في قلب المحيط الواسع، حيث لا تعرف الخرائط طريقها، تقع جزيرة نالا، قطعة الأرض التي لم يزرها بشر إلا عدد قليل جدًا، وإن زاروها لم يعودوا أبدًا. الجزيرة التي تحتضن الأشجار الملونة التي تتراقص تحت شمس لا ترحم، والبحيرة الصافية التي تعكس السماء كمرآة صامتة، والتي تحيط بها تلال ناعمة وشواطئ ذهبية تنتظر من يكتشفها.
وهناك، بين ذلك السكون المهيب، وُلد إكس.
لم يكن مولده حدثًا عاديًا، بل كان بداية قصة صراع من أجل الحياة. لم يكن هناك حضن دافئ، ولا صوت حنان… كان الهواء المالح والرياح الغريبة تحتضنه، وكانت أنظار رجل حكيم وعجوز تراقبه بحذر واهتمام.
ذلك الرجل، آخر من تبقى من مجموعة خمسة كانوا قد وصلوا إلى الجزيرة، علم إكس كل شيء عن النجاة في هذا العالم الغريب. علمه كيف يقرأ العلامات على الأرض، كيف يصنع أدواته من الأشجار القليلة والزرع المتفرق، وكيف يواجه الوحدة التي يمكن أن تبتلع حتى أقوى الأرواح.
إكس لم يكن فقط طفلًا يولد في الجزيرة، بل كان الناجي الوحيد، الوريث الأخير لعالم مفقود، الذي سيحاول أن يصنع معنى لحياته وسط ذلك البحر الواسع والصامت.
لقد وُلدت هنا…
وسط هذا البحر اللامتناهي، على أرض لا تحمل اسمًا في خرائطهم.
كل ما أعرفه عن العالم بدأ من هذه الجزيرة… وانتهى فيها.
كبرت في حضن الصمت، بين أشجار لا تهمس إلا للريح، وسكون لا يقطعه إلا صوت أمواج البحر حين تصطدم بالصخور.
علّمني رجل واحد، علّمني كيف أعيش، وكيف أفكر، وكيف أواجه هذا العالم حتى لو كنت وحدي.
ثم… رحل.
ومنذ ذلك الحين، لم يبقَ إلا أنا.
كل صباح، أصعد التل الصغير المطل على البحر.
أنظر بعيدًا، أبعد من مدى البصر، وكأنني أبحث عن شيء لا أعرف شكله، لا أعرف حتى إن كان موجودًا أصلًا…
لكن قلبي يخبرني أنني لم أخلق فقط لأبقى هنا.
لم أعد أخاف الوحدة، لكنها لم تكن صديقتي يومًا.
كنت أسمّي الأشجار، وأتحدث مع البحر، وأحسب الأيام بمراقبة ظلال الصخور عند الغروب.
وفي تلك الليلة…
سمعت الصوت.
صرخة بعيدة، غريبة…
ليست ريحًا، ولا طائرًا، ولا حيوانًا.
كانت صرخة بشرية.
...
في اليوم التالي، قبل أن تشرق الشمس بالكامل، صعدت التلة مرة أخرى.
لكن هذه المرة لم أكن أراقب الأفق، بل كنت أبحث… عن مصدر تلك الصرخة.
وفعلًا… رأيت شيئًا.
في أحد أطراف الغابة، عند حافة الرمال، رأيت ثلاثة أجساد… اثنين من الرجال، وامرأة، وفتاة صغيرة.
من هنا، كانوا يبدون كأشباح سقطت من السماء.
الرجُلان يبدوان كبيرين في السن، والمرأة ربما في الثلاثين من عمرها، بينما الفتاة… بدت في الخامسة عشرة أو أكثر بقليل، لم أكن متأكدًا.
لكن الشيء الوحيد الذي رأيته بوضوح…
أن الفتاة كانت تبكي،
والبقية… كانوا مغشيًا عليهم.
ترددت.
لم أتحرك فورًا.
وقفت هناك بين الأشجار، أراقب بصمت، أحاول فهم ما يحدث.
ثم قررت الاقتراب…
قليلًا فقط.
اقتربت... خطوة تلو الأخرى.
كانت الفتاة تبكي، ودموعها تسيل على وجهها المرهق.
وحين التقت عيناها بعيني، جمدت في مكانها…
نظرت إليّ كما لو أنني وحش خرج من كابوسها.
لم تقل شيئًا، لكن تلك النظرة وحدها كانت كافية…
نظرة إنسان ظن أنه سيموت.
ثم فجأة…
أغمى عليها.
ترددت للحظات. لم أكن أعرف ما أفعل… قلبي ينبض بقوة، لكن جسدي ظل ثابتًا.
في النهاية، حملتهم واحدًا تلو الآخر، وأخذتهم إلى كوخي الخشبي… المكان الوحيد الذي عرفته طوال حياتي.
جلبت بعض الماء، نظّفت جراحهم، وأعدت بعض الضمادات من أوراق النباتات التي أعرفها جيدًا.
وكلما نظرت إليهم وهم نائمون، كنت أشعر بشيء غريب…
شيء يشبه الحنين، أو ربما… الأمل.
مرّ يومان.
وفي صباح اليوم الثالث، فتحت الفتاة عينيها ببطء…
نظرت حولها، ثم إليّ.
كأن الخوف عاد ليملأ عينيها.
قمت، بهدوء، واقتربت منها، ثم سمعت حركة خلفي…
المرأة أيضًا كانت قد استيقظت.
أردت أن أقول شيئًا… أي شيء…
لكن لساني كان ثقيلًا، وكأن الكلمات كانت حبيسة داخلي منذ سنين.
لم أتكلم مع أحد منذ أكثر من عشر سنوات، منذ رحيل ذلك الرجل الذي ربّاني وعلّمني.
فتحت فمي، وخرجت الكلمات متقطعة، ضعيفة…
"م… ر… ح… ب… ا."
رأيت الخوف في وجوههم يتزايد، نظراتهم مشدوهة، أجسادهم متأهبة، لكنهم لم يتحركوا.
تنفست بعمق، ثم تابعت بصوت خافت:
"هل… أنتم… بخير؟"
ردت الفتاة، بصوت مرتعش، خافت جدًا:
"مَن… أنت؟"
ثم تكلمت المرأة، بصوتٍ أكثر حذرًا، لكن ملامحها بدت أكثر نضجًا:
"يا أيها الشاب… من أنت؟ وأين نحن؟"
نظرت إليهما.
ثم نظرت حولي، إلى كوخي، إلى الأشجار خارج الباب، إلى كل ما كنت أظنه عالمي.
ثم قلت:
"أنتم… في جزيرة. جزيرة لا يزورها أحد.
وأنا…
لا أعرف من أنا بعد.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon