عنوان الرواية: تحت ظلال الجبل
الفصل الأول: البداية
في قرية نائية بين جبال الشمال، حيث يكسو الضباب قمم الجبال أغلب أيام السنة، كانت تعيش فتاة تدعى سلمى. كانت سلمى فتاة مختلفة، لا تهوى الخروج كثيراً، بل كانت تجد متعتها في الكتب والقصص، تحب الاستماع إلى حكايات جدتها عن الزمن القديم.
كانت القرية هادئة، حتى جاء ذلك اليوم الذي دخل فيه رجل غريب إلى المقهى الصغير الذي يعمل فيه والد سلمى. رجل طويل، ذو لحية خفيفة، يرتدي معطفاً أسود ويمسك بيده دفتر ملاحظات قديم. جلس في الزاوية، وطلب قهوة بدون سكر، وظل يكتب لساعات.
سلمى لم تستطع كبح فضولها، وسألت والدها عنه، لكنه لم يعرف عنه شيئاً. في الليلة التالية، رأت سلمى ذلك الرجل يسير باتجاه الغابة، حاملاً حقيبة جلدية. تبعته من بعيد، لتجد أنه دخل كهفاً صغيراً يقع عند سفح الجبل.
منذ تلك الليلة، بدأت أشياء غريبة تحدث في القرية: اختفاء أدوات من المنازل، أصوات في الليل، وأضواء تظهر من الكهف. بدأ الخوف يتسلل إلى قلوب السكان، وبدأوا يتحدثون عن "لعنة الجبل".
لكن سلمى لم تخف، بل زاد فضولها. قررت أن تعرف الحقيقة، حتى لو كلّفها الأمر أكثر مما تتصور...
الفصل الثاني: اللغز
في صباح اليوم التالي، استيقظت سلمى مبكراً وقررت الذهاب إلى الكهف وحدها. حملت مصباحاً صغيراً ودفتر ملاحظاتها الذي تدون فيه كل ما تراه وتفكر فيه. مشيت بصمت بين الأشجار، متجنبة أصوات الطيور والريح الباردة.
عندما وصلت إلى مدخل الكهف، لاحظت أن الأرضية كانت مبللة وآثار أقدام ما زالت ظاهرة. دخلت بحذر، ونبضات قلبها تتسارع مع كل خطوة.
في الداخل، وجدت أكياساً من الكتب القديمة، أدوات حفر، وخريطة كبيرة معلقة على الجدار الحجري. اقتربت من الخريطة، ولاحظت علامات غريبة باللغة السريانية. وبين تلك العلامات، كان هناك رسم لجوهرة خضراء كتب تحتها "قلب الجبل".
شعرت سلمى بيد تمسك كتفها فجأة، فالتفتت بفزع. كان الرجل الغريب واقفاً خلفها، لكنه لم يبدُ غاضباً. قال بصوت هادئ: "كنت أعلم أن أحداً سيتبعني في النهاية..."
الفصل الثالث: الحارس
تراجعت سلمى قليلاً وهي تحاول أن تخفي ارتباكها، لكن الرجل رفع يده مطمئناً وقال: "لا تخافي، أنا هنا لأحمي هذه الأسرار، لا لأؤذي أحداً." جلس على صخرة قرب الجدار الحجري، وأخرج من حقيبته صندوقاً صغيراً مزيناً بنقوش دقيقة.
"اسمي فؤاد. كنت عالماً في التاريخ القديم، وقادتني أبحاثي إلى هذا الجبل. ما وجدتُه هنا لا يمكن للعالم أن يتخيله."
فتحت سلمى دفترها وبدأت تسأله عن الجوهرة وعن الرموز. أخبرها أن "قلب الجبل" ليس مجرد حجر، بل مصدر طاقة قديمة كانت تُستخدم لحماية القرى من الكوارث الطبيعية. ولكن مع مرور الزمن، نُسيت هذه المعرفة، وبدأت القوى التي تحمي الجوهرة تضعف.
وأضاف فؤاد: "أحتاج مساعدتك، سلمى. وحدك تستطيعين قراءة هذا الجزء من الخريطة، لأنها مكتوبة بلغة لا تقرأها إلا من يحمل دم السلالة القديمة."
أحست سلمى بقشعريرة تسري في جسدها، لم تكن تعرف أن دمها يحمل سراً قديماً. نظرت إلى فؤاد، ثم إلى الخريطة، وقالت بثقة: "إذا كان هذا قدري، فسأكمله."
الفصل الرابع: قلب الجبل
بدأت سلمى تتدرب يومياً مع فؤاد على فك الرموز القديمة وقراءة النصوص المنقوشة داخل الكهف. كانت تتعلم بسرعة لافتة، وكأن تلك اللغة القديمة تعود إلى ذاكرتها من مكان ما في الأعماق.
اكتشفا أن الجوهرة مخبأة داخل غرفة سرية أسفل الجبل، لا يمكن فتحها إلا بجمع ثلاث مفاتيح حجرية موزعة في أماكن مختلفة: معبد مهجور في الجنوب، وبئر قديم في ساحة القرية، وكهف منسي خلف الشلال.
قررت سلمى أن تبدأ بالمعبد المهجور. في صباح بارد، ودّعت والدها وجدتها دون أن تذكر شيئاً عن مهمتها. تسللت عبر الغابة، ووصلت إلى المعبد المغطى باللبلاب والأحجار المتهالكة.
داخل المعبد، واجهت ألغازاً معقدة وفخاخاً لم تكن تتوقعها، لكنها استخدمت ذكاءها وحدسها لتجاوزها. وعندما وصلت إلى الحجرة الأخيرة، وجدت التمثال الحجري الضخم الذي كان يحمل المفتاح الأول في قلبه.
أمسكت بالمفتاح، وشعرت بقوة دافئة تسري في يدها. أدركت أنها بدأت أول خطوة حقيقية نحو كشف سر "قلب الجبل".
الفصل الخامس: عين البئر
عادت سلمى إلى القرية بهدوء، وكانت تفكر في الخطوة التالية. حسب الخريطة، المفتاح الثاني مخبأ في بئر قديم مهجور في ساحة القرية، اعتقد الناس منذ عقود أنه مسكون.
في الليل، تسللت إلى البئر بمصباح صغير. أنزلت حبلاً طويلاً وتسلقت داخله. في الأسفل، وجدت نفقاً ضيقاً يؤدي إلى غرفة دائرية مليئة بالرموز والنقوش.
كان هناك لغز محفور على الجدار: "إذا نظرت إلى نفسك في الظلمة، فمن تكون؟". أجابت سلمى بصوت مرتجف: "أنا من أبحث عن النور."
انفتح جدار حجري ببطء، وظهر المفتاح الثاني داخل وعاء زجاجي. أخذته، وخرجت من البئر، وعيناها تتلألأ بالأمل.
الفصل السادس: كهف الشلال
بقي المفتاح الأخير، والمكان أصعبهم: الكهف المخبأ خلف شلال الجبل. سار فؤاد مع سلمى هذه المرة، إذ كان يعرف الطريق جيداً.
تحت الشلال، دخلا الكهف عبر ممر زلق مغطى بالطحالب. في الداخل، وجدا جداراً من البلور العاكس، لا يُفتح إلا عند تلاقي الضوء والصوت.
غنّت سلمى أنشودة قديمة علّمتها إياها جدتها. ترددت الأصداء في الكهف، فانعكس ضوء المصباح على البلور، فانشق الجدار، وظهر المفتاح الثالث.
عندما جمعت المفاتيح الثلاثة، اهتز الجبل، وظهر ممر خفي لم يره أحد منذ قرون...
الفصل السابع: الغرفة الأخيرة
دخلت سلمى وفؤاد الغرفة السرية. كانت ضخمة، محفورة في باطن الجبل، وفي مركزها عرش حجري وعلى قمته الجوهرة الخضراء تتوهج.
لكن قبل أن تلمسها، ظهر رجل آخر، مغطى بعباءة رمادية، قال: "أنتم اقتربتم أكثر من اللازم. هذه القوة يجب أن تبقى نائمة."
أخبرهم أنه آخر الحراس، وأقسم أن لا يُسمح لأي أحد بلمس الجوهرة، لأن إيقاظها قد يوقظ شيئاً آخر: كيان قديم مدفون في الجبل.
الفصل الأخير: قلب الجبل
عندما دخلت سلمى الغرفة الأخيرة في ممرات الجبل، وجدت نفسها أمام بوابة ضخمة مغطاة بنقوش قديمة تتوهج باللون الأخضر كلما اقتربت. كان فؤاد خلفها، يلتقط أنفاسه من عناء التسلق.
قال فؤاد: "ها قد وصلنا. خلف هذه البوابة توجد الجوهرة... ولكن يجب أن تكوني مستعدة لما سيأتي بعد ذلك."
نظرت سلمى إليه باستغراب، فقال بتردد: "قلب الجبل لا يمنح قوته مجاناً. من يلمسه يجب أن يختار: إما أن يستخدم القوة لإنقاذ القرية، أو أن يطيل عمره ويملك المعرفة، لكن بثمن باهظ."
وقفت سلمى أمام البوابة، ووضعت المفاتيح الثلاثة في مواضعها. دارت العجلة الحجرية الضخمة، وبدأت البوابة تفتح ببطء محدثة صوتاً كالرعد.
في الداخل، كانت الجوهرة معلقة في الهواء فوق منصة حجرية، محاطة بهالة من الضوء النابض. اقتربت سلمى بخطى بطيئة، وكل لحظة تمر كانت تشعر بثقل القرار القادم.
وقفت أمام الجوهرة، وأغمضت عينيها، فشاهدت رؤى من المستقبل: قريتها محمية، خضراء، مزدهرة... ثم رؤى أخرى، لها وهي تجوب العالم، تقرأ كتباً محرّمة وتكتشف أسراراً مخبأة منذ آلاف السنين.
سمعت صوتاً في أعماق ذهنها يقول: "اختاري يا سليلة الجبل... حياة لأجلك أم حياة لأجلهم؟"
فتحت عينيها، ونظرت إلى فؤاد، ثم مدت يدها نحو الجوهرة. وحين لمستها، عمّ ضوء ساطع الغرفة بأكملها، واختفى كل شيء من حولها.
وجدت نفسها واقفة وسط فضاء لا نهائي، حيث لا زمن ولا مكان. ظهر أمامها طيف لامرأة مسنّة تشبهها في الملامح، وقالت بصوت يشبه الريح: "أنا نائلة، حارسة الجوهرة الأولى. كنت مثلك يوماً، اخترت المعرفة، ودفعت الثمن. الآن جاء دورك... لكنك اخترت شيئاً مختلفاً."
قالت سلمى بثبات: "اخترت القرية. اخترت أن أكون جسراً لا قمة."
ابتسم الطيف، وبدأ الضوء ينسحب تدريجياً حتى عادت سلمى إلى الغرفة الحجرية. كانت الجوهرة لا تزال معلّقة، لكنها الآن هادئة، تشعّ بضوء ناعم أخضر يملأ المكان دفئاً.
فؤاد راقبها بدهشة. قال: "لقد... غيّرتها. لم تعد كما كانت. لقد أنعشتها."
خرج الاثنان من الجبل، وعندما وصلا إلى القرية، كانت السماء تمطر لأول مرة منذ شهور. الأرض تشرب الماء بنهم، والنهر الصغير بدأ في الجريان مجدداً.
جاء أهل القرية، بعضهم يضحك، وبعضهم يبكي. لم يعرفوا بالضبط ما الذي حدث، لكنهم شعروا أن شيئاً عظيماً قد تغيّر. أن هناك روحاً حمتهم.
في المساء، جلست سلمى عند نافذة بيتها، تحمل دفتر ملاحظاتها. كتبت: "عندما تختار النور، لا تختفي الظلال... لكنها لا تخيفك بعد الآن."
وهكذا، عادت الحياة إلى الجبل... وعادت سلمى، لا كطفلة تسكن في قرية صغيرة، بل كحارسةٍ جديدة لسر قديم.
النهاية
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon