NovelToon NovelToon

رحله للتوبه

طريق الضياع

فى شقه غرقانة دخان، وسط صوت ضحك عالي ومزيكا، كان "سعد" قاعد على الكنبة، وجنبه بنت جميلة لابسة فستان قصير.

قال وهو بيقوم:

– أنا لازم أمشي خلاص.

ردّت البنت بابتسامة دلّع:

– لأ يا بيبي، انت لسه مقعدتش كويس!

ضحك وقال وهو بيشد نفسه:

– عندي جامعة بكرة. هعدّي عليكي بعد المحاضرات.

مشي سعد وركب عربيته، وراح على البيت.

في بيت بسيط وهادئ، كانت ست كبيرة في الخمسينات قاعدة على الكنبة، وبنت جميلة جنبها رابطا شعرها كحكة وبتطبطب عليها.

قالت الأم بصوت فيه حزن:

– أنا مش عارفة إمتى هيعقل الولد ده.

ردّت البنت، كوثر، بهدوء:

– اهدى يا ماما، عشان ضغطك. ربنا يهديه.

قالت الأم بحرقة:

– هو اللي وصل نفسه لكده خطيبته سمر. حسبي الله ونعم الوكيل فيها.

ردّت كوثر:

– ربنا يصرفها عنه. أنا هرن عليه أشوفه فين.

كوثر بدأت تتصل بأخوها سعد، مرة واتنين وتلاتة... لحد ما رد.

قالت بقلق:

– إنت فين يا سعد؟ من امبارح ماما قلقانة عليك جدًا.

ضحك سعد بسخرية وقال:

– كانت قلقت عليا زمان... لما بابا كان بيضربني لحد ما يغمى عليا، ومكنتش بتعمل حاجة.

ردّت كوثر وهي بتحاول تهديه:

– خلاص، هو عند ربنا دلوقتي. ادعيله بالرحمة أحسن.

قال بسخرية وهو بيقفل:

– أحسنلي أقفل قبل ما تدخلي في قال الله وقال الرسول.

قفل المكالمة في وشها، وكمل طريقه.

كوثر دخلت طمّنت أمها، وبدأت تجهز للجامعة.

بعد نص ساعة، وهي خارجة من البيت، قابلت سعد واقف عند الباب.

قال بسخرية وهو بيشاور على لبسها:

– إيه؟ لسه زي البتنجانة؟ مش هتغيري؟

ردّت كوثر بثقة:

– البتنجانة دي بتتشبّه بأمهات المؤمنين.

رفع حاجبه وقال:

– رايحة فين كده؟

– الجامعة.

– طب استني، أوصلك.

ركبوا مع بعض، ولما وصلوا الجامعة، كوثر قابلت صاحبتها "جُود"، فعدّى سعد من جنبهم وهو بيضحك وقال:

– بتنجان وشبه بعض.

كوثر بصّت له بطرف عينها من غير كلام، فمشي.

سعد راح يقابل صاحبه "مروان"، قال له:

– إيه يا عم؟ مشيت امبارح وسِبت السهرة ليه؟

– زهقت... والقعدة بوخت.

– طب إيه رأيك؟ عندي سهرة تانية، بس فيها بيات بقى.

– ماشي يا عم، أشوفك بعد الجامعة.

وهو ماشي، خبط في جُود بدون قصد، فقال بتهكم:

– مش تفتحي وانتي ماشية؟ شكلك كده شبه العفريت.

مشيت جُود مصدومة وساكتة، فصاح بصوت عالي:

– يعني عفريتة وخُرسة كمان.

في الليل، بعد الجامعة، كانت كوثر وجُود في المسجد، بيعلّموا الأطفال حفظ القرآن.

دخل "عامر"، أخو جُود، وقال:

– أنا هديكم مجموعة البنات، وهاخد أنا الأولاد.

ردّت جُود:

– تمام.

وسكتت كوثر من الخجل.

بدأ يعرفهم على الأطفال، وقال:

– بصوا يا بنات، دي المُعلّمة جُود... ووجّه كلامه لكوثر:

– اسمك إيه لو سمحتي؟

كوثر اتسمرت مكانها من الخجل، مردتش.

جُود ابتسمت وقالت:

– اسمها كوثر.

سابهم عامر، وراحوا هم على مصلى النساء يبدؤوا التحفيظ.

كوثر بدأت تقرأ آيات من سورة النور بصوت هادئ، والأطفال حواليها بيحاولوا يقلدوها.

جُود كانت بتعلم البنات الصغار أحكام التجويد، وعامر واقف من بعيد بيراقب المشهد، ابتسم وهو شايف كوثر من غير ما تاخد بالها.

بعد شوية، جُود قالت بصوت واطي لكوثر:

– تحسي عامر مركز معاكي؟

كوثر وشها احمر ومردتش.

في نفس الوقت، كان سعد رايح يقابل مروان، لكن وهو داخل الكافيه، وقف فجأة مكانه…

سمع صوت مروان من بعيد بيكلم بنت بصوت واطي بس واضح:

سعد اتصدم، عينه وسعت، وفضل واقف ساكت… قلبه بدأ يدق بسرعة، وحاجة جواه اتكسرت.

صدمه

كان عامر واقف ورا البنات، بيشوفهم وهم بيرددوا الآيات بصوت واحد.

لكن عينه كانت من وقت للتاني بتهرب ناحية "كوثر".

كوثر، بصوتها الهادي، كانت بتكرر الآيات للأطفال بكل حب، وعيونها شايلة وقار وحياء نادرين.

ساعات كانت تبص في الأرض، وساعات في المصحف، وساعات تحس عامر بيبصلها فوشها فـ وشها يحمر وتبعد عينها بسرعة.

خلص التحفيظ، وجُود قالت: – يلا نوصلك يا كوثر، الدنيا بقت ليل.

كوثر ردّت بلُطف: – لا والله، أوصل لوحدي.

عامر قال بهدوء: – إحنا مش بنخوفك… إحنا بنطمن عليكي.

كوثر سكتت، وجُود مسكت إيدها وهمّوا يخرجوا مع بعض.

وصّلوها لحد باب البيت.

كوثر قالت: – شكرًا يا جُود… وسلامي لمامتك.

عامر اكتفى بنظرة طويلة وهو ساكت، وركب هو وأخته.

في الطريق، سأل عامر: – هي كوثر دايمًا كده؟

جُود ابتسمت بخبث وقالت: – من إمتى وانت بتسأل عن البنات؟

ضحك عامر: – مش دايمًا… بس هي مش زي البنات التانيين.

جُود قالت بهدوء: – فعلاً… دي بنت بيت، ومحترمة، ودماغها حلوة أوي.

بس... حياتها مش سهلة.

عامر سأل باهتمام: – ليه؟!

– أخوها سعد… دايمًا عامل لهم مشاكل، وأمها تعبانة نفسيًا من اللي بيحصل.

سكت عامر شوية وقال: – ربنا يجبر بخاطرها… أنا مش عارف ليه حاسس إنها مختلفه.

جُود بصّت لأخوها وقالت بنبرة فيها ملامح فهم:

– بصراحة؟ أنا أول ما شفتها، حسيت إنك هتركّز معاها.

عامر اتفاجئ: – ليه؟

– عشان انت بتحب البنات اللي دماغها كبيرة، مؤدبة، مش بتجري ورا حد، وبتخاف من ربنا... وده كله فيها.

عامر سكت، وعينيه سرحت في الشارع.

– بس يا عامر...

جُود كملت بعد لحظة: – هي مجروحة من جواها... وبتحب تبان قوية، بس لو قربت منها بحنية، هتلاقي حاجات كتير مستخبية.

عامر ابتسم ابتسامة خفيفة: – غريبة... مع إني معرفهاش، بس حاسس إني شايف نفسي فيها.

سعد وقف على باب الكافيه، وعينه متسمّرة على الترابيزة اللي قدامه.

كانت سمر قاعدة... بتضحك بصوت ناعم، وبتلمس إيد مروان وهي بتتكلم.

مروان، اللي كان بيقول:

– متقلقيش… هو مش هيعرف حاجة، ده صاحبي وغبي في نفس الوقت.

صوت ضحكة سمر طلع عالي: بس شكله بيحبني!

مروان هز راسه وقال: يبقى غبي أكتر.

قلب سعد وقع.

كأن كل مشهد شافه في حياته رجع قدامه في لحظة.

ضحكتها… كلامها… لما كانت بتقول له "بحبك"، كلها دلوقتي بقت كذبة كبيرة جدًا.

إزاي كنت مصدّق؟

أنا اللي بديت أضيع من ساعة ما دخلت حياتي..."

سعد مشي من الكافيه من غير ما يقول ولا كلمة، وعيونه مليانة غضب وكسرة.

ركب عربيته، وساق بسرعة…

لكن فجأة، دموعه نزلت وهو بيضحك بسخرية:

– حلو أوي يا مروان… يا صاحبي!

وحلوة أوي يا سمر… يا حب حياتي!

سكت لحظة… ثم قال:

– خلوني أوريكم بقى سعد لما يقرر يتغير… بس مش هتتمنوه.

كان عامر قاعد في أوضته، النور خافت، والهدوء مالي المكان. عيناه ثابتة في الفراغ، وسرحان كأنه بيشوف مشهد بعيد أوي عن اللحظة دي.

همس لنفسه بصوت واطي، يكاد ما يتسمعش:

– الطيّبات للطيّبين والطيّبون للطيّبات...

كأن الآية بتردّد جوا قلبه، مش بس لسانه. سرح في وش كوثر وهي بتقرأ الآية، بصوتها الهادئ، ونظرتها النقية... حاجة جواه اتحركت.

الباب اتفتح بهدوء، ودخلت جُود.

– عامر؟

قالتها بنبرة عادية، بس هو ما سمعش.

عينه فيها حاجة مش مفهومة.

سكتت جُود لحظة وهي بتبص له مستنية رد.

وفجأة، ومن غير أي مقدمات، قال بصوت واضح، لكن كأنه بيكلم نفسه:

– أنا عايز أتجوز كوثر.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon