لم يكن الألم هو ما فاجأه، بل السؤال الذي طعن روحه قبل أن يتوقف قلبه:
"لم يكن اسمه الحقيقي...!"
الدم يغرق ملابسه، والهواء يثقل في صدره... لكن عقله ظل عالقًا هناك، عند تلك الحقيقة التي انفجرت متأخرة:
"الكتاب كان يعمل... أطاعوني جميعًا... فكيف يخونني إيرل؟!"
يرمش بعينين مثقلتين، وصوته يهمس بما تبقّى فيه من شك:
"هل إيرل... لم يكن اسمه؟!..."
ثم ظلام.
المطر يقرع الأرض كأن السماء تبكي عنه.
رنّ صوت الطرق على باب الميتم الخشبي العتيق، ممزوجًا بأنين الرياح، حتى فتحت إلينورا الباب بتنهيدة ثقيلة، ترفع عينيها لترى مشهدًا تعرفه جيدًا... وتكرهه أكثر.
رين، الفتى اليتيم ذو الثماني سنوات،، واقف أمامها بثياب مبللة، رأسه منحني، وعيناه لا تتجرآن على النظر.
وخلفه، يقف السيد جوردن، الرجل الذي تبنّاه منذ عام. وجهه مشدود، ويده قابضة على كتف الفتى كمن يُسلم شيئًا لم يعد يريده.
"زوجتي... حملت"، قالها دون أن ينظر في عينيها، وكأنها تهمة يخجل منها.
ثم أضاف بجفاف: "لم نعد بحاجة إليه."
إلينورا لم تُجب.
كل ما فعلته، أنها فتحت الباب على آخره، وتراجعت خطوة إلى الوراء.
ورين... دخل.
خطوته الأولى على أرضية الميتم الخشبية أصدرت صريرًا خافتًا، لكن في أذنه، الصوت كان كأنّه صدًى من ذاكرة قديمة.
رفع رأسه ببطء، ونظر إلى الممر الطويل... الجدار ذو الشرخ الباهت، المصباح المتدلّي من السقف، رائحة الخشب الرطب...
كل شيء هنا.
كل شيء كما كان.
لماذا يتذكّر هذا المكان بهذه الدقة؟
لماذا يشعر أن هذه اللحظة قد حدثت من قبل؟
بل الأغرب... أنه تذكّر ما سيقوله الطفل الجالس هناك في الزاوية - قبل أن ينطق.
همس في نفسه، وقد بدأ قلبه ينبض بتسارع:
"أنا... عدت؟"
ثم شهق شهقة صغيرة، والبرودة في جسده لم تكن فقط من المطر، بل من الحقيقة التي بدأت تنكشف:
"هذا... الماضي."
...
الجزء الثاني: قصة رين
....
كان صوته غاضبًا، يتصاعد في أرجاء الشقة مثل عاصفة حبيسة:
"هذا ليس ابني، ليانا! لقد خدعتِني!"
رفعت ليانا رأسها، عيناها دامعتان لكن صوتها ثابت:
"لم أخدعك، إدوارد. لم أكن أعرف أنني حامل إلا بعد الطلاق من ذلك الرجل...
عرفت لاحقًا. ولم أعرف كيف أقولها لك."
زمّ إدوارد شفتيه، نظر إلى الطفل الرضيع النائم في سريره، ثم قال ببرود:
"أعيديه لأهله."
ليانا: "لن أعيده إليهم."
إدوارد: "لماذا؟!"
ليانا "لأني لا أريد لهذا الطفل أن يعيش مع ذلك الرجل."
في صباح اليوم التالي، خرجت ليانا تحت المطر.
لم تنظر خلفها وهي تضع الطفل أمام بوابة "دار أوزن هاوس ".
كتبت اسمه على ورقة صغيرة..
لكن الرياح سرقت الورقة بعيدًا، كأنها تمحو ما تبقى من هويته.
بعد دقائق، فُتح الباب.
كانت إلينورا المربية، التي وجدت الطفل يتلوّى من البرد والبلل.
حملته إلى الداخل بصمت، ثم أسرعت به إلى مديرة الدار، السيدة مارتا.
نظرت مارتا إلى الطفل، ومسحت عن جبهته المطر، ثم قالت بهدوء:
"اسمه... سيكون رين."
مرت سبع سنوات.
كبر رين، وأصبح فتى نحيفًا، خجولًا، لامع الذكاء، يحمل في عينيه ألف سؤال لا يسألهم.
وفي يوم ماطر، حضرت عائلة تُدعى عائلة كلوي : نارين وتيم .
لم تكن نظراتهما دافئة، لكنهما أظهرا رغبة أكيدة في تبنيه.
عند الباب، ضمّته نارين وهمست في أذنه:
"أنت... ستنقذني من معاناتي."
لم يفهم أحد ما عنَت، لكنه تبعهما بخجل وصمت.
في بيتهم، تعرّف على جين ، فتى أكبر منه بسنتين، شاحب الوجه، دائم الغياب.
جين كان مريضًا جدًا، يقضي معظم وقته في المستشفى.
رين لم يكن يعلم تفاصيل مرضه، لكنه كان سعيدًا بالبقاء معه، فقط ليكون بقربه.
ثم بدأ تيم يصطحب رين إلى المستشفى أيضًا.
تحاليل، فحوصات، جلسات انتظار طويلة...
رين لم يكن يشعر بأي شيء غريب في جسده، لكنه كان يفعل مايريدون — طالما هو مع جين .
حتى أتى ذلك الليل.
كان المطر يهطل والبرد يضرب النوافذ.
رين استيقظ على صوت بكاء خافت.
تسلل خارج الغرفة، ووقف خلف الباب، يسمع حديث نارين مع الطبيب.
"نحتاج للعملية فورًا... ابنكم الآخر سيتبرع بكليته؟"
"نعم، سيمنحه الحياة."
لكنها لم تخبر الطبيب بشيء آخر... لم تخبره أن رين ليس ابنهما.
اختبأ رين في الظل، يضغط بيديه على صدره.
كانت كلمتان تتكرران في رأسه مثل الطبول:
"سيأخذون كليتي؟"
"هل... سيقتلونني؟"
همس بصوت مرتجف وهو يختبئ خلف باب الغرفة:
"أنا لا أريد الموت..."
عاد إلى الغرفة، وبعد مرور ساعتين وجد نارين نائمة بجانب جين .
تسلّل بهدوء إلى حقيبتها، أخذ الهاتف وخرج من الغرفة.
تذكّر الرقم الذي علّموه له في الميتم.
يداه ترتجفان، وعيناه تملؤهما دموع الخوف، لكنه ضغط الأرقام واحدة تلو الأخرى... واتصل.
رنّ الخط، ثم جاءه صوت رجولي هادئ:
"قسم الشرطة، معك الضابط داكس . من المتحدث؟"
مرت لحظة من الصمت، قبل أن يخرج صوت رين مشوشًا، مرتجفًا:
"أنا... أنا رين..."
"أين أنت، رين؟ هل أنت بخير؟"
"في المشفى... ماما وبابا... بدهم ياخذوا كليتي... أنا ما بدي أموت..."
ساد صمت قصير في الطرف الآخر، قبل أن يعود الصوت أكثر ليونة:
"اهدأ، رين، أنت شجاع جدًا لأنك اتصلت. اسمعني جيدًا، نحن هنا لمساعدتك."
"قل لي، ما اسم والدك؟"
"بابا اسمه تيم.. تيم كلوي ."
"حسنًا، هل يوجد أحد بالغ قريب منك الآن؟ ممرضة؟ طبيب؟ أي أحد؟"
"ما بعرف... ما بعرف!"
"هل ترى أحدًا الآن؟ حاول أن تجد أي شخص كبير وتعطيه الهاتف، سنشرح له كل شيء، فقط لا تغلق الخط."
بدأ رين يركض في ممرات المستشفى، يلتفت في كل اتجاه، خطواته الصغيرة تصطدم بأرضيات باردة وصدى صوته يتردد في رأسه.
ثم لمح ماي عاملة التنظيف التي كانت تمرّ بعربتها في نهاية الممر.
ركض نحوها وهو يلهث، مدّ الهاتف بيديه المرتجفتين، وقال:
"خدي... خدي، هم بدهم يساعدوني..."
نظرت ماي إلى الطفل المذعور، ثم أمسكت الهاتف، وضغطت عليه إلى أذنها.
"مرحبًا؟"
"سيدتي، نحن من قسم الشرطة. معك طفل يُدعى رين. نحتاج إلى عنوان المستشفى، وسنتحرك فورًا."
بقيت ماي إلى جانبه، وضعت يدها على كتفه، وهمست:
"ما تخاف... خلّيهم يوصلوا، أنا معك."
وفي نهاية اليوم، طرق رجل الشرطة باب الميتم.
فتحت إلينورا، ورأت رين واقفًا، صغيرًا، مبتلًا، يرتجف.
"أنقذ نفسه، ونجا... بطريقة لا يجب لطفل أن يعرفها."
أدخلته إلينورا، وحملته بصمت.
لكنّ رين الذي عاد... لم يكن كما كان.
لم يعد يركض، ولا يضحك، ولا يتكلم إلا قليلًا.
بعينيه، شيء ثقيل.
بصوته، صدى خوف قديم.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon