في ضاحية راقية في طوكيو، حيث تحلّق ناطحات السحاب كالسيوف في سماء رمادية، كانت الساعة تشير إلى الرابعة مساءً… يوم الزفاف.
داخل قصر عائلة "آيكا"، كانت يوكيكو تجلس على المقعد أمام مرآتها، وقد غمر البياض جسدها بفستان الزفاف الطويل، المطرّز بعناية يدوية من دار "ميتسوكو" للأزياء التقليدية.
غير أن بياض الفستان لم ينجح في إخفاء ظلال القلق في عينيها.
وضعت يدها على قلبها وقالت همسًا:
— "يا قلبي… أهذا يوم فرحٍ أم جنازة روحك؟"
انفتح باب الغرفة بهدوء، ليطلّ والدها، وجهه مرهق كأن السنين أثقلت عينيه فجأة.
اقترب منها، وانحنى أمامها قليلًا، وقال بصوتٍ خافت:
— "يوكيكو… أعلم أن ما فعلته بكِ ليس من شيم الآباء... لكن شركتنا، اسم العائلة، كل شيء على المحك."
رفعت نظرها نحوه، لم يكن في عينيها دموع، بل كبرياء ممزوجٌ بالخذلان.
— "لو كان في الأمر إنقاذ شركة أو ضياع ابنتك، ألم يكن الأجدر بك أن تختارني؟"
صمت الأب. لم يكن في وسعه أن ينكر.
غادر وهو يهمس:
— "سامحيني."
---
في قصر عائلة كوروساوا...
وقف تاكاشي كوروساوا أمام المرآة، يربط أزرار سترته السوداء التي بدا لونها كظلام قلبه.
عينيه الرماديتين لم تعكسا أي توتر، بل جمودًا يُثير الرهبة.
دخل عليه شقيقه الأصغر، وقال بتذمر:
— "أتراكَ ستُقدم على الزواج فعلًا؟ أتظن أنك قادر على تحمّل امرأة غريبة في حياتك اليومية؟"
رد تاكاشي ببرود قاتل:
— "إنها ليست زوجة… بل شريك في اتفاق. ومتى انتهت الغاية، انتهى العقد."
— "لكنها امرأة، يا تاكاشي. ليست ورقة عمل."
أجابه دون أن ينظر إليه:
— "إذًا فلتكن ورقة عمل بعينين جميلتين."
---
في قاعة الزفاف، لاحقًا...
تدفقت الأضواء كالنيازك على الأرضية اللامعة. ضيوف من الطبقة الرفيعة، وجوه جامدة وكلمات مجاملة.
دخلت يوكيكو القاعة، تسير ببطء، عيناها تخفيان ارتعاشًا داخليًا، وذراعاها ممسكتان بباقة ورد بيضاء، تشبه بياض قلبها المغرَّر به.
كان تاكاشي ينتظر أمام المذبح، قامته مستقيمة كالسيف، وجهه لا يُقرأ.
وقفت بجانبه. ولم يتبادلا النظرات حتى.
قال الكاهن بصوته الوقور:
— "تاكاشي كوروساوا، هل تقبل أن تكون يوكيكو آيكا زوجتك الشرعية، وفقًا لقوانين هذه الأرض ومبادئكم المتفق عليها؟"
— "أقبل."
التفت إلى يوكيكو، وقال:
— "وأنتِ، يوكيكو آيكا، هل تقبلين تاكاشي كوروساوا زوجًا لكِ؟"
رفّت رموشها بخفة، وبلعت ريقها، ثم قالت بنبرة هادئة:
— "أقبل… بقلقٍ، لا بحب."
همس بعض الحضور بدهشة، لكن الكاهن أكمل مراسمه دون تعليق.
---
في الليل، في القصر الجديد...
دُفعت بوابة القصر بهدوء، دخلت يوكيكو كضيفةٍ أكثر من كونها زوجة.
الدهشة سكنت عينيها وهي ترى اتساع المكان، اللوحات الكلاسيكية، والستائر الحمراء الثقيلة.
كل شيء بدا رسميًا… وباردًا، مثل صاحب القصر تمامًا.
أشارت إليها الخادمة قائلة:
— "آنستي، غرفتك على يسار الجناح الثاني، السيد تاكاشي لا يحب أن يُزعج بعد التاسعة."
أومأت يوكيكو برأسها، وسارت بصمت.
وعندما دخلت الغرفة، كان كل شيء أنيقًا... لكن قلبها؟ فوضى من المشاعر.
وبينما كانت تنزع طرحتها، دُق الباب فجأة، ثم فُتح دون انتظار إذن.
دخل تاكاشي، بملامح جامدة، وقال بنبرة هادئة:
— "لن أدّعي دور الزوج المحب. ولا أريد منكِ أن تلعبي دور الزوجة العاشقة. لكن… لا تتصرفي وكأنك أسيرة هنا."
نظرت إليه بثبات لأول مرة:
— "لست أسيرة… بل خائفة من أن أتحول إلى واحدة."
رفع حاجبه قليلًا، وكأن كلمتها أثارت شيئًا فيه.
ثم اقترب خطوة وقال بصوت منخفض:
— "سأمنحك حريتك… إن كنتِ قادرة على تحمّل قوانيني."
أجابته بحدة:
— "وسأتحمّل قوانينك… إن لم تطأ قلبي."
تبادلا النظرات… لحظة صمت، مشحونة أكثر من ألف كلمة.
ثم استدار وخرج، تاركًا الباب مواربًا خلفه.
أما هي، فجلست على السرير، وبصوتٍ خافتٍ كأنها تحدث قلبها:
— "لماذا يشعرني صمته بالخطر… واهتمامه المبهم بالضياع؟"
مرّت الليلة الأولى في قصر كوروساوا دون صوت، لكن داخل القلبين…
كانت العاصفة قد بدأت.
استيقظت يوكيكو مع أولى خيوط الشمس التي تسلّلت عبر ستائرها المخملية الثقيلة.
جلست على السرير بثبات، حدّقت بالجدار أمامها للحظات، ثم نهضت بقوة.
نظرت إلى انعكاسها في المرآة، وقالت:
— "لن أكون دمية بيضاء في هذا القصر الأسود. إن أرادها معركة صامتة… فليتوقع أنني أجيد الصراخ بلا صوت."
ارتدت ثيابًا رسمية سوداء، بدت واثقة، كتفيها مرفوعان، خطواتها ثابتة كأنها تنتمي لهذا المكان.
---
في غرفة الطعام الرئيسية...
كان تاكاشي يجلس على رأس الطاولة، يقرأ الصحيفة الورقية، كما يفعل كل صباح.
لم يرفع رأسه حين دخلت.
لكنها هي… لم تتصرف كضيفة.
سارت نحوه بثقة، سحبت الكرسي وجلسَت. أمسكت كوب القهوة، وارتشفت منه دون تردد.
ثم قالت بنبرة واضحة، دون أن تنظر إليه:
— "هل كل صباح في هذا القصر... بهذا الصمت الجنائزي؟"
أنزل الصحيفة ببطء، ونظر إليها.
— "هل هناك ما تفضلينه؟ الطبول؟"
ابتسمت بسخرية وهي تضع الكوب:
— "لا. فقط أُفضّل أن أعيش… لا أن أُدفن وأنا ما زلت أتنفّس."
صمت لحظة، ثم قال ببرود:
— "إذن، لا تُثقلي الهواء بحضورك إن كنتِ ترفضين قوانين القصر."
اقتربت بنصف جسدها، وحدّقت فيه مباشرة بعينيها السوداوين:
— "إن كان القصر لك، فالزواج يجمعنا. وأنت لست ديكتاتورًا على روحي. بل... مجرد رجل وافق على زواج لم يرده."
رفع حاجبيه، كانت هذه أول مرة يشعر أن هذه الفتاة ليست كما بدت ليلة أمس.
فيها نار… كان يظنها خجولة فقط.
قال بخفة:
— "اللسان سلاح حاد، آنسة يوكيكو. لكنه ليس بالضرورة وسيلة للنجاة."
أجابت فورًا:
— "ولن أستخدمه للنجاة، بل للدفاع. فأنا لا أعيش لأُعجبك، ولا لتُعجبني."
ووقفت فجأة، رفعت رأسها وقالت قبل أن تغادر:
— "سأخرج هذا الصباح. إن كان عندك اعتراض… فلتقله الآن، أو اصمت للأبد."
لم يرد.
خرجت بخطوات هادئة... لكنه، حين عاد للنظر إلى الجريدة، لم يستطع أن يقرأ سطرًا واحدًا.
---
في شوارع طوكيو…
كانت يوكيكو تسير وحدها، شعرها الأسود يتمايل مع الرياح، ووجهها صلب.
دلفت إلى أحد المقاهي القديمة، حيث كانت تعود أيام دراستها.
جلست بجوار النافذة، طلبت كوبًا من القهوة الساخنة، وحدّقت في الخارج.
تمتمت:
— "هل أنا تائهة... أم أنني بدأت أجد نفسي؟"
رنّ هاتفها فجأة. رقم غريب. أجابت.
— "آه، السيدة كوروساوا؟ معذرة، نحن من مجلس إدارة شركة والدك. تلقّينا بلاغًا أن استقالة الوالد قد قُدّمت باسمك."
عقدت حاجبيها:
— "باسمي؟! أنا لم أوقّع شيئًا."
— "التوقيع مطابق لاسمك… لكن يبدو أن هناك خطأ ما."
أغلقت الهاتف وهي تغلي من الداخل.
— "تاكاشي... ماذا فعلت؟"
---
بعد ساعة… داخل القصر مجددًا
دخلت القصر كالرياح. لم تنتظر الخدم، لم تخلع حذاءها.
طرقت باب مكتبه بقوة، ثم دخلت دون إذن.
كان يجلس أمام مكتبه، يوقع أوراقًا.
رفعت الأوراق من أمامه فجأة، ورمتها على الأرض، وقالت بصوتٍ مرتفع:
— "من أعطاك الحق أن توقّع بالنيابة عني؟! من سمح لك بأن تتصرف وكأنك اشتريتني؟!"
رفع نظره بهدوء، ونظر في عينيها الغاضبتين:
— "لست أوقع عنك، بل بالنيابة عن شركتك، والتي أصبحت تحت اسمي قانونًا."
اقتربت منه، وضربت المكتب بيدها:
— "بل قل إنها أصبحت ضمن مجموعتك... دون حتى أن تسألني! أهذا هو احترامك للزواج؟"
وقف بهدوء، ثم قال بنبرة باردة لكنها مختلفة:
— "هذا هو حماية ما يخصني."
ارتبكت لوهلة.
— "أنا لست شيئًا من ممتلكاتك…"
اقترب منها أكثر، وهمس:
— "بل أصبحتِ كذلك، منذ لحظة وقّعتِ على عقد الزواج."
لكنها لم تتراجع.
رفعت نظرها إليه وقالت بشجاعة:
— "إذن اسمع جيدًا، تاكاشي كوروساوا… إن كنتَ تعتقد أنني سأرضخ لك فقط لأنك تملك المال والسلطة، فأنت لم تعرفني بعد. أنا لست واحدة من أولئك الفتيات اللواتي يسقطن تحت هيبة اسمك."
اقترب منها أكثر، حتى باتت المسافة بين وجهيهما لا تتعدى أنفاسًا:
— "وهذا ما يجعلني... أراكِ مختلفة."
نظرت إليه بذهول.
لكن قبل أن تجيب، استدار وخرج من المكتب، تاركًا قلبها ينبض بشراسة.
مرّت ثلاثة أيام منذ المواجهة الأخيرة في مكتب تاكاشي.
لم يتبادلا الحديث بعدها، لكن أعينهما... لم تكف عن المراقبة.
وفي صباح اليوم الرابع، دخلت خادمة القصر غرفة يوكيكو وهمست:
— "سيدتي... ضيفة وصلت للتو. قالت إنها من العائلة."
رفعت يوكيكو حاجبها.
— "من؟"
— "آنسة سايوري كوروساوا. ابنة عم السيد تاكاشي."
---
في بهو القصر...
وقفت سايوري بثقة. فتاة فائقة الجمال، شعرها البني الطويل ينسدل على أكتافها، وعيناها كالقطط، ترتدي فستانًا قصيرًا يكشف أكثر مما يستر، رغم أن الجو بارد.
كانت تمضغ علكة وهي تميل على الأريكة وكأن المكان ملكها.
دخل تاكاشي من الباب الآخر، فوجئ بها.
— "سايوري؟ لم أعلم أنك ستزورين."
ركضت نحوه واحتضنته فجأة، صدرها يلتصق بجسده.
— "تاكاشي! اشتقت إليك... ألم تشتق إليّ؟"
تراجع خطوة، وقال بنبرة جافة:
— "أخبريني ما الذي أتى بكِ... دون اتصال مسبق؟"
قبل أن تجيب، دخلت يوكيكو إلى البهو.
كانت ترتدي كيمونو منزلي أنيق، بسيط، لكن حضورها طغى على كل شيء.
حدّقت سايوري بها من الأعلى للأسفل، ثم ضحكت بخفة:
— "آه، إذًا هذه هي الزوجة الجديدة؟ لم أتصور أنها… بهذه البساطة."
ابتسمت يوكيكو بهدوء قاتل:
— "والبسيطة… غالبًا ما تهزم المتكلّفات، خصوصًا إن كنّ جائعات للاهتمام."
اتسعت عينا سايوري بدهشة، ثم ضحكت بسخرية.
— "أنا؟ جائعة للاهتمام؟ عزيزتي، أنا ابنة عائلة كوروساوا، كنتُ أعيش مع تاكاشي منذ كنا أطفالًا. نحن... قريبان جدًا، لدرجة أنني أعرف ما يحب... وما يكره."
اقتربت منه، ثم مسحت بيدها على ذراعه أمام يوكيكو وقالت:
— "أتتذكر يا تاكاشي تلك الليلة في المسبح؟ عندما قلت لي إنني أجمل امرأة رأيتها؟"
وقف تاكاشي جامدًا. لم ينطق.
لكن يوكيكو… لم تترك الموقف يمرّ.
تقدّمت خطوة، ونظرت إلى سايوري بنظرة ثاقبة:
— "ومع ذلك... لم يتزوجك."
أُسقط في يد سايوري للحظة. لكن سرعان ما استعادت وقاحتها.
قالت بصوت مرتفع:
— "لم يتزوجني لأنه لم يكن يريد زواجًا حقيقيًا! هذه… هذه الفتاة أُجبرت عليه، أليس كذلك؟! وأخبرني أحد موظفي القصر أنها كانت تحاول التجسس على أوراق الشركة في غيابه."
صمت المكان فجأة.
الخدم تبادلوا النظرات.
ثم التفتت سايوري إلى تاكاشي وقالت ببطء، وكأنها تهمس له سرًا:
— "ربما... جاءت لتوقعك في فخ. من يدري ما نواياها؟"
هنا، دوى صوت يوكيكو في البهو بثبات:
— "كفاكِ هراءً، يا سايوري."
الكل نظر إليها.
أكملت:
— "تجسّس؟ فخ؟ اتهاماتكِ رخيصة، تمامًا كفستانك. وإن كنتِ واثقة من كلامك، فهاتِ الدليل. أم أنكِ تعتقدين أن الجمال وحده يكفي ليُخرس الحقيقة؟"
اقتربت من تاكاشي ونظرت إليه مباشرة:
— "إن كنتَ تؤمن بكلمة من هذا الهراء... فقلها الآن. لأني لن أعيش في قصر تُوجَّه لي فيه الاتهامات دون وجه حق."
تاكاشي صمت، عينيه تقرآن وجه يوكيكو... الذي لم يهتز.
ثم قال فجأة:
— "سايوري، يكفي."
نظرت إليه بصدمة:
— "ما الذي...؟! تاكاشي، أنا فقط أحاول حمايتك—"
قاطعها:
— "من امرأة لم تفعل شيئًا سوى أنها وقفت أمامك بثقة؟"
شحب وجه سايوري.
أدركت أنها خسرت أول جولة.
فقالت بصوت مكسور:
— "حسنًا… يبدو أنني لست مرحّبًا بي هنا بعد الآن."
واستدارت تغادر، لكنها قبل أن تصل إلى الباب، همست:
— "لكن تذكّري، يا يوكيكو… الحب لا يُؤخذ بالقوة، بل بالذكريات. وأنا لديّ الكثير منها مع تاكاشي."
وغادرت.
---
في المساء…
كانت يوكيكو تقف في الشرفة، تنظر إلى أضواء المدينة.
سمعت خطوات خلفها. لم تلتفت.
قال بصوته الهادئ:
— "هل أنتِ بخير؟"
— "وهل تسأل لأنك تهتم… أم لأنك خائف من الفضيحة؟"
صمت.
فقالت:
— "أعدك بشيء… سايوري، وغير سايوري، لن يجعلوني أهرب من هذا القصر. ولن يسمح لي قلبي بأن أكون الضعيفة هنا."
اقترب منها، قال:
— "أنتِ… لستِ ضعيفة."
نظرت إليه. قالها بصدق هذه المرة.
وهمست:
— "أعلم. لكن أحيانًا... أتمنى لو كنتُ كذلك. فالضعفاء لا تُرمى عليهم السهام بهذا الشكل."
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon