل المعتاد ينظر لي بأحتقار قائلا " يا ليتنا لم ينجبك ... أتمنى أن تموت الان وفورا " كلماته لم تكن مجرد عبارات بل طعنات تشق صدري ، أرى امي تمسك بي من شعري تجذبني بقسوة ، ووجهها يقطر كراهية خالصه ثم شرعت تقص خصلات بعنف وهي تقهقه وكأنها تعاقبني على ذنب لم أرتكبه يوما ... لم ينتهي المشهد عند هذا الحد ، بل امتد ليريني نفسي صغيرة ، وحيدة ، واقفة خارجه البيت تحت المطر الغزير أرتجف من البرد ، لم تكن هناك سوى قطعه قماش واحده تستر جسدي ، وكان المطر يلسعني كسياط ، أصرخ ، أستجدي و أتوسل من خلف الباب المغلق ، لكنهم لم يفتحوا الباب وكانوا يسمعون و يضحكون بكل فخر }
استيقظت فجاه وكان أحدهم انتزعني من أعماق بحر مظلم ، كانت انفاسي ضيقة وصوت قلبي يدق بعنف في صدري ، قطرات العرق البارد تجمعت على جبيني تتسابق في نزولها كأنها تفور من الكابوس الذي لم يرحم
وضعت كفي المرتجف على قلبي أحاول تهنئته عبثا ، ثم شعرت بها تلك القطرات المالحة تسللت على وجنتي ببطء تاركه ورائها أثار حرقا ، تلك الدموع التي كنت أمنعها قديما بسبب والداي تخرج بلا استئذان تحمل معها وجع كل تلك السنوات
سرت ببطء إلى الحمام، غسلت وجهي بالماء البارد على أن يطفء بعضا من الحرارة التي خلقها هذا الكابوس على بشرتي ، نظرت إلى المرآة لحظه ثم خرجت ، كان الوقت لا يزال مبكرا للذهاب إلى الجامعة جلست على طرف السرير أحدق بالسقف
رن صوت المنبه يعلن بداية يوم جديد ، قمت بتثاقل جمعت شتات نفسي مرة أخرى وتناولت شطيره صغيرة ،وارتديت قميصا زهريا بلون بارد هادئ قصير الأكمام مع بنطال أسود خفيف جمعت خصلات شعري إلى الخلف على شكل كعكه فوضوية تناثرت منها بعض الخصلات ارتديت حذائي ، ووضعت السماعات في أذناي
خرجت أمشي على قدمياي بهدوء ، في طريق إلى الجامعة أحاول أن أرجع التوازن إلى روحي
جلست على أحد المقاعد الخشبية في الحديقة الخارجية للجامعة ، كانت الحديقة تعج بالطلاب كل مشغول بعالمه ، لكن عيني لم تكن ترى سوى ذلك اللون الأخضر الذي يكسو المكان كله بالأعشاب والملساء تنتشر كغطاء ناعم فوق الأرض ، تتخللها أزهار ملونه من أنواع مختلفة ، كانت الأشجار تلوح بأغصانها بينما الطيور الصغيرة تنتقل من غصن إلى أخر مع تغريداتها المعتادة
سمعت خطوات خفيفة أعرفها جيدا رفعت في رأسي رأيتها لينيا ، كانت ترتدي فستانا أصفر المائل إلى الأبيض ، أما شعرها فقد ربطت جزء منه في كعكه مرتفعة غير مشدودة وتركت الباقي منسدلا على كتفيها وغرتها التي كانت تتطاير بسبب الهواء ، فتحت ذراعيها فجأة وبكل سرعة ركضت نحوي كما تفعل دوما ثم احتضنتني بقوة دافئة ، رفعت رأسها بخفه وكانت على وشك أن تتحدث لكن نظراتها توقفت على عيناي ، كانت عيناي منتفخة وحمراء من البكاء مما جعل لينيا تنظر لي بقلق شديد ثم قال
" ما الذي حدث معك ؟ ، هل بكيت اليوم ؟ هل ؟ أنت بخير ؟ " بصوت قلق
نظرت لها ثم شعرت بتلك القطرات المالحة تعود مجددا ، كما لو أن قلبي لا يزال يرفض أن يهدأ ، نعم لينيا هي الوحيدة القادرة على رؤيه دموعي حتى وأن حاولت أخفائها ، وما أن رأت تلك القطرات حتى احتضنتني بقوه وكانها تحاول احتواء في كل ما في داخلي من ألم ثم قالت
" هل هو ذلك الكابوس "
أومأت لها بخفه وسط دموعي التي لم تهدا ، بعد أن هدأت قليلا استعدت شيئا من قوتي المبعثرة ، وبدأنا نتحدث عن تلك الكوابيس
قلت بصوت بمتعب
" لينيا ، أنه نفس البيت ، نفس الصراخ و الكلمات التي تقتلني ببطء "
" وماذا ستفعلين الان ، إلى متى ستبقين أسيره لتلك الكوابيس ، ايلي .... لو كنت أستطيع أن أمسح كل ذكريات الماضي القدرة من رأسك لفعلت ذلك ، بل مزقتها بلا رحمه " بصوت حنون لكن مشحون بالقهر
نظرت لها بصمت ثم قلت
" ليت الأمر بيدي "
نهضنا معا وذهبنا لتلك المحاضرة الصباحية ، ذهبنا إلى محاضرة أخرى بعد أنتهائنا جلسنا في قاعة فارغة مع لوكاس و بدأنا بكتابة بعض الكودات الأساسية بأستخدام لغة الألية
"البايثون"
بقينا نعمل لفتره طويله نغوص في التفاصيل ونتجادل أحيانا حول أمور كثيره و لكننا في النهاية كنا نتقدم خطوه بخطوه ، بعد أن أنهكنا التعب اتفقنا على أن نجتمع مره اخرى في منزل لينيا هذا المساء ، بما أنني اليوم ليس لدي عمل في ذلك المطعم
قبل أن أخرج من القاعة مع لينيا أوقفني صوت لوكاس و هو يقول
" إيليورا ، لحظة من فضلك ، هل يمكننا التحدث "
لم أستطع الرد عندما قالت لينيا بهدوء
" أنا أنتظرك في الخارج "
أومأت لها بخفة ، التفت نحوه نظرت له بشيء من البرود ، لكن تلك العينان التي كانت تحمل نوع من المرح و الثقة تحولت إلى نظرت هادئة ثم قال
" أعتذر عن المرة السابقة لم أكن أقصد أن أتحدث بذلك الشكل عندما علمت أنك تعملين .... كان من الخطأ أن أحكم عليك "
صمت قليلا ثم أكمل
" أحيانا نظن أننا نعرف ما يدور في حياة الآخرين من نظرة واحدة ، لكن الحقيقة نحن لا نعلم شيئا "
نظرت إليه لبرهة ثم قلت
" لست واحدة من العديد لوكاس و لن أكون ، لكن على الأقل الآن عرفت الفرق " بصوت هادئ بشيء من التعب
زفرت ببطء أخرج كل ذلك الهواء الخانق ثم أكملت
"الاعتذار لا يغير الماضي ، لكنه خطوة نحو الاحترام ، آمل أن تكون خطوتك صادقة "
في نهاية كلماتي ارتسمت على وجهي ابتسامة صغيرة كانت تلك الابتسامة أشبه بعلامة هادئة على المسامحة
تبادلنا الابتسامة ، استدرت وخرجت حيث كانت لينيا تنتظرني مستندة على أحد الأعمدة تراقب الباب بعين فضولية
ما أن رأتني حتى قالت وهي تعقد ذراعيها
" هل أخيرا قرر الأمير أن يخلع خوذة الغرور؟ "
ضحكت قليلا وهززت رأسي
" ربما .....وربما ما زال يتعلم كيف يصبح فارسا حقيقيا"
سابقا ....
كانت لينيا واقفة على بعد خطوات تنتظر أن تبتعد إيليورا ، ثم اقتربت وحدقت به بعيناها الخضراء الامعة بجدية واضحة
" أتعلم ،إيليورا ليست مجرده طالبة عادية ، هي تعمل وتدرس وتحمل على نفسها كما لم يفعل أحد هنا ، هي لا تستحق نبرة الشفقة أو الاستغراب التي تحدثت بها سابقا " قالت بصوت ثابتا وحازم
أراد أن يرد عليها لكنها قاطعته بقول
"هي لا تحتاج إلى من يقلل منها، كرامتها عالية ، لسنا جميعا نعيش بنفس الظروف الحياه تعطينا درسا ، فكر قبل أن تتحدث مره أخرى "
أمسكت حقيبتها ثم خرجت غير عابئة بما يريد التحدث به أو أبرار موقفه
الآن .....
أمسكت لينيا بيدي وبدأنا نتمشى في الممر الطويل ، كان صامتا مليئا بالراحة تلك الراحة التي لا يشعر بها المرء إلا برفقة من يفهمه دون كلام ، ما أن مررنا بأحد الممرات حتى ضاقت عينا بلقاء تلك العينين السوداوين اللتان انطلقتا منهما نظرات هادئة متفحصه تحمل في عمقها سوادا لا يمكن تجاهله كأنها تخفي عالما لا يقرأ بسهولة ، لكنني أزحت بصري عنه فورا وكان شيئا داخلي رفض تلك النظرات أو خاف أن يغرق في فك شفراتها
دخلنا الى الكافتيريا وجلسنا في أحد الزوايا الهادئة ، تبادلنا الحديث ضحكنا قليلا وتحدثنا عن كل ما يدور في رؤوسنا من أشياء متفرقة كانت لحظات دافئة ، حتى نظرت إلى ساعتي لأتنهد بخفة
" علي الذهاب الى المقهى "
قالت لينيا و هي تتفقد هاتفها ، و تبتسم بخفة
" حسنا ، سأرافقك بعد عملك في المقهى لنكمل تلك المحضرات البائسة ثم نذهب إلى منزلي ، و لوكاس سينضم إلينا لاحقا "
خرجت من الكافتيريا مسرعة ، كان الوقت يلاحقني لأصل إلى المقهى قبل أن تبدأ نوبتي ، كنت أركض مسرعة، يحاول عقلي مواكبة كل شيء في نفس الوقت. يوم مليء بالضغوط والمشاعر المتخبطة، وعينيَّ تركزان فقط على الوجهة التي أمامي... لكن فجأة، شعرت بشيء غير متوقع ، كانت السيارة قادمة نحوي بسرعة لم أكن أستطيع التوقف أو حتى التفكير في الهروب في لحظة واحدة، كان كل شيء يقترب مني، القلب يدق بسرعة، وكل شيء بدأ يذوب في الضباب.
رفعت عيني بشكل لا إرادي، ووجدته .. كان هناك، يراقبني. كانت عيناه السوداويتان تغمرني بنظرة تركيز عميقة، وكأنما يستشعر ما كان يحدث لي في تلك اللحظة ، كنت قد أدركت فجأة أنه كان يراقبني من بعيد
وفي تلك اللحظة، جفل عقلي… وبعدما اقترب مني بسرعة، كان أمامي. نظرت إليه، وعينيه لم تفارقانني
كان صوته يخترق فوضى ذهني وكأنما كان يحمل كل المشاعر التي كنت في حاجة إليها في تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب في صدري، شيء لم أفهمه تمامًا. ولكن مع كل خطوة اقترب فيها، شعرت بتلك الحماية الغريبة التي لم أتوقعها
" هل أنت بخير "
صوته كان يحمل شيء غير معتاد، وتلك النظرة التي في عينيه كانت مشوشة قليلا...لا أعرف لماذا، ولكن ذلك السؤال جعلني أبتلع تلك الدموع التي كادت أن تسيل .... كانت لحظة صغيرة، لكنها كافية لتشعرني أن ما يحدث كان أكثر من مجرد حادث عرضي
"أنا بخير… فقط… ربما كنت أسرع في الركض قليلاً" بصوت منخفض
لكنني شعرت بتلك اليد التي كانت تحاول التأكد من أنني في أمان ، شعرت بها على ذراعي وكأنها تخترق الحواجز التي كنت قد بنيتها حول نفسي
لحظة قصيرة، لكنه كان كافيًا ليشعل في داخلي شعورًا لم أكن أتوقعه شعور بالطمأنينة كان غير مفهوم، ولا أستطيع أن أفسره
"أنتِ… لا يجب أن تركضي هكذا ماذا لو تأذيتي ... هل أنت متأكدة أنك بخير"
قالها بصوت هادئ، لكن شيء في صوته كان ينبئني أنه يعني أكثر مما قاله
" لا تقلق أستاذ أنا بخير، علي الذهاب للعمال لآن و ألا سأتأخر"
نظر لي بغضب ممزوج مع الخوف ، و قال بصوت خافت كأنه يحاول أن يخفي غضبه
"و اللعنة ، هل هذا وقت أن تفكري بعملك "
نظرت له بصدمة و قلت في نفسي لما يهتم ثم أردفت
" مع كل أحترامي لك أستاذ ، لكنني لست مثلك أجمع مالي من التدريس ، أنا أجمع مالي لكي أواصل الحياة و لآن اذا تأخرت سأطرد"
زفر ببطء و قلة صبر و قال
"حسنا ...أركبي سياراتي سأوصلك"
"شكرا لك ...لكني سأرفض"
"إيليورا .. لا تجعليني أفرغ كل غضبي لآن أركبي السيارة أذا لم تريدن التأخر عن عملك "
وافقت بعد تفكير ، كان الطريق هادئا بشكل مخيف أحسست بوخز خفيف في كاحلي أعتقد أنه ألتواء لكن تجاهلته ، لحسن الحظ وصلت في الوقت نزلت من السيارة و شكرته
لكن قبل أن اذهب نادى علي بصوته الحازم مجددا
" هل أنت بخير متأكدة ... لاتخيفين عليكي"
نظرت له بصدمة لكنني أزلتها فورا عندما فهمتها أنه خائف على أحد طالباته
" نعم أنا بخير شكرا على قلقك"
أحسست أنه شعر أنني أتلم قليلا من قدمي عندما مشيت فأعطاني مرهم و ذهب بعد أن ألقى نظرة أخيرة علي
، بعد انتهاء جاءت لينيا كما وعدت انطلقنا معا إلى الجامعة وهنا وبعد ذهبنا إلى البيت وهناك أنضم إلينا لوكس
مرت الأيام بسرعة بروتين معتاد ، ما بين المحاضرة والعمل والمخططات التي لا تنتهي ، الشيء الوحيد الجديد هو صاحب تلك العينين السوداوين كسواد القمر حين يخنقه الليل اللتان أعتدت أن أراها تحدق بي بصمت حتى عندما رأني بعد تلك الحادثة سألني أن كنت بخير أمام لينيا التي أضطررت أن أشرح لها كل شيء، أصبحت علاقتنا أنا و لينيا مع لوكاس جيدة جدا حتى أصبحنا أصدقاء
كان علينا اليوم أن نعرض الفكرة الأساسية لمشروعنا أمام الاستاذ رويل ، كنت قد أنهيت من عملي في المقهى للتو ركضت خارجة بخطوات سريعة ، الخوف من التأخير كان يعصر قلبي كلما نظرت إلى ساعتي لكن للأسف لقد تأخرت
طرقت الباب بسرعه ،وكان قلبي يخفق لقبول الحرب كنت أرجو من كل جوارحي ان يكون الأستاذ لم يصل بعد ، دفعت الباب بخفة لكن أملي انطفأ إن التقيت عيناي بعيناه .... كان واقفا أمام الطاولة يحدق بي بنظره مشحونة بشيء من الغضب ونظره مقيته
قلت بانحناء خفيف وصوت حاولت جاهدة أن أرجعه إلى توازنه
" أنا أعتذر أيها الأستاذ على تأخري هل يمكنني الدخول ؟؟ "
لكنه لم يترك لي مجالا فرفع رأسه قليلا وقال بصرامة دون أن يرمش
"أنا منذ يومي الأول قد قلت لكم أنني لا أسمح لأي طالب متأخر بالدخول ، المتأخرون الذين يلهون لا مكان لهم في صفي "
شعرت بشيء ينهار بداخلي لكنني تماسكت .... لا يمكنني أن أخرج دون أن أقدم مشروعي لا يمكنني الفشل الآن و هذا أيضا سيلحق بأصدقائي
نظر لي بحدة ، ثم نقل نظره سريعا نحو لوكاس و لينيا ، توقف للحظة و كأنه يزن شيء بعينيه و سأل بلهجة صارمة
" من المسؤول عن المشروع "
رفعت رأسي ، وثبت قدمي كأنني أحمي كرامة عزيزه ،وقلت بثقه دون أن أسمح لتوتري بالظهور
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon