NovelToon NovelToon

لقد وقعت في شباكك

الفصل الأول: طردت من الظل

كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجرًا حين انفتحت بوابة القصر الكبيرة بقوة، كما لو أن الليل ذاته رفض الصمت.

رغم البرد، لم أرتجف. كان الصقيع الحقيقي يسكن صدري، لا الهواء.

وقفت هناك، في منتصف الطريق، بثوب خفيف ووجه محروق بالدموع، أُحدّق في السيدة "هدى" — والدة كمال لطفي — التي لا زالت تصرخ بوجهي وكأنها تطرد مرضًا من جسد البيت.

"اخرجي! خارجة من هنا اليوم قبل بكرة!

كلّ شيء كشفتيه... وقحة! جرذانة! كيف تجرّأتِ!؟"

كنت أحاول الكلام، شرح شيء، الدفاع عن نفسي… لكن صوتي لم يعد لي.

كنت فقط… واقفة. صامتة. أحتضن بطني الصغير بخوف، بينما السماء تهطل مطرًا وكأنها تبكي قبلي.

"قالت لي الطبيبة… قالت لي إنك حامل!"

شهقت، ثم بصقت جانبًا. "ومن مَن؟ من ابني!؟ كمال لطفي!؟"

في ذلك الوقت… لم أكن أحمل كرهًا لكمال.

كنت فقط أحمل الخوف، الصدمة، وربما شيئًا غبيًا اسمه الأمل.

كنت أقول لنفسي: "أكيد كمال راح يدافع عني… أكيد بيصدقني…"

لكنني كنتُ غبية.

خرج هو من وراءها، واقفًا عند باب القصر، يلبس قميص نوم أسود، وشعره غير مرتب.

وجهه جامد… عيونه زجاج.

نظر إليّ كمن ينظر إلى مشكلة، لا إنسانة.

قلت بصوت مبحوح: "كمال… قول شي… قول لها الحقيقة."

هزّ رأسه بخفة، مشى ببطء، حتى اقترب مني… ثم أخرج من جيبه رزمة نقود، ورماها على وجهي.

"هذا كل ما تستحقينه.

غلطتي إني أنزلت راسي… وخلّيت نفسي أطيح.

بس ما راح أطيح مرتين."

سقطت النقود على الأرض كما يسقط شيء ميّت.

رأيت مشاعري تتبعها… تتكسر دون صوت.

أخذت خطوة للخلف… ثم خطوة أخرى.

لا أحد أوقفني.

لا أحد ناداني.

لا أحد سألني: "إلى أين ستذهبين؟"

وكان هذا أسوأ من كل شيء…

خرجت من القصر وأنا لا أملك شيئًا سوى خيبة… وطفل في بطني لا ذنب له.

مشيت لساعات… تحت المطر… أجرّ نفسي من شارع إلى شارع، أطرق أبوابًا مغلقة، أبحث عن وجه إنساني… فلا أجد سوى برد وأرصفة وسُخرية المارّة.

تعثرت قدماي، سقطت، نهضت، ثم سقطت مجددًا.

في النهاية، جلست على درج مطعم مقفل، وضممت جسدي، وخاطبت الطفل في بطني بصوت مرتجف:

"سامحني...

ما قدرت أحميك من أول يوم…

بس بوعدك… راح أكون أمّك وأبوك وكل شيء…

بوعدك، ما راح أخلّيهم يكسروك… مثل ما كسروني."

في اللحظة التي ظننت فيها أنني سأموت هناك، ظهر ذلك الرجل العجوز.

كان يرتدي معطفًا بنيًا، يمشي ببطء، لكنه لم يتجاهلني كما فعل الآخرون.

اقترب، مدّ يده، وقال بهدوء يشبه ضوء شمعة في العاصفة:

"لا أحد يستحق أن يُرمى بهذا الشكل...

قومي يا ابنتي... ما زال في هذه الحياة شيء يُنقذ."

ورغم أنني لم أثق في أحد بعد تلك الليلة،

إلا أنني أمسكت يده.

ولأول مرة… شعرت أن هناك من يرى شيئًا بداخلي… لا خارجي.

اسمه "غالب الجبالي"…

وكان رجلًا مختلفًا عن العالم الذي طردني.

بعد عام من الآن،

كنت فتاة جديدة.

أقف بثقة. أقرأ. أكتب. أعمل. أضحك.

وفي عيني… بريق لم يعرفه كمال يومًا.

لكن القدر... لا يُحب القصص المكتملة.

وفي أحد الأيام، في معرض خيري، وبينما أحمل يدي طفلي "ياسين"،

سمعتُ صوتًا أعرفه جيدًا…

صوتًا لم أظن أنني سأسمعه مجددًا…

"ليلى؟"

استدرت ببطء…

وها هو كمال لطفي واقف أمامي، بعينين أجهدهما الوقت… وبقلب… لم أعرفه بعد.

رواية لفتيات حسب طلبهم لهذا أتمنى أن تنال إعجابكم و تطبيق مجموعة من أحداث درما رومنسية

الفصل الثاني: عيناه لا تعرفانني

لم يتحرك.

ولا أنا.

كأن الوقت تجمّد فجأة في تلك اللحظة، ورفض أن يتابع.

وقف كمال لطفي أمامي بنفس الطول، بنفس الملامح... لكن هناك شيء فيه تغيّر.

تجاعيد خفيفة بجانب عينيه، نظرات شاحبة كأنها تائهة، وكأن الحياة مزّقت شيئًا منه على مهل.

كان يرتدي بذلة سوداء أنيقة، وربطة عنق رمادية، كأنه خرج من مجلة رجال الأعمال.

لكنني لم أعد أراه كما كنت أراه سابقًا.

"ليلى..."

"أهذا... أنتِ؟"

كلماته خرجت مترددة، وكأنه لم يصدق أني حقيقية.

وقفت أمامه، يدي على كتف طفلي، أنظر إليه بنظرات صلبة، صامته… لكن قلبي…

كان يهتزّ كأن الأرض تحت قدمي لم تعد موجودة.

أجبت بعد ثوانٍ طويلة:

"نعم. هذه أنا."

ثم نظرت إلى "ياسين"، وقلت له برفق:

"اذهب للزاوية، العب هناك قليلًا، ماما ستلحق بك بعد قليل."

أطاعني دون أن يسأل.

طفلي ذكي.

يفهم من عيني إن كنت بخير أو لا.

كمال لا زال ينظر إليّ…

لكن نظراته لم تكن كما في السابق.

لم تكن مليئة بالغرور أو البرود… بل بالحيرة. بالندم؟ بالخوف؟

لا أعرف.

"تغيّرتِ."

قالها وهو يُمرر عينيه على وجهي كما لو أنه يُقارن بين الصورة التي كانت في ذاكرته، والمرأة التي أمامه الآن.

"أجل… وأنت أيضًا."

"بس أنا تغيّرت لأنني كنت مجبرة… وأنت؟"

سكت.

وكأنه ضُرب بكلمة لم يكن يتوقعها.

حاول أن يبتسم… لكنه فشل.

"سمعتُ أنك… أنك اختفيتِ فجأة، ولم يعلم أحد أين ذهبتي."

"بحثتُ… صدقيني…"

ضحكت. ضحكة صغيرة، ساخرة.

"بحثت؟ قبل أم بعد أن رميت النقود على وجهي؟

قبل أم بعد أن شاهدتني أُطرد وأنت صامت؟

قبل أم بعد أن... دمرتني؟"

كان يريد أن يقول شيئًا… شيء يبرر به صمته القديم.

لكن لا توجد كلمات تغفر ما فعله.

"لم أكن أفهم… كنتُ صغيرًا… خائفًا من الفضيحة… من عائلتي…"

"وكنتُ أنا… مجرد خادمة.

فتاة يتيمة… فقيرة… لا صوت لها."

سكت.

لأول مرة… أراه عاجزًا عن الرد.

قلت وأنا أنظر إليه مباشرة:

"أتعلم؟

أنا لم أعد أحتاج تبريرك.

مرت سنوات كثيرة… وتعلمت أن أعيش دون أي تفسيرات منك.

لكن هناك شيء واحد لا يمكنك الهرب منه، كمال..."

رفعت يدي، وأشرت إلى "ياسين" من بعيد، وهو يرسم على ورقة ملونة في الزاوية.

"ذاك هو ابنك."

تجمّد كمال.

مقلتيه اتّسعتا كما لو أنه سمع شيئًا مستحيلًا.

"مـ... ماذا؟"

"اسمه ياسين.

ستّ سنوات.

يحب الرسم، ولا يعرف من والده.

أخبرته أن والده مسافر... وأنه سيعود يومًا ما.

لكن يبدو أنني كنتُ أكذب."

اقترب خطوة… خطوة واحدة فقط.

ثم توقّف.

"ليلى… لماذا لم تخبريني؟ لماذا لم تتواصلي؟ لماذا…؟"

قاطعته بهدوء:

"أوه، آسفة، نسيت أنني كنت أملك هاتف آيفون في تلك الليلة…

أو منزلًا… أو حتى ثمن الخبز."

تراجع كمال خطوة، وكأنه أصيب بكفّ في وجهه.

"أنا… آسف."

كانت هذه أول مرة أسمعها منه.

آسف.

كلمة صغيرة جدًا… لكنها خرجت بصعوبة منه، وكأنها ثقيلة على لسانه.

نظرت له طويلًا…

ثم قلت:

"الندم لا يُربّي طفلًا، كمال.

ولا يُعيد كرامة امرأة."

لحظة صمت بيننا.

ثم سمعنا صوتًا ناعمًا يقترب:

"ماما! خلصت رسمي!"

ياسين جاء يركض نحوي، يحتضنني من خصري، ويبتسم ببراءة.

لكن عيني كمال كانتا عليه فقط.

دمعتا تقريبًا.

كان يُحدّق في وجهه كأن قلبه يعرفه دون شهادة.

"أهذا… أنا؟ يشبهني كثيرًا…"

"نعم، يشبهك… لكنه لا يعرفك."

انحنى كمال ببطء، ونظر في عيني ياسين:

"مرحبًا… ما اسمك؟"

نظر له الطفل قليلًا، ثم قال:

"أنا ياسين.

وأنت؟"

تردّد كمال، ثم همس:

"أنا… مجرد رجل غاب طويلًا."

مشيت مع ابني دون أن أقول وداعًا.

لكن في داخلي، كنت أعرف أن تلك اللحظة…

لم تكن النهاية.

بل بداية شيء…

شيء خطير…

وجارح…

وربما… عاصف.

خرجتُ من المعرض الخيري بخطى ثابتة، وياسين يركض بجانبي، يمسك إصبعي، ويضحك على شيء في الرسمة التي رسمها للتو.

"شوفي ماما، رسمتُ بيتنا وفيه قطة صغيرة."

ابتسمت له، وهززت رأسي كأن كل شيء بخير…

لكن صدري لم يكن مطمئنًا.

كل خطوة كنت أخطوها، كنت أشعر بنظرات كمال خلفي… كأنها تخترق ظهري، كأنها تبحث عن مكان بين عظامي لتستقر فيه.

تلك النظرة… التي رأيتها في عينيه قبل أن أستدير…

لم تكن نظرة رجل نادم فقط،

بل نظرة رجل وقع في شباكي… متأخرًا جدًا.

في الطريق، بدأ قلبي يرتجف…

لكنني كنت أعرف كيف أُسكته.

ست سنوات من الوحدة علمتني كيف أُربّي قلبي كما ربيت ابني…

أن أقول له:

"اسكت… لا تفضحني."

في مساء ذلك اليوم، كنت أعدّ العشاء حين رنّ جرس الباب.

نظرت من النافذة…

قلبت الدنيا ولم أجد غيره… واقفًا بسيارته السوداء الفاخرة أمام البيت، يحمل في يده علبة شوكولا.

فتحت الباب.

لم أرحب. لم أُظهر مفاجأة. فقط قلت:

"أخطأت العنوان. بيت الفقراء في الزقاق الخلفي."

ابتسم، ابتسامة خفيفة لا تحتوي على سخرية.

"أعرف. وجئت إليه بنفسي."

صمتنا قليلًا.

ثم أخرج من جيبه ظرفًا أبيض.

"هذا… بطاقة دعوة لحفل خيري جديد… لكن ليس من أجلك.

بل من أجل… ياسين."

نظرت إلى الظرف ولم أمد يدي.

"لماذا الآن؟ بعد كل هذه السنوات؟"

"لأنني أخيرًا امتلكت الشجاعة لأرى ما خلف أفعالي…

ولأنني… أريد أن أكون جزءًا من حياته، لا متفرجًا."

قبل أن أرد، خرج ياسين فجأة من الداخل.

"ماما… من هذا؟"

نظر إليه كمال وابتسم ابتسامة لم أرها في حياته من قبل…

انخفض إلى مستوى نظره وقال:

"أنا… صديق ماما القديم."

دخل كمال لعدة دقائق، جلس مع ياسين، سأله عن المدرسة، هواياته، وعن القطة التي رسمها.

وياسين، كعادته، كان ودودًا دون أن يعرف أي شيء.

كنت أراقب بصمت…

وكل لحظة تمر، أشعر بالخطر.

خطر من نوع مختلف… ليس على ابني، بل على قلبي.

ذلك القلب اللعين…

الذي ينسى الإهانة… ويخفق للحظة صدق.

غادر كمال بعد ساعة.

وقبل أن يخرج، قال لي:

"ليلى…

سأكفّ عن الكلام…

وأبدأ بفعل ما يجب عليّ فعله.

لكن رجاءً… لا تغلقي الباب بعد الآن."

مرت أيام.

وفي كل يوم، كان هناك شيء يتغيّر.

ياسين صار يضحك أكثر، صار يسأل عن "العم كمال"،

وأنا… صرت أخاف من نفسي.

حتى أتى يوم تلقيت فيه دعوة مفاجئة:

"سيكون هناك تكريم لأطفال موهوبين في الرسم… ابنك من بينهم.

والراعي الرسمي؟

كمال لطفي."

ذهبت.

كانت القاعة فاخرة، والناس تنظر إليّ كأنني غريبة عنهم…

لكنني كنت أمًا، فخور بطفلها.

في وسط الحفل، صعد كمال إلى المنصة.

كان وسيما، هادئًا، مختلفًا عن ذاك الشاب المتغطرس.

"أصدقائي…

الحب لا يُقاس بالكلمات، بل بالأفعال.

وأنا… تأخرت كثيرًا في فعل ما كان يجب أن أفعله.

لكن هناك طفل في حياتي… اسمه ياسين.

علّمني أنني أملك فرصة ثانية."

الجميع صفق…

أما أنا…

فلم أصفق.

بل خفضت نظري… وابتسمت بصمت.

في تلك الليلة، جلست أمام المرآة بعد أن نام ياسين،

وسألت نفسي سؤالًا صعبًا:

"هل أستطيع أن أسامح؟

هل يمكن للجرح أن يتحول إلى دفء؟"

أجابتني صورة في رأسي…

حين كنت مرمية على درج المطر قبل ست سنوات…

وحيدة… منكسرة… حاملة طفلًا دون مستقبل.

ثم صورة اليوم…

أنا… واقفة، قوية، وابني بخير، ورجل يريد أن يكون أبًا له.

ربما لم أغفر تمامًا.

لكنني لست تلك الفتاة المكسورة بعد الآن.

وأنا أطفئ نور الغرفة، همست لنفسي:

"كمال…

ربما لا أكرهك بعد الآن…

لكن لا تظن أن الطريق إليّ سيكون سهلًا."

الفصل الثالث: هل هو ابني

لم أنم في تلك الليلة.

جلستُ على سريري، أراقب السقف، وأفكر…

الولد… يشبهني.

عيناه. جبهته. حتى طريقته في الابتسام… كأنه انعكاس لطفولتي.

لم يكن هناك مجال للشك.

ولم أكن أبحث عن دليل.

كنت فقط… غارقًا في شعور لا أفهمه.

أنا… أب؟

هل هذه الكلمة تناسبني؟

هل أستحقها؟

أغمضتُ عيني… فعاد وجهها.

ليلى.

كم تغيّرت.

لم تعد تلك الخادمة التي تسير بخجل في ممرات القصر، تخفض عينيها كلما مرّ أحد.

الآن… تمشي مرفوعة الرأس.

عيناها لا تهربان من عيون الآخرين.

صوتها ثابت، وكلماتها مؤلمة… لأنها حقيقية.

"الندم لا يُربّي طفلًا."

جملتها كانت كصفعة.

ولأول مرة، شعرت أنني كنت جبانًا… حيوانًا مُدلّلاً يختبئ خلف لقب العائلة.

في الصباح، دخلت والدتي غرفة الطعام كعادتها، مرتدية فستانها المخملي، وشعرها مرفوعًا بعناية كملكة لا تخطئ.

"سمعت أنك قابلت تلك الفتاة."

رفعت رأسي نحوها، ولم أجب.

"كمال، لا تكن أحمق. لا تُقحم نفسك مجددًا في القذارة."

"اسمها ليلى، يا أمي. وليست قذارة."

تجمدت.

كانت هذه أول مرة أصحّحها… أول مرة أنطق اسمها أمامها بقوة.

"وهذا الطفل؟ أهو فعلًا ابنك؟"

نظرت إليها طويلًا… ثم قلت:

"نعم. وأنا فخور به."

ارتفعت حرارة وجهها.

ضربت الملعقة على الطاولة، وقالت:

"لن أسمح لهذه الفتاة أن تدنّس اسم العائلة مجددًا!

لقد طردناها… أنسيت؟!

لماذا تُعيد أخطاءك من جديد؟"

"لأني هذه المرة… لا أراها خطأً."

خرجت من القصر.

ذهبت إلى الحي الذي تسكنه.

راقبت من بعيد، ولم أقترب.

كانت تمسك بيد ياسين، تضحك معه، تشتري الخبز، تحمله أحيانًا…

لم تكن أمًا فقط.

كانت وطنًا صغيرًا يمشي بجانبه.

اتصلتُ بها مساءً، قالت فقط:

"لماذا تراقبنا؟"

أجبتُ:

"لأني لا أملك شجاعة الاقتراب بعد."

في اليوم التالي، استدعاني مجلس إدارة الشركة.

أحد الحضور، المديرة "نورهان"، نظرت إليّ وقالت بابتسامة صفراء:

"سمعنا أخبارًا مثيرة… كمال لطفي عاد يهتم بالحالات الإنسانية؟ أم أن هناك خادمة قديمة أصبحت سيدة قلبك؟"

ضحك بعضهم.

أما أنا، فنظرت في عينيها مباشرة وقلت:

"كل ما سمعتموه صحيح.

وصدقيني… سيدة قلبي الآن… أقوى منكم مجتمعين."

وفي داخلي…

كنت أعرف أن الحرب بدأت.

لكن للمرة الأولى…

كنتُ مستعدًا أن أخسر كل شيء،

إلا ليلى… وياسين.

في صباح يوم رمادي، كانت ليلى تسير متجهة للعمل في المكتبة الصغيرة التي تديرها، بينما ياسين في المدرسة المجاورة.

كانت خطواتها ثابتة، لكن عقلها كان مغمورًا بأسئلة لا تنتهي.

هل بدأ كمال يُغيّر؟

هل عادت تلك المشاعر القديمة للحياة؟

هل يمكن لقلب مكسور أن يُرمم من جديد… على يد من كسَره؟

لكن الأسئلة توقفت عندما دخلت إلى المكتبة…

ووجدت "نورهان" تجلس على الكرسي أمام مكتبها، تعقد ساقيها، وتبتسم ابتسامة باردة.

نورهان… المرأة التي كانت دومًا تحوم حول كمال كذبابة فاخرة…

وها هي الآن، أمامها، لا للقراءة… بل للهجوم.

"أوه، ليلى… لم أتوقع أن أراك هنا. كنت أظنك… طيفًا من الماضي."

أجابت ليلى بهدوء:

"وأنا لم أتوقع أن تأتين لتشتري كتابًا، هل نزلت الرواية التي تفهمينها أخيرًا؟"

ضحكت نورهان بصوت مزيف، ثم اقتربت من الطاولة.

"جئت لأراك. لأتأمل كيف تتصرف امرأة فقيرة… حين تظن أنها انتصرت."

صمتت ليلى، وأغلقت الدفتر بهدوء.

"إذا كنتِ تبحثين عن عرض مسرحي… القصر لا زال فيه مرآة كبيرة. اذهبي وتأملي نفسك."

لكن نورهان لم تُرد المزاح.

"كمال… رجل لا يناسبك.

أنتِ كنتِ خادمة، ليلى. مهما تظاهرتِ بالقوة، خلفك ماضي لا يُغتفر."

رفعت ليلى نظرها وقالت:

"كمال هو من عليه أن يتساءل إن كنت أناسبه… لا أنتِ."

أجابت نورهان:

"إن ظننتِ للحظة أن المجتمع سيسمح لكِ بأن تكوني زوجة له… فأنتِ أحمق من أن أفكر في إهانتك.

الكل سيحاربك.

أولهم عائلته.

وثانيهم… أنا."

قبل أن ترد ليلى، دخلت "ريما" فجأة.

أخت كمال الصغرى، بملابس بسيطة، ونظرة حادة.

"أوه، يبدو أن الحشرات لا تزور فقط القصور… بل المكتبات أيضًا."

نظرت إليها نورهان باشمئزاز.

"ريما… ما زلتِ تحشرين نفسك في أمور الكبار؟"

اقتربت ريما حتى صارت أمامها مباشرة، وقالت:

"بل ما زلتُ أملك عينين تميّزان بين الإنسان… والمتسلقة."

ثم نظرت إلى ليلى وقالت:

"لا تضيّعي وقتك معها، أختي.

نحن لدينا كتب نبيعها… وحياة نبنيها.

وهي لديها مرآة تتحدث معها كل ليلة."

غادرت نورهان والمكان مشحون…

لكن ليلى، للمرة الأولى منذ زمن، شعرت أنها ليست وحدها.

"شكرًا، ريما…"

"أنا من يجب أن يشكركِ.

أنت الوحيدة التي رأت الحقيقة… في زمن كله أقنعة."

في المساء، وصلت رسالة على هاتف ليلى:

"أرجوكِ، لا تصدّقي ما يقولونه.

أنا… لست كما كنت.

هل يمكنني رؤيتك؟ وحدنا؟"

رسالة من كمال.

لكن ليلى نظرت إلى الشاشة…

ولم ترد.

في صباح اليوم التالي، وصلني اتصال من رقم مجهول.

رفعت السماعة بتردد، فإذا بصوت حاد، بارد، لا يحتمل أي نقاش:

"ليلى… هذه والدتي، حاكمة القصر الذي لطردتك منه."

لم يكن في الصوت سوى تحذير، وليس طلبًا للحديث.

قلتُ ببرود:

"ماذا تريدين؟"

كانت تصرخ مباشرة، كما لو أنني عدوها:

"أريدك أن تعرفي، لن تُدخلي منزلنا مجددًا.

كمال هو ابني الوحيد… واسمكِ وصلكِ لن يكون له مكان بيننا."

أشعرت برعشة في يدي، لكنني حاولت أن أبدو قوية.

"أنا لم أطلب شيئًا.

ابني، ياسين، هو الذي يحتاج إلى أبيه… لا أبحث عن لقب."

"ياسين؟ ابنك؟

ستجديننا خصومًا، وليس شركاء.

إذا ظننتِ أن القصر سيسمح لطفل خادمة… فأنتِ تعيشين في حلم."

ضحكتُ ساخرًا:

"أوه، هذا الحلم… هو فقط ما يمنحني الأمل لأقاتل."

توقف الصوت للحظة ثم قال:

"أنتِ محظوظة أنني لم آتِ بنفسي لأُخرجكِ من المدينة."

ثم قطع الاتصال.

وضعت الهاتف جانبًا، وأخذت نفسًا عميقًا.

هذه المعركة لم تبدأ بعد…

ولكنني كنت مستعدة.

في ذلك اليوم، جاء كمال ليزورني.

نظر إليّ بعيون حزينة، وقال:

"أمي… ستجعل حياتنا جحيمًا."

أجبتُ:

"هذا ما يحدث عندما تكون عائلتك ملكًا على الجليد…

تجمد كل مشاعر الحب والرحمة."

ابتسم بابتسامة ضعيفة وقال:

"لكنني سأقف معكِ، مهما كلف الأمر."

قبل أن يغادر، قال:

"ليلى، لا تفتحي الباب لأيّ شخص آخر غيري.

حتى لو جاءوا بأسماء وتهديدات."

وقفتُ أمام النافذة، أنظر إلى السماء الرمادية،

وأدركتُ أن الحرب الحقيقية قد بدأت.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon