...مشتل الزهور – وقت العصر....
...تسلّل ضوء الشمس بلطف بين أوراق الكاميليا والورد الأسود، وملأ المكان بدفء خافت. تناثرت رائحة الأرض الرطبة مع عبير الزهور الطازجة، تتراقص مع نسيم رقيق يحمل همسات أوراق...
...النباتات المتسلقة....
...على الطاولة المزخرفة التي يتوسطها إبريق شاي من الخزف الأبيض، تلتف أكواب أنيقة وصحون صغيرة مملوءة بحلوى محلية، في مشهد هادئ لكنه يحمل شيئًا من التوتر....
...جلست ناري بهدوء على الكرسي المقابل لتلك المرأة ذات الكاريزما الطاغية، مورغانا إيفلين دامور...
...— سيدة ترتدي السواد كأنها امتداد للظل ذاته. شعرها المتموج ينساب كألسنة لهب مظلم على كتفيها، وأصابعها المزيّنة بالخواتم تحرّك ملعقة فضيّة داخل كوب الشاي ببطء، كأنها تعزف لحنًا سريًا للهاوية....
...قالت مورغانا بنبرة باردة، تزين شفتيها نصف ابتسامة غامضة، وعيونها تلمع ببرود:...
...> "الشاي هذه المرة... مختلف قليلًا، أليس كذلك؟"...
...رفعت ناري الكوب بهدوء، وعيناها تراقبان مورغانا بحذر. ارتشفت رشفة صغيرة، ولكن طعم السمّ المرّ اجتاح فمها فجأة، فشهقت وسعلت بلا وعي....
...التفتت بسرعة نحو الشاب الذي كان يمر بجانبها، وبصقت الرشفة دون قصد على وجهه....
...ارتسم الاشمئزاز على ملامح كارتر، تراجع خطوة إلى الوراء وهو يمسح وجهه بكمّه بعينين متسعتين كالمندهش:...
...> "مقرف!!"...
...حدّق بها بغضب، وبدأ يصرخ:...
...> "ما هذا بحق الجحيـ—"...
...لكن ضحكة خافتة قطعت كلامه....
...ضحكة مورغانا....
...ناعمة، باردة، لكنها تحمل قوة كفيلة بإسكات الشياطين لو حضرت. ارتسمت على وجهها ابتسامة قاتلة، وعيناها تتلألأان بظلام عميق....
...توقف كارتر فجأة، وكأنه شعر بشيء خفي يصيبه. نظر إليها بعينين مملوءتين بالرهبة،...
...ثم تراجع متلعثماً، واستدار وانطلق مبتعدًا بخطى متسارعة، كأن عقله أرسل له إشارة عاجلة: اهرب....
...وبعد أن ابتعد، بقي في المكان شيء من الرائحة الخفية… كأن هناك أمرًا لم يُقال بعد....
...تنهدت مورغانا ببطء، وتأملت ملامح ناري وكأنها تُقيّم رد فعل شخصية روائية خرجت من بين السطور، وقالت بنبرة تكاد تكون همساً:...
...> "هل أعجبكِ... سُمّ الجحيم الأبيض؟"...
...نظرت ناري إلى مورغانا بعينين متألقتين، ولم تُظهر أي خوف أو غصب. ابتسمت ابتسامة هادئة، وضوء غريب يلمع في عينيها....
...همست في سرها:...
...> ( كمية الحب التي أخفيتِها في هذا السم... تكفيني لعمر كامل.)...
...رفعت مورغانا حاجبها ببطء، مبدية استمتاعًا واضحًا....
...اقتربت ناري قليلاً من الطاولة، وجسدت دفء الكلمات في نبرتها التي خرجت من أعماق قلب يعرف جيدًا ما يقول:...
...> "أتعلمين، يا أمي العزيزة... لا تعلمين كم أنا ممتنة لأنكِ تبنيتِني."...
...توقفت لحظة، وتأملت مورغانا ناري بعينين تخفيان الكثير، ثم ارتشفت من كوبها ببطء شديد، بنظرة غامضة لا تُقرأ:...
...> "متى... تبنّيتُكِ، على وجه الدقة؟"...
...نظرت ناري نحو السماء الرمادية خلف الزجاج الشفاف، وابتسامة هادئة تعلو شفتيها، وهي تتذكر:...
...> "قبل ستة أشهر... حين كنتُ لا أزال غريبة، بلا اسم، بلا ماضٍ، وبلا مصير."...
...وضعت مورغانا كوبها على الطاولة برقة، ثم أجابت بصوت خافت لكنه حازم:...
...> "كنتِ تملكين شيئًا خاصًا... شيئًا لا يُصنع. ولهذا رغبتُ أن تكوني ابنتي بالتبنّي. أردتُكِ قريبة... لأراكِ تنضجين... وأرى الشر ينمو في عينيكِ."...
...ثم نظرت لها نظرة أطول، كأنها تتفحّصها من الداخل، وقالت بنبرة باردة لكنها مشوبة بشيء غريب... أشبه بالريبة:...
...> "أحيانًا، أشعر وكأن العالم حولي… يُعاد ترتيبه لأجلك، ناري."...
...امتلأ قلب ناري بنشوة دافئة، لكنها أخفتها خلف هدوئها المعتاد....
...همست في سرّها، بابتسامة لا يمكن لمورغانا قراءتها:...
...> (كما هو متوقّع من مورغانا… عبقرية.)...
...وفجأة......
...ظهر وميض خافت أمام ناظريها....
...انبثقت في الهواء شاشة شفافة زرقاء اللون....
...> 🖋 النظام: "قلم الكاتبة" – نشط...
...[تم تعطيل تأثير السم مؤقتًا.]...
...رمشت ناري ببطء، وارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة، ثم همست:...
...> ( "نظام قلم الكاتبة"... طريقتي للتحكم في كل شيء هنا، وللتحكم في هذه القصة من الداخل.)...
...نظرت ناري إلى مورغانا، المرأة التي اعتلت عرش الظلام في قصّتها، وتملّكت قلبها بلا رحمة، وقالت في سرها:...
...> (مورغانا إيفلين دامور... المرأة الجميلة التي تجلس أمامي الآن، هي الشريرة في روايتي. لكن بالنسبة لي... كانت دائمًا البطلة.)...
...سحبت ناري نفسًا عميقًا، وأراحت ظهرها على الكرسي بارتياح، عينها تلمع بحزن وحنين....
...من أنا؟...
...قبل كل هذا… كنت طالبة عادية، أعيش حياة باهتة في مدرسة ثانوية لا تختلف عن أي مكان ممل آخر....
...لم أكن بارعة في شيء سوى كتابة الروايات....
...كنت أكتب هذه الرواية بالتحديد، مع شخصٍ كان الأقرب لقلبي في ذلك الوقت... حبيبي....
...شخصٌ لم يكن يفهمني تمامًا، لكنه قرر أن يقبل جنوني، ويكتب معي عالمي....
...وكما هي العادة... كنت أعشق الأشرار. لا أعلم لماذا....
...في روايتي.. جعلت الأشرار أقوى من الأبطال، جعلتهم أكثر إثارة، أكثر حياة....
...وإن سألتني من أكثر شخصية أحببتها؟ فالإجابة ستكون دومًا:...
...مورغانا....
...ذكية، جميلة، قوية، وباردة كالجليد، نارها هادئة لكنها قاتلة. وشريكها سيلاس... آه، كان مزيجًا من العبقرية والرعب....
...لكن... ذات يوم، أثناء كتابة أحد الفصول، وسهراتي الطويلة خلف شاشة اللابتوب، قررت تجربة فكرة مجنونة....
..."ماذا لو استطعت دخول روايتي؟"...
...صممت منظمة غامضة. شيء لم أضعه بشكل رسمي في الفصول، لكنه كان خطتي السرية....
...منظمة من الظلال، تستخدم طقوسًا محرمة لاستدعاء كيان من خارج هذا العالم....
...أضفتها بتلميحات فقط، وكتبت أن الاستدعاء سيكون عبر طقوس نداء الهاوية....
...ولدهشتي... نجحت....
...استُدعيت بالفعل. لكنني لم أستيقظ في جسدي... بل في جسد فتاة صغيرة. مريضة، يتيمة، بلا اسم....
...استقبلتني المنظمة السوداء بفرح غريب. قال أحدهم، صوته كصدى بعيد:...
...> "اصبحي سيدتنا، وقودي قتالنا لتدمير هذه القارة!"...
...ردت امرأة أخرى، نبرة صوتها قاسية:...
...> "معكِ سنكسر كل قوانين الملوك ونزرع الفوضى."...
...ابتسمت ناري بسخرية، وغمزت لهم في سرها:...
...> (لن يحدث هذا أبداً.)...
...وبهدوء، تملّصت من قبضتهم، وهربت بعيدًا عن ظلالهم الداكنة....
...اتجهت فورًا نحو الشخصية الوحيدة التي لطالما عشقتها... مورغانا....
...في البداية... كنت مجرد مزعجة. ظللت أظهر أمامها مرارًا، وأتحدث كثيرًا، وأرتكب الحماقات فقط لأثير اهتمامها....
...وبعد أشهر... نجحت. تبنّتني....
...والآن، ها أنا هنا... أجلس معها في حديقة زهورها السريّة، أشرب الشاي المسموم الذي صنعته لي بكل حب....
...ولم أمت؟ لأن لدي شيئًا لا تملكه أي شخصية أخرى في هذا العالم......
...> ✦ "نظام قلم الكاتبة"...
...الأداة التي تُمكّنني من التحكم بالشخصيات وتعديل مجرى الأحداث من داخل الرواية نفسها....
...لكن... ليس للأبد....
...⋯✦⋯...
...كانت ناري تعبث بحافة الكوب بأصابعها، وعيناها تراقبان ظلّ النباتات المتراقص على سطح الشاي، حين انفتح باب الزجاج بخفة، ودخل هو....
...سيلاس....
...كأن دخوله شقّ ستار الزمن، وجلب معه برودة زمنٍ آخر…...
...رجلٌ لا يشبه البقية....
...شعره الأزرق السماوي بدا وكأنه ضوءٌ ساطع انسكب على رأسه من سماءٍ صافية....
...بشرته شاحبة قليلًا، متناقضة بشكل جميل مع سترته السوداء الطويلة....
...أما عيناه… فكانتا بلون الضباب البارد، تسكنهما نظرة ثابتة لا تُقرأ....
...في يده، ظرفٌ أبيض مختوم بشمعٍ أسود يحمل نقشة تاجٍ مقلوب....
...توقفت أنفاس ناري لوهلة، خفق قلبها بخفة، وارتسم احمرارٌ لطيف على خديها....
...راقبته وهو يتقدّم بخطوات هادئة، كأن كل حركة منه محسوبة بدقة قاتلة....
...> (سيلاس… شريك مورغانا في الجريمة… أو هكذا نحبّ أن نسميهما نحن – المعجبين بهما.)...
...وقفت مورغانا بهدوء، كأنها كانت تنتظر وصوله....
...اقتربت منه بخطواتٍ واثقة، وعيناها تعكسان ظلًّا قاتمًا لا يُخترق....
...مدّ سيلاس الظرف إليها دون أن ينطق بكلمة، لكنها لم تحتج إلى سكين أو مقص....
...بإصبعها، وتحديدًا بإظفرها الطويل المصقول كحدّ شفرة، فتحت الختم بشقّ أنيق…...
...كأنها تعوّدت على تمزيق الأختام… أو القلوب....
...صفّقت ناري بحماسٍ طفولي، وتمتمت بدهشة:...
...> "واو… كأنني أشاهد أسطورة تتجسّد أمامي…"...
...لكن تصفيقها توقّف فجأة....
...كانت تراقب وجه مورغانا بدقة، فلاحظت شيئًا لا يُصدق....
...ابتسامة....
...لكن ليست ابتسامتها الساخرة المعتادة....
...بل كانت ناعمة... بريئة... ومليئة بالسعادة....
...أجفلت ناري، وشعرت بارتباكٍ مفاجئ....
...ما الذي يمكن أن يُخرج هذه الابتسامة من مورغانا؟!...
...حاولت قراءة الرسالة من بعيد، لكنها لم تستطع....
...عندها، التفت إليها سيلاس بهدوء، وعيناه الرماديتان تكشفان عن جدية ناعمة:...
...> "الرسالة... من البلاط الإمبراطوري."...
..."أميرة الإمبراطورية، إيليانورا فيلورا... قد توفيت."...
...انكمشت عينا ناري، ثم وقفت فجأة، كما لو أن قلبها توقف عن الخفقان لثوانٍ:...
...> "ماتت؟! … بطلة الرواية… ماتت؟!"...
...استغرقت لحظة في الصدمة، قبل أن تضيء عيناها فجأة، وتنفجر واقفة:...
...> "أخيرًا!!"...
..."أخيرًا تخلّصتُ منها!!!"...
...تذكّرت ناري اللحظة التي اتّخذت فيها هذا القرار....
...قبل أيام… لاحظت أن وجه مورغانا كان متجهمًا كلّما ذُكرت إيليانورا....
...حين سمعت من مورغانا تلك الكلمات البسيطة، لكنها كانت تعني الكثير:...
...> "لو اختفت تلك الفتاة من هذا العالم... لكان كل شيء أفضل."...
...ناري، بعينيها المليئتين بالإعجاب، وولائها غير المشروط، تمتمت وقتها:...
...> (سمعًا وطاعة، يا أمي العزيزة.)...
...ثم فتحت "نظام قلم الكاتبة"، وببساطة......
...حذفت البطلة....
...واختفت إيليانورا من الوجود....
...لم أكون أعلم أن الحذف هنا......
...يعني الموت الحقيقي....
...⋯✦⋯...
...لكن......
...قبل أن يكتمل شعورها بالانتصار، ارتجّ الضوء الأزرق أمام عينيها على نحو غير متوقّع، وانبثقت شاشة جديدة بخط أحمرٍ نابض:...
...> 🖋 {نظام قلم الكاتبة}...
...[⚠️ عُطل في التنفيذ – خلل غير متوقّع في النظام.]...
...اتسعت عينا ناري، حدّقت في الشاشة وكأنها ترى كابوسًا يتسلّل داخل قصتها:...
...> "هاه...؟ ما هذا؟"...
...في اللحظة التالية، اختفى التنبيه....
...همست ناري، بالكاد تُخرج الكلمات من شفتيها:...
...> (لم أكن أعلم...)...
...ثم رفعت نظرها إلى الزجاج، حيث كانت السماء الرمادية تُخفي ما هو قادم:...
...> (...أن هذا القرار الصغير... سيُشعل الجحيم على الجميع.)...
...[يتبع...]...
...في قصر مورغانا…...
...كانت أروقة القصر غارقة في أضواء الشموع المتراقصة، تتسلّل ظلالها على الجدران الحجرية كأنها أطياف أرواحٍ سجينة....
...في الخارج، ساد هدوءٌ غريب؛ لا طرقَ مطر، ولا صفيرَ رياح… فقط سكون ثقيل، كأن العالم يحتبس أنفاسه....
...كان سيلاس مستلقيًا على الأريكة القريبة من النافذة، في ركنٍ معتم من الغرفة. وجهه بدا هادئًا على غير عادته، وعيناه مغمضتان كأنهما هربتا من العالم. أطرافه مسترخية، وصدره يرتفع وينخفض ببطء....
...رفعت ناري يدها بخفّة، لتظهر الشاشة من جديد، لكن هذه المرة لم تكن زرقاء… بل تحولت فجأة إلى اللون الأحمر، وانعكس وهجها على وجهها كدمٍ يقطر ببطء....
...> 🖋 {نظام قلم الكاتبة}...
...⚠️ عُطل في التنفيذ – خلل غير متوقّع في النظام....
...حاولت ناري أن تُعيد تشغيل النظام، ضغطت بسرعة على الأزرار، همست بكلمات تحاول تهدئة نفسها:...
..."ابق هادئة، أنت الوحيدة القادرة على تصحيح المسار… ركزي."...
...لكن الشاشة تومضت بشكل متقطع، وكأنها تتنفس بصعوبة، ثم ظهرت رسالة مشوشة:...
...> "خطأ في البيانات… لا يمكن تنفيذ الأمر…"...
...ارتفعت أنفاس ناري، شعرت بخفة في صدرها، وكأن شيئًا ما ينزلق بعيدًا عنها… كأن قوتها تُسرق ببطء، وهامش السيطرة يضيق شيئًا فشيئًا....
...همست، بمرارة: "لم أعد أستطيع التحكم في قصتي…"...
...منذ وصول خبر وفاة الأميرة "إيليانورا"، بدأت هذه الشاشة تظهر تلقائيًّا، دون أن تستدعيها ناري. تارةً تومض للحظات، ثم تختفي… ثم تعود، وكأنها ترفض النسيان....
...تمتمت ناري ببرودٍ مصطنع، وهي ترفع حاجبًا:...
..."فلتسِر الأمور كما تشاء… الأهم أنني أزلتها من القصة."...
...لم تُعر التحذير اهتمامًا كبيرًا. فالرواية –في نظرها– انتهت منذ زمن. وموت إيليانورا؟ لا يعدو كونه حدثًا قديمًا من قصة طُويت صفحاتها....
...ومع ذلك، راودها تساؤل عالق: لماذا يبدو النظام وكأنه يحزن الآن فقط على رحيل البطلة؟ هل يمكن لبرمجية أن تشعر… بالفقد؟...
...أقنعت نفسها أن الخلل تقني. ربما لأن القصة فقدت مركزها. لكن شعورًا خافتًا كان يُقلقها…...
...ذنبٌ غريب، يضغط على صدرها بخفة لا تُحتمل....
...فهي من كتبت تلك الفتاة… من منحتها الحياة حرفًا بحرف. ورؤية إعلان موتها… جعلها تشعر وكأنها قتلت إنسانة حقيقية....
...⋯✦⋯...
...استدارت ناري ببطء، فراحت عيناها تتأمل ما أمامها....
...بينما كانت مورغانا جالسة على الأرض الرخامية الباردة، محاطة بمخلوقيها....
...ثعبانٌ أخضر يلتفّ على ذراعها كأنه سوارٌ حيّ، وعنكبوت أسود متوسط الحجم يجلس على ركبتها، مغطى بشعرٍ كثيف، وعيناه البراقتان تلمعان في ضوء الشموع....
...كانت تضحك بخفة، تداعب رأس العنكبوت كما يُربّت أحدهم على قطّ صغير، وتهمس للثعبان كأنها تسرد له حكاية قبل النوم....
...تأملت ناري ذلك المشهد… الابتسامة المرسومة على وجه مورغانا بدت نقيّة بشكل مخيف. وكأن غمامةً داكنة أُزيحت عن روحها....
...لقد فهمت السبب… إيليانورا لم تعد موجودة....
...مورغانا كانت تكرهها، وتعرف ناري السبب....
...فمورغانا وُلدت في أسرة "سموم"، عائلة تُهمس أسماؤها في الظلام… نشأت بين الأعشاب السامّة، وبين أنظارٍ تنظر إليها بازدراء....
...أما الأميرة؟...
...محبوبة بلا سبب، فقط لأنها تبتسم…...
...الناس يحبونها لأنّ عينيها تشعّان نورًا....
...تذكرت ناري تلك الجملة التي قالتها مورغانا ذات طفولة:...
...> "أنا أبتسم أيضًا… فلماذا لا يحبني أحد؟"...
...خفضت ناري رأسها، وكأن تلك الذكرى وخزت صدرها....
...همست، بنبرة مكسورة، وكأنها تعتذر عبر الهواء:...
...> "آسفة… لأنني كتبت لكِ حياةً تعيسة، مورغانا."...
...⋯✦⋯...
...لم تحتمل الشعور بالاختناق…...
...وقفت ناري على بُعد خطوات، تراقب مورغانا من بعيد، والقلق يتسرّب من ملامحها....
...رفعت مورغانا رأسها، نادت بصوت مرِح، وهي تلوّح بيدها:...
...> "ناري، تعالي… هل جرّبتِ لمس جلد الثعبان من قبل؟ ملمسه ناعم، كأنه ماء بارد!"...
...ترددت ناري، وارتبكت، ثم هزّت رأسها سريعًا وهي تخطو للوراء:...
...> "لا، شكرًا… أفضّل مشاهدته من هنا فقط."...
...ابتسمت مورغانا بخبث خفيف، ثم، وبحركة بطيئة مقصودة…...
...رفعت يدها الأخرى، وأحضرت العنكبوت قربها، متعمّدة إثارة ردة فعل ناري....
...اتّسعت عينا ناري، تراجعت خطوة، ورفعت يديها في ذعرٍ عفوي:...
...> "مهلًا! هذا غير عادل! قلتِ الثعبان! لم أوقّع على اتفاق يشمل العنكبوت!"...
...قهقهت مورغانا بنعومة، وعادت لتداعب مخلوقيها وكأن شيئًا لم يحدث....
...أما ناري، فوضعت يدها على صدرها وهمست في نفسها:...
...> "أحبّ كلّ ما يخصّ مورغانا…...
...لكنّ خوفي منهما لا يزال أقوى من محبّتي لهما."...
...قررت ناري أن تبتعد، فهي تعرف مزاح مورغانا جيدًا… وربما، فقط ربما، هذه المرّة ستجعلها تمسك العنكبوت حقًا....
...استدارت ناري بخفة، لكن وفجأة—...
...شهقةٌ حادّة مزّقت سكون الغرفة. التفتت بسرعة، لتراها…...
...مورغانا تتألم....
...اتسعت عينا ناري، واقتربت منها ....
..."مورغانا…!" صرخت ناري، صوتها يرتجف وهي تمسك بها بخفة، محاولةً تقييد خوفها بالتصرف....
...نظرت إليها بدهشة وقلق، لترى جسد مورغانا يرتجف، وابتسامة السعادة التي كانت تعلو وجهها قبل لحظات قد تبددت، وحلت محلها ملامح الألم....
...ترددت في التنفس، وفكّرت في نفسها: ماذا يحدث هنا؟ لماذا… لم يسبق أن مرضت مورغانا من قبل؟...
...وفجأة، دوى صراخ آخر. التفتت ناري بسرعة، لترى سيلاس أيضًا يصرخ، يتلوى على الأريكة، ويداه تقبضان على الغطاء كما لو أنه يحترق....
...ناري لم تفهم… لكن قلبها فهم قبل عقلها....
..."النظام…" همست بذعر....
...وكأن أجسادهم أصبحت امتدادًا مباشرًا لقلب القصة… وحين أصيب، نزفوا معه....
...لقد كانت نادمة حين جعلت مورغانا وسيلاس الأقوى…...
...ويبدو الآن أنهم الأكثر تأثرًا بتعطّل نظام "قلم الكاتبة"....
...وفجأة—انفتح باب الغرفة بعنف!...
...اندفع أحد الخدم راكضًا، وجهه شاحب كأنما رأى الموت، وعيناه متسعتان بفزع....
...رأته ناري، فصرخت بأمرٍ حاد وهي تسند مورغانا بين ذراعيها المرتجفتين:...
...> "أحضر الطبيب حالًا!"...
...لكن نظرات الخادم لم تكن موجّهة نحو مورغانا....
...كان جسده يرتجف، والعرق يتصبب من جبينه، ثم لهث وقال بصوتٍ متقطع مرتجف:...
...> "الجيش… جيش الإمبراطور!"...
...ارتبكت ناري، حاجباها انعقدا، فتمتمت:...
...> "عن أي جيش تتحدث؟"...
...تلعثم الخادم، ثم صرخ فجأة:...
...> "القصر… مُحاصر! من جميع الجهات!"...
...خلف النوافذ البعيدة، بدأت ظلال خوذات داكنة بالظهور، ورايات حمراء تتمايل في الأفق....
...ساد صمت ثقيل، كأن الزمن توقّف. لكن أكثر من شُلّ عقلها حقًا… كانت ناري....
...جحظت عيناها، وانكمش جسدها مكانه، وكأن قلبها سقط في بئر بلا قاع....
...وفي لحظةٍ قاتمة… حين مورغانا وسيلاس في أضعف حالاتهما… تبدأ الحرب....
...[يتبع...]...
...[قبل يومين – القصر الإمبراطوري]...
...رائحة الموت تزحف عبر أروقة القصر الرخامية، تختلط بعبق العطور الفاخرة ودخان البخور، لتخنق الهواء بثقلٍ يذكّر الجميع بأن الفقد أقرب مما يظنون....
...الصمت يلف المكان، حتى وقع الخطوات صار بطيئًا، وكأن الجدران نفسها تترقب النهاية....
...على سريرها العريض، كانت الأميرة، الوردة المدللة الوحيدة للإمبراطور، تتلوى كشمعة على وشك الانطفاء....
...جبينها يلمع بعرق بارد، أنفاسها متقطعة، وعيناها نصف مغمضتين، كل شهيق ينتزع من جسدها ما تبقى من حياة....
...جلس زوجها بجانبها، أصابعه ترتجف وهو يمسك يدها الصغيرة، ووجهه المبلل بالدموع بدا غريبًا على ملامحه القوية التي عرفها الجميع....
...أما الإمبراطور، الرجل الذي أرهبت باسمه الجيوش، فقد انحنى على ركبتيه في الجهة الأخرى، يقبض على يد ابنته بقوة، كأنه يحاول تثبيتها في هذه الحياة....
...كانت أفكارها متشتتة، تتساءل إن كانت هذه هي النهاية، وتأسف على كلمات لم تُقل، لكنها تخشى أن موتها قد يسحب معها شخصًا آخر إلى المصير نفسه....
...> الأميرة، بصوت مرتجف:...
..."أبي… أنا خائفة… خائفة من أن أموت."...
...ابتسم الإمبراطور ابتسامة حزينة، ولأول مرة منذ طفولتها ناداها باسم دلع:...
...> الإمبراطور، بحنان خافت:...
..."إيلي الصغيرة… لن تموتي. سأقلب الدنيا لأجلك."...
...اقترب الزوج أكثر، صوته مختنق، يحاول أن يشدها للحياة بكلماته:...
...> الزوج، يهمس:...
..."إيلي… لن أتركك تذهبي. سنقاتل سويًا."...
...لكن في عيونهما، كان هناك رعب آخر…...
...رعب من أن يأخذها الموت ويخسروا روحين في ليلة واحدة....
...كان كاهن البلاط في الغرفة، يحمل صولجانًا ذهبيًا صغيرًا نقش عليه ختم الإمبراطورية، ويردد أدعية بلسان قديم، محاولة استجلاب الطمأنينة وسط الوجوم....
...أما مستشار الإمبراطور، فوقف مترددًا في الزاوية، يداه ترتجفان خلف ظهره، عاجزًا عن تقديم أكثر من حضوره الصامت....
...بينما كان الطبيب الملكي إلى جانب السرير، يراقب نبض الأميرة بقلق، وصبّ جرعة علاجية على شفتيها المرتجفتين، لكنها لم تتحرك....
...رفع رأسه ببطء، وصوته ينكسر:...
...> الطبيب: "جلالتك… جربنا كل شيء. ليست سمومًا معروفة، ولا أمراضًا من هذا العالم… حتى السحر لم يترك أثرًا."...
...صوت الإمبراطور جاء ثقيلًا، مثقلًا بالرجاء:...
..."إذن… ماذا يحدث لها؟"...
...أطرق الطبيب رأسه، كأنه يخشى قول الحقيقة:...
...> الطبيب، بخفوت:...
..."كأن حياتها تُستنزف من الداخل… لا تفسير آخر."...
...ارتجف جسد إيليانورا فجأة، ووضعت يدها المرتعشة على بطنها، كأنها تحمي شيئًا ثمينًا....
...عينا الإمبراطور والزوج التقتا بسرعة، وفي عيونهما ومضة فهم، لكنها انطفأت قبل أن تتحول إلى كلمات....
...ومرت ساعات بطيئة حتى جاء الغروب… وانقطع النفس الأخير....
...خيم الصمت، وكأن القصر توقف عن التنفس....
...رفع الطبيب رأسه ببطء، وصوته ينكسر وهو يعلن:...
...> الطبيب، بصوت متهدج:...
..."جلالتك… الأميرة قد ماتت."...
...انحنى الإمبراطور على جسدها، يحدق في ملامحها التي هدأت بعد العذاب، ودموع لم يذرف مثلها منذ شبابه تدفقت على وجنتيه....
...أما الزوج فجلس بجانبها كطفل ضائع، يده ما زالت تمسك بيدها الباردة، كأنه يرفض أن يتركها حتى بعد موتها....
...لم يكن البكاء خافتًا… بل موجة جارفة اجتاحت الغرفة....
...الخدم الذين أحبّوها، الحرس الذين رأوا فيها الأمل، والطبيب الذي بذل المستحيل… جميعهم طأطأوا رؤوسهم والدموع تحرق أعينهم....
...كانت إيليانورا أكثر من مجرد أميرة… كانت قلب القصر النابض، وابتسامتها النور الذي يبدد ظلمته....
...والآن، برحيلها، شعر الجميع بأن شيئًا مقدسًا قد انتُزع إلى الأبد....
...وبدأ السؤال يتردّد في الصمت:...
...من سيرث العرش الآن؟...
...من سيجمع قلوب الشعب من بعدها؟...
...لقد أصبح مستقبل الإمبراطورية فجأة هشًّا… ومفتوحًا على الخوف....
...أغمض الإمبراطور عينيه، صورها وهي طفلة تركض في أروقة القصر تشتعل في ذهنه....
...انحنى الزوج وقبّل جبينها قبلة طويلة، ثم وقف فجأة، عيناه حمراوان، واقترب من الطبيب بخطوات ثقيلة، صوته بين الحزن والغضب:...
...> الزوج:...
..."أجبني… كيف حدث هذا فجأة؟ كانت بخير قبل أيام… وأنت من كان يفحصها، أليس كذلك؟"...
...تردد الطبيب قبل أن يجيب:...
...> الطبيب:...
..."كنت أفحصها يوميًا… صحتها كانت مستقرة… ثم… فجأة ظهرت الأعراض. ليست مرضًا طبيعيًا… كأن أحدهم فعل هذا عمدًا."...
...تجمد الزوج، وصدره يرتفع وينخفض بسرعة، ثم انفجر صوته:...
...> الزوج، محتدًا:...
..."من يجرؤ على فعل ذلك؟! من؟! كانت محبوبة من الجميع!"...
...وتحدث المستشار أخيرًا، صوته خافت لكنه مرعوب:...
...> المستشار:...
..."قبل أن تسوء حالتها… زارتها سيدة السموم....
...أمضت معها نصف ساعة وحدهما… وخرجت صامتة كأنها تحمل سرًا دفينًا."...
...ساد الصمت لثوانٍ، قبل أن يتحول الغضب في صوته إلى كراهية واضحة:...
...> الزوج، بغضب:...
..."مورغانا… تلك الساحرة الحقيرة."...
...همس أحد الحضور:...
...> الحارس:...
..."نعم…الساحرة السوداء. كانت الوحيدة التي تكرهها منذ يوم دخلت القصر… وهي تصنع السموم."...
...رفع الإمبراطور رأسه عند سماع الاسم، عيناه كنيران تتأجج:...
...> الإمبراطور، بعزم:...
..."من غيرها يملك الجرأة لتجربة سم جديد على ابنتي؟ من غيرها تمنّى موتها منذ سنوات؟"...
...قال الزوج:...
...>"أجل، وربما اخترعت هذا السم، ولهذا لم يتعرف عليه الطبيب."...
...الإمبراطور:...
...> "ظللت أحذر منها وأهاب قوتها طوال هذه السنين."...
...شدّ قبضته، والدموع تنهمر، ثم تمتم بصوت مبحوح يملؤه العزم:...
..."هذه المرة… لن أدعها تفلت. مهما بلغت قوتها وسلطتها."...
...لم يعد الحزن وحده يسكن قلبه… بل الغضب العاصف الذي سيسقط على قصر مورغانا قريبًا....
...[يتبع...]...
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon