...الفصل الافتتاحي: ...
...لم تكن عائلة " يو" مجرد اسم يُكتب على نهاية المستندات العقارية، أو يُوقّع في دفاتر الشركات....
...كانت كيانًا أشبه بـ"سلالة" لا تُخالف، لا تُمس، ولا تُنسى....
...تُدار بقبضة حديدية خلف قفازات حريرية، وتحكمها سيدة واحدة: الجدة يو، المرأة التي لا تبتسم إلا حين ترى أحد أحفادها ينجح في اختبار الألم....
...منذ وفاة الابن الأكبر للعائلة - والد كل من تاي يو وهان يو - أصبحت الجدة الرأس الوحيد للعائلة. الوريثان الوحيدان كانا حفيديها:...
...> تاي يو، الابن المثالي، النجم المضيء، الحفيد الذي يُشبه والده حتى في طريقة جلوسه....
...وهان يو... الذي لم يُشبه أحدًا....
...إذا كان تاي يو هو الضوء، فإن هان يو هو الظل الذي يختبئ خلفه....
...عاش الأخوان تحت سقف واحد، لكن قلما كانا يتبادلان الكلمات....
...تاي يو مشغول، تاي يو مسؤول، تاي يو لا يُخطئ....
...أما هان يو، فكان ينمو كالغبار على الأثاث القديم... لا يلاحظه أحد، إلا عند التنظيف....
...---...
...في أحد الأيام، تلقى هان يو دعوة من أخيه....
...رسالة قصيرة، جافة:...
...> "تعال إلى منزلي الليلة. أريد الحديث عن شيء ."...
...تردد هان يو. لم يكن بينهما حديث شخصي منذ سنوات....
...لكن شيئًا في نبرة الرسالة جعله يذهب....
...كانت الليلة باردة. المطر يهمس فوق النوافذ، والبيت الكبير صامت كما لو أنه يتنفس تحت الماء....
...طرق الباب....
...لم يُجبه أحد....
...فتح الباب بكود العائلة، ودخل....
...> "تاي يو؟"...
...لم يأتِه صوت....
...ثم رآه....
...ممددًا على الأرض، وعيناه المفتوحتان تنظران إلى الفراغ....
...ثقب صغير في منتصف جبينه....
...كأن شخصًا قرر أن يُفرغ النجم من نوره... برصاصة....
...توقف العالم لثوانٍ....
...هان يو... لم يصرخ....
...لم يتحرك....
...اقترب ببطء....
...ركع بجانبه....
...رأى صدر أخيه يرتفع وينخفض... ما زال حيًا....
...أخرج هاتفه....
...بحث عن رقم الإسعاف....
...لكن إصبعه توقف... أمام زر الاتصال....
...فكر....
...أمه ستبكي، بالتأكيد....
...لكنها ستُعانقه... لو أنقذت تاي يو؟...
...أم فقط... لو مات تاي يو؟...
...في تلك الثواني، توقف كل شيء....
...وفي اللحظة التالية... توقف تنفس تاي يو....
...--...
...في اليوم التالي، انتشر الخبر كالنار في الهشيم:...
...> "موت الوريث الأول لعائلة يو."...
...هان يو لم يقل شيئًا....
...ولأول مرة... الجميع ينظر إليه....
...الآن، لم يعد مجرد الحفيد الأصغر أو الوريث الوحيد....
...بل صار المشتبه الأول......
...تصنيف القصة:...
...دراما عائلية • خيانة • انتقام • منظمات وفرق • بوابات كريستالة....
...لم يكن الدخان أكثر ما أحرقه في تلك الليلة... بل الحقيقة التي لم يستطع قولها....
...في الخارج، وقف الناس على الرصيف بأعينٍ مذعورة، وقلوبٍ تتقلب بين الخوف والذهول....
...الأمهات يحتضن أطفالًا مرتجفين، بعضهم يبكي، بعضهم يختبئ في أثواب أمهاتهم كأنهم يريدون الانسحاب من هذا العالم....
...رجال بملابس النوم، وجوههم متجمدة تحت أضواء المصابيح الصفراء، يحدقون إلى الأعلى بصمتٍ عاجز....
...الهواء المثقل بالدخان ينهش الصدور بقلقٍ لا يُقال، والحرارة تصلهم رغم المسافة....
...صفارات الحريق تعوي... لا كتحذير، بل كنَوحٍ متقطع في ليلٍ خانق، يعبث بالأعصاب....
...ومن الطابق التاسع، نافذة واحدة فقط تشتعل....
...غرفة واحدة فقط تحترق... كأن النار اختارت ضحيتها بعناية، بنية مبيتة....
...الهاتفات تهرع لطلب المطافئ، تتصادم الأصابع المرتعشة مع الشاشات، وتتعثر الكلمات في...
...الحناجر....
...الوجوه تهمس وتحدّق:...
...> "أظنها الغرفة 913..."...
...> "هل بقي أحد هناك؟"...
...> "يا إلهي... انه يعيش وحده، أليس كذلك؟"...
...بعيدًا عنهم، في الظلال الباردة خلف عمود إنارة مطفأ، وقف شابٌ بملامح جامدة، إلى جانبه امرأة بمعطف أسود طويل....
...عيونهما لم تعكس اللهب... بل استمتعت به....
...لم ينطقا، لكن ضحكتهما وحدها تكفّلت بتدنيس رهبة المشهد....
...ضحكة لا تشبه البشر....
...ضحكة لا تُقال في حضرة احتراق....
...---...
...الداخل - الطابق التاسع - الشقة 913....
...كل شيء ينهار....
...الجدران تتشقّق كأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، والسقف يئن فوق رأسه....
...الأثاث احترق حتى لم يعد يُعرف اسمه....
...الهواء مسموم ككذبة خبيثة، والدخان لا يغزو المكان فحسب... بل يلتفّ حول الروح كعناقٍ سام....
...في وسط الجحيم، كان "هان يو" يزحف....
...جسده الهزيل يجرّه الألم، والدم ينزف من خاصرته بثباتٍ مخيف، وكأن الجرح قرر ألا يتوقف حتى ينهار كل شيء....
...حرارة الأرضية تحت صدره تكوي جلده، والسخام على وجهه يجعل تنفسه أشبه بابتلاع رماد....
...نصف وجهه تفحّمه السخام، عيناه تدمعان... لا خوفًا، بل لأن الدخان يخنق كل تفسير....
...رائحة الخشب المحترق، البلاستيك المنصهر، لحم الجلد المشوي... كلها تختلط في صدره كخليط من الكوابيس....
...ورغم ذلك، لم يصرخ....
...لم يتوسل....
...بل تمسك بالحياة كما يتمسك الغريق بخشبة وسط عاصفة....
...زحف......
...حتى بلغ العتبة....
...خلفه، النيران تبتلع الغرفة بلا رحمة....
...أمامه... باب لا يُفتح....
...شهق....
...شهيق مثقل باليأس....
...ثم... بصوتٍ مجروح، خرجت الكلمات وكأنها تنزف من حلقه:...
...> "لا... ليس هنا... ليس هكذا..."...
...سعل بشدة -...
..."كح... كح... كح!"...
...وصدره يهتز كأنه سينفجر من الداخل، من ضيق التنفس أم من الكلمات العالقة في داخله؟...
...> "لن أموت وسط الحريق... دون أن أعرف الحقيقة..."...
...اختنق صوته، وسعل مجددًا:...
..."كح... كح...!"...
...حتى خُيّل له أن الهواء الذي يطلبه... هو من يقتله....
...لكن أي حقيقة؟ منذ شهرٍ مضى، كانت حياته هادئة... أو هكذا خُيّل له....
...ثم بدأت الأمور تتساقط، كأوراق خريفٍ باغته الشتاء قبل أوانه....
...خيانة... من أقرب الناس إليه....
...لم يخطر بباله يومًا أن تأتي الطعنة من حيث الأمان....
...لم يتخيل أن من وثق بهم، سيتركونه يحترق... حرفيًا....
...لم يفكر حتى في احتمال كهذا....
...لأن الطعنة التي لا تتوقعها... دائمًا تؤلم أكثر....
...عيناه الزرقاوان تلمعان بوميضٍ مختنق... كأن النار تستقر فيهما، لا حولهما فقط....
...> "هل يسمعني أحد...؟"...
...زحف أكثر... يده ترتجف، وكل عظمة في جسده تصرخ....
...> "أيّ أحد... بحق السماء... ساعدوني..."...
...سقط وجهه على الأرضية المتفحمة....
...رائحة جلده المحترق تملأ صدره....
...كل نفس يسرقه الزمن من رئتيه كمن يقتطع أيامًا من عمره....
...> "لا أريد أن أنتهي هنا... قبل أن أعرف من كان خلف كل هذا."...
...ثم صرخ - لا طلبًا للنجاة، بل إعلانًا:...
...> "أنا... أريد أن أعيش!!"...
...لا يمكنني السقوط الآن......
..."جونهو" ما زال ينتظرني....
...قال لي ذات ليلة، وعيناه لا تعرفان المزاح:...
...> "عدني... إن حصل شيء، تهرب. لا تتظاهر بالقوة."...
...ووعدته....
...وها أنا الآن... أتشبث بالحياة وسط الجحيم، فقط لأن وعدي له لا يزال يحترق في صدري....
...يحترق... أقوى من اللهب الذي يلتهم جسدي....
...صرخةٌ ممزقة، شوهها في نهايتها سعال عنيف:...
..."كـح!! كحخخ...!"...
...كأن صدره لم يعد يقوى على احتواء ما يريد قوله....
...---...
...بدأت الرؤية تتشوّش....
...صوت الحريق تراجع... لم يختفِ، لكن بدا بعيدًا، كأنه من عالمٍ آخر....
...عيناه نصف مغلقتين، ونبضه يتباطأ... لكنه لم يغفُ....
...بل ظهرت في ذهنه صور بعيدة، واضحة، كأن ذاكرته تمسك به من حافة الجحيم......
...وتعيده إلى البداية....
...إلى حيث بدأ كل شيء....
...إلى تلك اللحظة التي لم يكن فيها دخان......
...بل أكاذيب....
...[يتبع...]...
...زنزانة لا جدران لها...
...(15 / 10 / 2020 - قبل ثلاثة أشهر)...
...الجدران هناك لم تكن مجرّد أحجارٍ صلبة......
...بل شواهد قبور لأرواحٍ تآكلت ببطء خلف القضبان....
...رطوبتها تنزف من الشقوق،...
...كأن الحيطان تبكي بلا دموع....
...كل قطرة تسقط، تحمل اعترافًا خفيًا:...
...جريمة لم تُكتب، أو ندمٌ تأخّر....
...في أقصى الزنزانة، خلف بابٍ صدئٍ نسي كيف يُفتح، جلس رجل....
...هان يو....
...على سرير معدني أكل منه الصدأ كما أكل الزمن من جسده،...
...استند إلى الجدار كمن وقّع مع العالم معاهدة قديمة على الهجر....
...لم يتحرّك....
...لم يكن ميتًا......
...بل شيئًا أعمق من الموت....
...صمتٌ يتنفّس....
...شعره الأبيض الطويل انسدل على وجهه ككفن،...
...وعيناه؟ مجرّد نافذتين مطفأتين لا تطلان على شيء....
...لا يرى، لا ينتظر، لا يسأل....
...كأن الزمن قد نسيه......
...وكأن العالم انتهى، وبقي هو شاهدًا أخرس على النهاية....
...ملابس السجن البالية التصقت بجسده الهزيل،...
...تحمل لونًا لا هو طين... ولا دم......
...بل شيء نُسج من القذارة والخذلان....
...وبجانبه، صينية طعام صدئة....
...عليها فتاتٌ يابس،...
...وحوله ذبابٌ حيّ......
...يطنّ، يدور، ويتمسّك بما تبقّى من كرامة بشرٍ في قاع النسيان....
...أما الحراس؟...
...فلم يقترب أحد....
...ليس نسيانًا... بل هروبًا....
...منه؟ أم من أنفسهم؟ لا أحد يعلم....
...هان يو....
...الاسم الذي كان يومًا يُخيف،...
...أصبح الآن لعنة لا تُنطق....
...لم يعد يُنادى باسمه،...
...بل صار يُعرف بلقبٍ جاف:...
..."السجين 0129"....
...تحوّل إلى رقم....
...إلى ظلّ ساكن في زنزانة لا تُفتح....
...لا يُنادَى... لا يُعاقب... لا يُنظر إليه....
...بل يُترك....
...يُنسى....
...يُمحى....
...حتى جاء ذلك اليوم....
...---...
...صوت مفاتيح....
...لم يكن عاليًا،...
...لكنه اخترق الصمت كطلقةٍ في جنازة مغلقة....
...خطوات تقترب....
...ومعها شيء لا يُشبه المعتاد....
...هان يو رفع رأسه ببطء،...
...كأن عضلات رقبته خائفة من الضوء،...
...وكأن الهواء لا يؤمن بوجوده بعد الآن....
...عيناه الباهتتان تابعتا الباب الحديدي وهو يُفتح......
...الصرير كان خشنًا،...
...كأن أحدًا أيقظ ميتًا عنوة....
...دخل رجلان....
...الأول: شوان، الحارس المخضرم، على وجهه تجاعيد الذنب... أو الخوف... أو كليهما....
...والثاني: رين، شاب في أول الطريق، يرتدي القسوة كقميصٍ مستعار....
...شوان نظر إلى الصينية... إلى الذباب... ثم إلى هان يو....
...وفي صوته غضب لا يُشبه العدل، بل يُشبه الخوف من الندم:...
...> "من سمح بهذا؟ من قدّم له هذه القذارة؟!"...
...رين تلعثم، كأن الكلمات صفعة باغتته:...
...> "أنا... جديد هنا... لم أكن أعلم..."...
...الصمت بعدها كان أكثر حدّة من الصوت....
...ثم جاءت الصدمة الحقيقية:...
...> "أنا آسف."...
...هان يو لم يرد....
...لم يتحرّك....
...كأن الصوت مرّ بجانبه دون أن يلامسه....
...شوان؟ يعتذر؟...
...ذلك الذي كان يضربه على التأخر في الوقوف؟...
...منذ متى أصبح الاعتذار مسموحًا هنا؟...
...نظرات هان يو لم تقل شيئًا،...
...لكنها سألت كثيرًا....
...> "انهض."...
...قالها شوان بصوت خافت، بلا تهديد، بلا صراخ....
...كأنها لم تكن أمرًا... بل دعوة....
...هان يو نهض....
...ببطء......
...كأن خطواته تمر فوق شظايا من ماضيه....
...---...
...الممر المؤدي إلى الخارج بدا أطول من المعتاد....
...الضوء باهت....
...الجدران باردة....
...والصمت......
...كان يمشي معهم، كظلّ ثالث....
...كان يسير،...
...لكن قدميه لم تعرفا إلى أين....
...هل هذه الطريق إلى الموت؟...
...إلى الحُكم الأخير؟...
...أم إلى مزحة جديدة من العالم؟...
...شفتيه ارتجفتا....
...يداه كذلك....
...لكن عينيه ظلّتا جامدتين......
...كأنّهما تشاهدان النهاية، ولا تُباليان....
...ثم... وقفوا أمام باب رمادي باهت،...
...فوقه لوحة صغيرة بالكاد تُقرأ:...
...> "الحمّام."...
...شوان أشار إلى مجموعة ملابس نظيفة:...
...> "استحمّ... وارتدِ هذا."...
...هان يو لم يتحرّك....
...كأنّ الكلمات مرّت فوقه دون أن تلامسه....
...ثم، بصوت بالكاد يُسمع، سأل:...
...> "...لماذا؟"...
...السؤال لم يكن عن الماء،...
...بل عن كل شيء....
...عن التغيير....
...عن التوقيت....
...عن المعنى....
...رين تقدّم خطوة. تردّد......
...ثم قال بصوت لا يُصدّق نفسه:...
...> "سيتم... إطلاق سراحك."...
...السكون بعدها... لم يكن صمتًا....
...كان زوبعة بلا صوت....
...هان يو بقي واقفًا....
...لا رمشة. لا تنهيدة....
...حتى أنفاسه... بدت ثقيلة....
...> "إطلاق؟ سراح؟"...
...قالها وكأن الحروف قد نسيت كيف تخرج من فمه....
...كلمة لا تنتمي لهذا المكان....
...كلمة من عالمٍ آخر......
...لا يُشبه زنزانةً تُبكي الجدران....
...لكن هان يو لم يكن يعلم -...
...أن الزنزانة الحقيقية، ما زالت في انتظاره....
...---...
...دخل هان يو الحمّام بخطى متوترة، وأغلق الباب خلفه... كأنما يُغلق على عمرٍ كامل....
...لحظة صمت....
...حدّق في الجدار، ثم فتح الصنبور....
...اندفع الماء البارد على جسده الهزيل....
...ارتجف... لكنه لم يتحرك....
...لقد ذاق ما هو أبرد،...
...وصمتَ ما هو أعمق من هذا الجدار....
...ترك الماء يغمره......
...كأنه يحاول غسل ما لا يُغسل،...
...شيءٌ تجذّر فيه: في صوته، في عينيه، في ذاكرته....
...لم يكن يغتسل....
...كان ينجو....
...مرّ بأنامله على كتفيه، كمن يتحسس قيدًا ما زال عالقًا... رغم أنه لا يُرى....
...وفجأة، دوّى صوت من ذاكرته:...
...> "الإعدام شنقًا."...
...صفعة....
...ترددت في رأسه كصدى لعنة، لا كحُكم....
...كان يظن أن عمره انتهى عند الخامسة والعشرين....
...أن الغد مات معه....
...أن الأمل لا يُولد بين الجدران....
...ومع ذلك......
...ها هو هنا....
...ثلاث سنوات تتأرجح بين الحياة والعدم،...
...ثم يُقال له اليوم:...
...> "حرّ."...
...أهكذا ببساطة؟...
...جملة تمحو كل شيء؟...
...رفع وجهه نحو الماء، أغلق عينيه، وهمس:...
...> "لماذا الآن؟"...
...لم يُجبه أحد....
...لا الجدار، لا الصمت، لا الماء....
...ثم ابتسم....
...لا فرحًا... بل بين سخرية ودهشة... وربما ندم....
...> "فرصة أخيرة، إذًا؟"...
...مدّ يده للمقص....
...بدأ يقصّ شعره الطويل الأبيض... خصلات تسقط كصفحات من ماضيه....
...رفع رأسه نحو المرآة....
...شاب ما زال وسيمًا، لكن العواصف مرّت على ملامحه....
...لم تكسره... بل غيّرته....
...عينان زرقاوان، توهّجٌ خافت في أعماقهما....
...كأن النار ما زالت تتوهج... دون لهب....
...تنفّس، ارتدى ثيابه... واستعدّ للرحيل....
...لكنه لم يكن يعلم......
...أن ما ينتظره في الخارج...
...قد يكون أضيق من الزنزانة،...
...وأشدّ قسوة من الجدران....
...---...
...خرج من الحمّام....
...ملابس نظيفة، بسيطة، بلا لونٍ لافت......
...كأنها تُذكّره بأنه لا ينتمي بعد....
...كان مختلفًا....
...لا في الوجه... بل في الحضور....
...عيناه صارتا ثابتتين، هادئتين، لا تبحثان... ولا تخشيان....
...رين تأمّله بصمت....
...الضوء كشف عن وسامة لا تحبّ الأضواء....
...وسأل نفسه:...
...> "كيف يمكن لرجلٍ كهذا... أن يكون سجينًا؟"...
...لكن صوت شوان قاطعه:...
...> "هيا. لنذهب."...
...---...
...[عند بوابة السجن]...
...تباطأت خطوات رين، وتسلّل إليه القلق كما يتسلل الضباب إلى نافذة مهملة....
...اقترب من زميله، وهمس:...
...> "لا يبدو كمجرم... كيف يمكن لشخص مثله أن يُسجن؟"...
...لم يلتفت شوان. فقط أجابه بنبرة خالية من الدهشة، كأن هذا السؤال تكرّر كثيرًا:...
...> "لا تحكم على المظاهر. ذلك الشاب؟ قتل إنسانًا... بدمٍ بارد."...
...الكلمات علقت في حلق رين،...
...كأنها رفضت أن تُصدّق....
...> "مستحيل......
...قاتل؟! للحظة... كنت أظنه أنقى من الجميع."...
...ثم صمت، لحظة ثقيلة، كأنه بحاجة لاستيعاب أن الطُهر الذي كان يراه... لم يكن سوى واجهة....
...> "لكن كيف؟ كيف يُطلق سراحه هكذا؟...
...أهذا... عدل؟"...
...أجابه شوان، بصوت خافت، بنبرة لم يُجرّبها من قبل:...
...> "وراءه من لا نجرؤ على ذِكر اسمه. فقط... فلنأمل ألا يعود لينتقم."...
...خرج هان يو من الباب الرئيسي دون أن يلتفت....
...خطواته لم تصدر صوتًا... لكن الأرض شعرت بها....
...كأن كل قدمٍ يخطوها، هي إعلان قطيعة....
...وداع نهائي لمكان لم يكن له يومًا......
...لكنه ظلّ فيه طويلًا... أكثر من اللازم....
...توقّف شوان في مكانه....
...راقب جسده النحيل يبتعد... شعر بشيء يضغط صدره....
...شعور لم يتقنه... كان بين الذنب والخوف....
...نظر إلى يديه... لا يعرف لماذا....
...ربما ليقيس وزنهما فجأة،...
...كأن أحدًا ما سحب شيئًا منه دون أن يشعر....
...---...
...ثلاثة رجال يركضون:...
...اثنان من الحراس، والثالث... مدير السجن: كوان....
...صوته اخترق الممر كصفّارة إنذار:...
...> "أين السجين 0219؟!"...
...شوان، بلا تردّد، بصوت جامد:...
...> "أطلقتُه."...
...كوان، بحدّة:...
...> "لماذا؟!"...
...شوان، بنبرة حاول أن يجعلها دفاعية:...
...> "ألم يُقدَّم طلب رسمي لإطلاق سراحه...؟"...
...لكن كوان هزّ رأسه بعنف:...
...> "لم يُقدَّم شيء! لا قرار، لا توقيع، لا أوامر."...
...وبصوتٍ أقرب للتهديد:...
...> "أنت... وقّعت على كارثة."...
...في داخله، شوان لم يعُد يفهم......
...كل شيء تحرّك من حوله دون أن يشعر....
...> "نحن في ورطة..."...
...شوان بدا شاردًا عند سماع خبر إطلاق سراح هان يو،...
...وكأنه يسمع ذلك للمرة الأولى....
...تمتم بتردد:...
...> "أنا من أطلقه... لكن لماذا؟ لا أعرف حتى الآن لماذا فعلتُ ذلك."...
...حاول أن يتذكّر، لكن كلما حاول ازداد الغموض....
...تمتم وهو يُحدّق في الفراغ:...
..."كنتُ في مكتبي... وحدي. ثم ظهرت امرأة."...
...توقّف للحظة، ثم همس بصوتٍ مبحوح:...
...> "امرأة... شعرها طويل... كانت تبتسم... ثم... كل...
...شيء أصبح ضبابيًا..."...
...رفع يده إلى جبينه، وارتعش جسده للحظة......
...وفجأة—...
...انهار أرضًا، فاقدًا للوعي....
...صرخ كوان باتجاه رين:...
...> "أين هو الآن؟!"...
...أشار رين، بتوتر وتردد، نحو الخارج:...
...> "خرج توًّا... لم يبتعد كثيرًا."...
...اندفع كوان نحو البوابة، صامتًا....
...لكن خطواته كانت تنطق إدراكًا متأخرًا:...
...> "الأمر أكبر مما تصوّرت."...
...[يتبع...]...
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon