📓 رياح الجنوب
📁 المجلد: 01
📎 الفصل: 01
احتِلَال
قبل 35 عامًا من الآن وتحديدًا في سنة 152 حسب التقويم الجنوبي، كانت بلاد الجنوب تنعم بالأمن والهدوء، إنها هذه البلاد المشهورة بثقافة وتعليم جميع فئات الشعب المعروف ببساطته وطيبته، الناس كعادتهم يعيشون حياتهم الطبيعية، كان الموظفون في أعمالهم والطلاب يتدفقون إلى مدارسهم، أما الأسواق فكانت نابضة بالحياة، كانت السماء الزرقاء صافية وروائح الأطعمة الشهية والوجبات السريعة تنتشر في المكان فيما امتزجت أصوات الباعة وضحكات الزبائن لتطغى على المشهد. في الفصول الدراسية، اجتهدَ الطلابُ لحمل آمال عائلاتهم ووطنهم نحو المستقبل. بدا كل شيء جميلًا ومثاليًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى أتى ذلك اليوم.
- السكان في السوق بعد سماع صوت انفجار عنيف وتصاعد الدخان: م-ما هذا؟! انفجار؟! ماذا يحدث؟!
ووسط تساؤلات السكان وقلقهم حول سبب الانفجار كانت مئات القنابل الحارقة شديدة الانفجار تتساقط على رؤوسهم، صوت الانفجارات العنيفة تصاعد كهدير الوحوش الغاضبة، والنيران كانت تلتهم كل شيء أمامها. بعض الناس لم يجدوا حتى فرصة للصراخ قبل أن تسحقهم الأنقاض!
- السكان بهلع: أهربوا! ما الذي يجري؟ الانفجارات والنيران في كل مكان!
- امرأة ببكاء وطفلها تحت ركام أحد الأبنية: أرجوكم ساعدوني، طفلي تحت الركام أرجوكم ساعدوني! أنقذوا طفلي أرجوكم!
هرع أربعة من الرجال المتواجدين هناك لنجدة المرأة وبينما هم يحاولون إخراج طفلها من تحت الركام سقطت إحدى القنابل المتساقطة وسطهم لتُنهي الأمر.
وفي غمضة عين تحوّل السوق المُفعم بالحياة إلى جحيم، لم يتمكن الناس من رؤية السماء الزرقاء بسبب كثرة الدخان الناتج عن الانفجارات الهائلة، كانت الأرض تشتعل بالنيران في كل مكان، ولم تكن المدارس وبقية المنشآت المدنية أفضل حالًا فجميعها تعرضت لهذا الجحيم المروّع.
- المذيع في المذياع: حالة طوارئ، أُكرر حالة طوارئ، قوات مملكة الشمال تشن هجومًا واسعًا وشاملًا على بلادنا، قواتنا المسلحة تتصدى للهجمات المتتابعة والمفاجئة، تدعوكم الحكومة إلى الهرب وإخلاء المدن التي تتعرض لعمليات إبادة جماعية ممنهجة، أُكرر حالة طوارئ، أُكرر حالة طوارئ، قوات مملكة الشمال تشن هجومًا واسعًا وشاملًا على بلادنا.
في قصر السلف السادس حاكم بلاد الجنوب كان السلف يقف خلف كرسي مكتبه بتوتر وهو يسمع أنباء الهجوم الشمالي عبر المذياع.
- أحد الجنود بعد الدخول بسرعة: سيدي!
- السلف السادس بارتباك وغضب: ما الذي يحدث؟ ما الأوضاع؟!
- الجندي بخوف: هجوم العدو المباغت والواسع أخرج العديد من أنظمتنا الدفاعية والهجومية عن الخدمة، خطوط الدفاع على الحدود تنهار بالفعل، ما هي أوامرك يا سيدي؟
- السلف السادس بتوتر: سحقًا، ما الذي عليّ فعله في هذا الوضع؟
- مستشار السلف السادس بعد دخوله: سيدي! ما الذي تفعله هنا حتى الآن؟ عليك الهرب فورًا، تقول الأنباء أن خطوط الدفاع الأمامية لجيشنا تنهار، هذا يعني أن قوات العدو ستجتاح البلاد بما فيها العاصمة!
- السلف السادس بغضب: أُصمت!
- المستشار بتوتر: المعذرة يا سيدي، هل قلتُ شيئًا لا ينبغي عليّ قوله؟!
- السلف السادس: كيف تجرؤ على طلب الهرب مني؟
- المستشار بتوتر: المعذرة يا سيدي، لقد كنتُ أُريد الحرص على سلامتكم لا أكثر.
- السلف السادس بعد أن التفت نحو الجندي: جهزوا سلاحي وملابس الحرب الخاصة بي فورًا.
- الجندي باندهاش: ماذا؟!
- المستشار: ملابس الحرب، هل تنوي الذهاب إلى الحدود يا سيدي؟!
- السلف السادس وهو يصرخ على الجندي: تحرّك بسرعة.
- الجندي بخوف: ح-حاضر.
- السلف السادس بعد خروج الجندي: لن أهرب بينما يدافع جيشنا عن هذه البلاد، سأذهب بنفسي إلى هناك ولو كلفني ذلك حياتي.
- المستشار بقلق: أرجوك يا سيدي فلتُعد النظر في الأمر، إن حلّ بك مكروه فما الذي سيحدث للبلاد من بعدك؟!
- السلف السادس: هه، إن ظن العدو بأني سأسقط بهذه السهولة فهو مُخطئ، لن أموت قبل تكبيد العدو خسائر فادحة في العدة والعتاد.
- المستشار: ولكن يا سيدي.
- السلف السادس وهو يقطع حديث المستشار: حُسم الأمر، ما أُريد معرفته الآن سبب هذا الهجوم المفاجئ.
- المستشار: كل ما أعرفه أن للشمال أطماع قديمة في بلادنا منذ تأسيسها على يد السلف الأول، ولكن لا أعرف لماذا بالضبط في هذا الوقت بالذات وما المُبررات!
- السلف السادس: حسنًا، سندافع عن بلادنا بقوة حاليًا، لا بد أن هناك دول ستحاول الدخول في وساطة لإنهاء هذا الهجوم الذي تجاوز كافة القوانين والأعراف الدولية، وإلى ذلك الحين يجب أن نبقى على قيد الحياة فقط.
توجه السلف السادس مع مستشاره وعشرات الجنود إلى الحدود لإسناد قوات الجيش المدافعة في الخطوط الأمامية.
- السلف السادس وهو يحمل بندقيته بعد النزول من السيارة على الخط الأمامي ورؤية القتلى: هناك عدد كبير من الضحايا!
- أحد الجنود: ننتظر أوامرك يا سيدي!
- السلف السادس وأصوات القذائف في كل مكان: العدو أمامنا، سنبيده معًا.
- الجنود: هيا!
وخاض السلف السادس اشتباكات ضارية مع قوات العدو لمنعها من التقدم وكان في وضع حرج للغاية، وفي تلك اللحظة شاهد طائرات العدو تتجه نحوهم.
- السلف السادس: طائرات! أين قواتنا الجوية؟!
- المستشار: لقد دُمّر سلاحنا الجوي بالكامل في الهجوم المباغت!
- أحد الجنود بخوف: سيدي!
- السلف السادس: ما الأمر؟!
- الجندي: قوات العدو ترفع أعلام مملكة الشمال ومملكة الشرق!
- السلف السادس بعد إصابته برصاص المدفع الرشاش من الطائرة: أااا.
- المستشار بعد أن هرع نحو السلف: سيدي! هل أنت بخير؟!
- السلف السادس والدماء تسيل من رأسه ويديه وساقيه: سحقًا، إذا كانت مملكة الشرق تعاون الشمال في غزو بلادنا فهذا يعني أن العالم بأكمله يقف بجانب الشمال، لقد هُزمنا!
- المستشار: أرجوك اصمد يا سيدي!
- أحد الجنود: طائرات العدو تُسقط القنابل الحارقة شديدة الانفجار!
- السلف السادس باستياء وهو مُغطًا بدمائه: سحقًا، لقد انتهى الأمر.
وفي تلك اللحظة سقطت إحدى قنابل طائرات العدو على رؤوس السلف ورفاقه وقضت عليهم، وهكذا سقطت بلاد الجنوب في يد مملكة الشمال بدعم من مملكة الشرق والمجتمع الدولي.
"في الواقع" في سنة 187 ج وبعد مرور ثلاثة عقود ونصف على هذه الأحداث كان بطل قصتنا رائد يجلس في غرفته وهو يقرأ كتاب تاريخ بلاده الجنوب، كان كتابًا من الكتب القليلة التي نجت من الحرق من قِبل الاحتلال الشمالي بهدف طمس الهوية والتاريخ الجنوبي، صديقنا رائد يعارض الذرائع التي برر بها الشمال احتلاله لبلاد الجنوب وارتكابه آلاف الجرائم والمجازر البشعة بحق الشعب الجنوبي المسالم.
- رائد بعد إغلاق الكتاب: لن أقبل، لن أقبل أن أكون مستعبدًا من قِبلهم، لن أعيش كما يُريدون أبدًا، سأشق طريقي الخاص مهما كلّف الأمر، لا بُد أن تَهُب رياحي ذات يوم وتتحول إلى إعصار يُدمّر كل شيء يقف في وجهه.
أنهى رائد المرحلة المتوسطة وأصبح طالبًا في المرحلة الثانوية، كان رائد يستعد ويُحضر نفسه فغدًا أول أيامه في الثانوية العامة، بالرغم من طبعه الهادئ إلا أن داخله كان يمتلئ بالضجيج، نعم إنه ضجيج الرغبة في الحرية، الحرية التي لا معنى للعيش بدونها، فهل يستطيع رائد أن يفرد جناحيه ضد الاحتلال المفروض عليه وعلى شعبه؟ وكيف ستجري الأمور معه في الثانوية لاسيما مع الطلاب المستوطنين الذين قدموا للبلاد بعد الاحتلال؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.
يتبع.
📓 رياح الجنوب
📁 المجلد: 01
📎 الفصل: 02
مَيتَم
استيقظ رائد باكرًا في أول أيامه في الثانوية العامة، كان رائد يشعر ببرود وعدم مبالاة بأي شيء نظرًا للوضع الذي تعيشه بلاده تحت وطأة الاحتلال، اختلاطه بالمستوطنين يوميًا في الأسواق، المدرسة، والثانوية الآن يزيد الطين بلة، يحمل رائد في قلبه الكره للشمال وأبنائه والحقد عليهم، كيف لا وهم من دمّروا بلاده ونهبوا ثرواتها وترك الملايين منهم الشمال للعيش في الجنوب على حساب الشعب الجنوبي المُستعبد، استياء رائد يزداد عندما ينظر إلى الفقر المنتشر بشكل مخيف بين شعبه بسبب التهميش واحتكار الوظائف والأعمال للمستوطنين، نهض رائد من سريره عندما استيقظ صديقه مجد الذي كان ينام على السرير المقابل لسرير رائد.
- رائد: هل استيقظت؟!
- مجد: صباح الخير!
- رائد: صباح الخير، كيف كانت ليلتك؟ هل نمت جيدًا؟!
- مجد بعد أن جلس: يمكنك قول ذلك، إنه أول أيام الثانوية!
- رائد ببرود وهو يفتح النافذة: نعم، إنه كذلك.
- مجد: أهناك ما يُزعجك؟
- رائد: أنت تعلم ما يُزعجني بالفعل.
- مجد بعد أن نهض من على سريره: فهمت، هذا لا يُزعجك وحدك بل يُزعجنا جميعًا.
- رائد: إلى متى علينا تحمُّل هذا الوضع؟
- مجد: بالرغم من أني لا أُريد قول ذلك ولكن أخشى أن الأمل معدوم.
- رائد بعد أن التفت نحو مجد: لنُغيّر ملابسنا وننزل لتناول الفطور من أجل الذهاب إلى الثانوية مبكرًا.
- مجد: حسنًا، سأغسل وجهي أولًا.
بعد تغيير ملابسهما نزل رائد ومجد لتناول الفطور في الطابق السفلي، هناك حيث كان الجميع ينتظرهما، كان هناك ستة فتية جميعهم أصغر من رائد ومجد! نعم إنها الحقيقة المُرّة، فرائد ومجد يعيشان برفقة الفتية الستة في ميتم خيري! قد يبدو الأمر مفاجِئًا أو غير منطقي ولكنها الحقيقة، ولكلٍ منهم قصته الخاصة، والآن لنتعرف على رفاق رائد ومجد في الميتم وهم: غيث وليث وهما توأمان ويبلغان من العمر 15 عامًا ويدرسان في الصف الثالث المتوسط، أيضًا هاني وساهر ويبلغان من العمر 14 عامًا ويدرسان في الصف الثاني المتوسط، وكذلك مازن ورامي ويبلغان من العمر 10 سنوات ويدرسان في الصف الأول الإعدادي.
- رائد ببرود بعد الجلوس على طاولة الطعام: صباح الخير.
- الجميع: صباح النور.
- ليث: عامٌ دراسي جديد، هذا ممل حقًا.
- غيث: أوافقك في ذلك حقًا يا أخي.
- رامي: هل عليّ أنا أيضًا الذهاب إلى المدرسة؟
- هاني: بالطبع عليك ذلك أيها الغبي.
- رامي: رائد ومجد، هل سمعتماه؟ لقد نعتني بالغبي!
- رائد: هيا أكملوا طعامكم بسرعة لتذهبوا للمدرسة، لا داعي للشجار.
- مجد باستفزاز: عجبًا! تبدو مثاليًا اليوم على غير عادتك.
- ساهر: رائد مثالي دائمًا، إنه أخينا الأكبر بعد كل شيء.
- مازن: مجد، هل حقًا أن رائد أكبر منك؟
- مجد باستياء: ألم تسمعوا رائد يقول أكملوا طعامكم بسرعة؟ هيا نفذوا ما قال، لتأكلوا بصمت.
انتهى الجميع من تناول الطعام وتوجه الجميع إلى المدارس، كان رائد ومجد يسيران معًا على أحد الأرصفة عندما رأيا صاحب محل خضار من أبناء الاحتلال.
- رائد: سحقًا، لا يمكن لساعة واحدة أن تمُر بدون أن ترى شيئًا قبيحًا.
- مجد: تبدو مستاءً جدًا، ألا يُمكنك أن تعتاد على هذا الأمر؟
- رائد: لستُ في مزاجٍ جيدٍ للمزاح أيها المزعج.
- مجد: لا تغضب يا صديقي، ليس وكأني معتاد على ذلك، أنا أتوق مثلك لطردهم من بلادنا ولكن ما باليد حيلة!
- رائد بابتسامة خفيفة بعد أن خطرت بباله فكرة: إن كان الأمر كذلك لننغص عيشتهم إذاً.
- مجد بابتسامة مخيفة ونظرات شريرة: تُعجبني عندما تتحدث بهذه الطريقة يا رائد! أي نوع من أنواع التنغيص تقصد بالضبط؟!
- رائد: أنت تملك بعضًا من هذه الأفكار الشنيعة بالفعل، أليس كذلك؟
- مجد وهو يحدق برائد: أنت لا تنظر لي هكذا بلا شك! أنت تعرف كم أنا لطيف.
- رائد وهو يحاول تفادي نظرات مجد: نعم أعرف.
وصل رائد ومجد إلى الثانوية حيث كانت مكتظة بالطلاب.
- رائد: يا للزحام! هناك الكثير من الطلاب!
- مجد: صحيح، ولكن انظر جُلهم من المستوطنين وهذا مزعج!
- رائد: معك حق، المنظر يدعو للاشمئزاز!
- مجد بضحكة وابتسامة شريرة: اييه هيه هيه هيه!
- رائد باستياء: ها قد كشفت عن وجهك الحقيقي.
- مجد: ماذا؟! لا لا أنت مُخطئ تمامًا، فقط كنت أحاول تقدير عدد هذه الماشية التي تنتظر الموت بأبشع الطرق!
- رائد باستياء: ها قد بدأنا!
- مجد: لا تتعجل يا صديقي، قد يستغرق الأمر منا سنوات كاملة لتحقيق الانتقام الذي تحلم به، علينا اكتساب المزيد من المعارف العلمية لتحقيق أفضل انتقام يمكن تحقيقه، فبعلمي ومهاراتك الاستثنائية يمكننا السيطرة على بلادنا مجددًا وتحقيق الاستقلال ودحر الاحتلال!
- رائد: نعم، أوافقك هنا، ثم أني لا أظن أنك بحاجة للمزيد من العلوم، أخشى أن تُصاب بالجنون!
- مجد بابتسامة عريضة: ماذا قلت؟! إذاً أنت تقلق عليّ، أليس كذلك؟
- رائد وهو يحاول تجاهل مجد: ليس الأمر كما تظن.
- مجد: أنت تراوغ فحسب، حسنًا لا عليك فأنا مُستمتع، فلا شيء يُعجبني أكثر من العلم!
- رائد: ها أنت ذا تُثبت لي أنك مجنون حقًا، أنت تسير في طريق مختلف كليًا عن الناس العاديين!
- مجد بتباهي: إذا كان الأمر يتعلق بالتميز فيُسعدني أن أكون مجنونًا إذاً.
وعندها اصطف الطلاب في أعمدة منظمة استعدادًا للاستماع إلى كلمة مدير الثانوية بمناسبة العام الدراسي الجديد.
- المدير: أيها الطلاب أهلًا بكم هنا في الثانوية العامة، أنتم على أعتاب بداية مرحلة علمية جديدة كليًا فنرجو أن تسموا إلى المعالي للنهوض بهذا البلد الواحد نحو مستقبل أفضل!
- مجد باستياء: هه قال بلد واحد قال!
- رائد وهو يحافظ على هدوئه: لم يترك العدو أي وسيلة دون استخدامها لطمس هويتنا، وهذه الأدوات الرخيصة تُستخدم لإيهام شعبنا أن ما حدث قبل 35 سنة مضت كان توحيدًا تحت مسمى مملكة الشمال العظمى!
- مجد: المصيبة أن هذا الجيل من شعبنا الذي وُلد خلال الاحتلال لا يعرف شيئًا عن بلادنا، إنه لا يعرف إلا ما يُدرّسه الاحتلال له!
- رائد: نعم، ولكن لن يدوم هذا طويلًا، أعدك.
- المدير: أنتما أيها النحيلين!
- رائد ومجد بتفجؤ: نعم.
- المدير: ما الذي تتهامسان به؟ التزما الصمت وإلا طردتكما.
- رائد ومجد: حسنًا! نحن آسفان!
- المدير: والآن فلتتجهوا إلى فصولكم، سيجد كل طالب اسمه في ورقة معلقة بباب الفصل!
- رائد وهو ينظر نحو المدير: لا أصدق أنني اعتذرت لذلك القذر، سوف تندم أيها الضخم!
- مجد وهو ينظر للمدير: انتظر وحسب أيها الأحمق الكهل، سوف أحرص على جعلك تموت بأبشع الطرق وأشدها عذابًا.
توجه رائد ومجد إلى فصلهما بعد مدة من البحث عنه، كان عدد الطلاب فيه قليل فالجميع لا زال يبحث عن اسمه في الأوراق المعلقة على أبواب الفصول.
- مجد بعد أن جلس في الصف الأمامي: هذا المقعد مناسب.
- رائد: أتمزح معي؟ يستحيل أن أجلس هنا، هيا انهض.
- مجد: لم يُجبرك أحد على الجلوس هنا!
- رائد: لن نجلس إلا بجوار بعضنا! كيف تأمن على نفسك بين كل هؤلاء المستوطنين؟!
- مجد: ماذا عساهم أن يفعلوا؟!
- رائد وهو يسحب مجد من كتفه نحو مؤخرة الفصل: تعال معي وحسب.
- مجد: أأ- مهلًا دعني وشأني.
- رائد بعد أن جلس في الصف الأخير بجوار النافذة: اجلس هنا.
- مجد باستياء: هل أنت جاد؟ هنا! في آخر الفصل؟!
- رائد: نعم، إنه مكانٌ مثالي لمراقبة جميع تحركات الطلاب.
- مجد باهتمام بعد أن جلس: أنت محق، إنه مكانٌ مناسب!
- رائد في نفسه: كعادته، يمكن خداعه بسهولة.
- مجد: بالمناسبة لا يمكن لغيرك أن يخدعني أبدًا، أنت وحدك من تفعل ذلك.
- رائد بارتباك: م-ماذا؟! كيف عرفت ما أُفكر فيه؟!
- مجد بلا مبالاة وهو يخرج أقلامه من حقيبته: كنت تتحدث بصوت مرتفع!
- رائد: ماذا؟!
- مجد بعد برهه بعد أن تجمدت ملامح وجهه وهو يحدق للأمام: هذا!
- رائد بتوتر: مجد؟ هاي مجد ما بك؟ مجد هل أنت بخير؟
- مجد بعمق: أيُعقل؟!
- رائد بخوف وهو يهز مجد: ما الذي أصابك يا مجد؟! أتسمعني؟
- مجد بنظرات عميقة وهو يُشير للأمام: إنها.
يتبع.
📓 رياح الجنوب
📁 المجلد: 01
📎 الفصل: 03
مُختَبَر
- رائد بخوف وهو يهز مجد: ما الذي أصابك يا مجد؟! أتسمعني؟
- مجد بنظرات عميقة وهو يُشير للأمام: إنها.
- رائد بتوتر شديد: ما الأمر؟ تحدث بسرعة!
- مجد بحماس كبير: إنها، حصة كيمياء! هذا رائع!
- رائد بقلق: مهلًا، هل لك أن تشرح لي قليلًا؟ فأنا لم أتمكن من استيعاب ما قلته.
- مجد: أول حصة لنا في العام الدراسي الجديد هي الكيمياء وبحسب الخطة الدراسية فإن أغلب حصص الكيمياء هذا العام ستكون في المختبر، هذا يعني أنا سنذهب للمختبر اليوم! هل يمكنك أن تجد يومًا أكثر سعادة من هذا؟ إنها ليست فقط، آه!
- رائد بعد أن قطع حديث مجد بضربة قوية على رأسه: لقد أخفتني أيها الوغد والآن تقول لي مختبر؟!
- مجد ورأسه على الطاولة: آه رأسي! هذا مؤلم.
- رائد بعد أن التفت نحو النافذة: أنت تستحق ذلك.
وفي تلك الأثناء رنّ الجرس معلنًا بداية الحصة الأولى عندما دخل رجل في متوسط العمر إلى الفصل.
- المعلم: صباح الخير يا أبنائي.
- الطلاب: صباح الخير.
- المعلم: اليوم هو أول أيام العام الدراسي الجديد، وقبل أن نبدأ أعرفكم بنفسي، أنا المعلم نجيب سأكون معكم هذا العام في مادة الكيمياء.
- رائد في نفسه باهتمام: اسمه نجيب؟!
- المعلم نجيب: سنتوجه إلى المختبر فهناك سندرس درسنا الأول، سيروا إلى المختبر بانتظام وبدون إحداث أي جلبة.
- الطلاب: حاضر.
توجه الجميع إلى المختبر حيث كانت نار الحماسة تشتعل في داخل مجد، أما رائد فقد كان يحافظ على هدوءه المعتاد.
عند دخول المختبر، كان المكان مشرقًا بلمعان أدوات الزجاج المنتشرة في كل مكان، وأرفف مليئة بزجاجات تحتوي على سوائل ملونة، بينما كانت طاولات التجارب مجهزة بأدوات السلامة.
- مجد بحماس بعد دخول المختبر: رائع! لقد بدأت الإثارة!
- رائد ببرود: لماذا تبدو سعيدًا وكأن اليوم هو عيد ميلادك؟ وعن أي حماس تتحدث؟ هذه من أصعب المواد في النهاية.
- مجد: ماذا؟ كيف لا أكون سعيدًا بعد إن أصبح بإمكاني رؤية مختبر علمي أكثر تطورًا وإجراء التجارب فيه! وربما الكيمياء صعبة بالنسبة لك لكن بالنسبة لي إنها ممتعة!
- رائد: أتُسمي هذا المختبر متطورًا؟
- المعلم نجيب: هدوء أيها الطلاب!
بعد مرور نصف ساعة على ذهاب الطلاب للمعمل قرر المعلم نجيب ترك طلابه بمفردهم قليلًا.
- المعلم نجيب: والآن سأترككم قليلًا حتى تنفذوا النشاط!
- الطلاب باندهاش وهم يحدقون بمجد: من هو هذا الفتى؟! لقد أجاب عن جميع الأسئلة التي طرحها المعلم!
- أحد الطلاب بعد الاقتراب من مجد: ماذا؟! ولقد نفّذ النشاط بسرعة أيضًا!
- مجد والطلاب يحيطون به: ماذا؟ ما الذي تفعلونه؟ ولماذا أنتم متجمهرون حولي هكذا؟!
- أحد الطلاب: لأنك غريب أو مجنون ربما! فقد أجبت عن الأسئلة جميعها، كما نفذت النشاط بسرعة وسهولة! من تكون يا هذا؟
- مجد بابتسامة ثقة: فهمت، يبدو أنني لم أُعرفكم بنفسي، أنا أُدعى مجد، ومن أنت يا زميل؟
- الطالب: انا أُدعى سمير.
- رائد في نفسه بملامح جدية وهو يراقب من بعيد: سمير؟!
- مجد: تشرفت بك!
- سمير: دعنا من هذا الآن، وأخبرني كيف تعرف كل تلك المعلومات فأنت لم تصدمنا وحسب، بل المعلم نفسه صُدم!
- مجد: حسنًا أنا أُحب العلوم وأنا مهووس بها، كما أنني أُحب القراءة والاستطلاع واستكشاف كل ما هو جديد وغريب ومثير، يُمكن لأي شخص مهتم أن يقرأ ويكتسب الكثير من المعارف، فأنا لا أحتكر العلم لنفسي!
- سمير: ليس الاهتمام وحده من جعلك هكذا! لا تقل لي أنك تعمل في وكالة نازو!
- مجد: أجل، أنا لا أعمل فيها بل أطمح لذلك، وأنت محق فليس الاهتمام بالعلم من جعلني هكذا بل الشغف والطموح كذلك.
- سمير: أنت غريب بالفعل!
- مجد في نفسه وهو يتفحص أدوات المختبر: رائع! لدينا المواد الكيميائية المهمة ومعظم الادوات، على الأقل فهذا أفضل من مختبر المدرسة الإعدادية المتهالك!
- سمير: هاي أنا أُحدثك! لماذا سرحت في تأملك للمختبر؟ يبدو أنك مجنون حقًا!
- مجد: ربما.
- سمير: ما الذي تقوم بفعله؟
- مجد: لدي شيءٌ لك في قمة الجنون!
- سمير باندهاش: ما هو؟
- مجد: انتظر وسترى!
- سمير: لماذا ستصنعه؟
- مجد: من أجل الرفاق هناك!
- سمير: ماذا تعني؟!
- مجد بوجه شرير يكاد يُخفيه وبصوت عالي: أنا أصنع عقار ذكاء سيقوم بعكس مردود هرموناتك وستكون جاهزًا عشرة ملايين بالمائة!
- أحد الطلاب باستغراب: ماذا؟ عقار ذكاء! هل أنت جاد يا هذا؟
- مجد وهو يرمي الزجاجة التي فيها المادة الكيميائية في المغسلة ويشعلها: كنتُ أمزح بالطبع، لا وجود لمثل هذه الأشياء! إنه مجرد بنزين قمت بتكريره من أغطية القنينات البلاستيكية!
- سمير: ماذا؟! بنزين! وكيف ذلك؟!
- مجد بتنهد: إنه مركب هيدروكربوني في النهاية، لا أظنكم ستفهمون بعد، فهذه المعلومة ليست في منهج هذا الصف بل في الصف الثاني!
- سمير: وكيف عرفتها أنت؟!
- مجد: كما قلت لك أنا مهووس بالعلم لذا حرصت على تعلم أكبر قدر ممكن منذ أن كنت في الرابعة عشر!
- سمير: أتقصد أنك تعلمت هذا بنفسك؟!
- مجد: نعم بواسطة الانترنت!
- سمير: كلما عرفت شيء جديد عنك أزداد قناعة بأنك لست شخص عادي!
- مجد: ههههه، حقًا؟!
- سمير: نعم.
- المعلم بعد عودته: هيا يا طلاب لقد انتهت حصتنا فلتعودوا إلى الفصل وسأتابع نتائجكم في هذا النشاط!
- الطلاب: حاضر!
- رائد في نفسه باستياء: كم أكره هذه المادة.
انتهى اليوم الأول في العام الدراسي الجديد أخيرًا، كان رائد ومجد في طريقهما للعودة إلى الميتم.
- رائد باستياء: وأخيرًا انتهى اليوم الأول لنا في المرحلة الثانوية.
- مجد: نعم، لكن لدينا واجبات مدرسية كثيرة نوعًا ما!
- رائد: نوعًا ما؟ ألم ترى عدد الصفحات والأسئلة الهائلة خصوصًا في الكيمياء والرياضيات؟
- مجد: بلى رأيتها، لكنني حللت المسائل الكيميائية جميعها في فترة الاستراحة إضافة إلى بعض مسائل الرياضيات!
- رائد: أحللتها في الاستراحة بتلك السرعة؟ ظننتك تُكمل نقلها لدفترك فقط!
- مجد: لا فقد انتهيت بسرعة، لم يرن الجرس إلا وقد أغلقت دفتري!
- رائد: كم أغبطك على ذكائك.
- مجد: لا تقلق يا أخي سأُساعدك على حلها!
- رائد: هل أنت واثق أنك ستفعل؟
- مجد: ما الذي تقصده؟
- رائد: لقد كنتُ بأمس الحاجة إليك اليوم في المختبر ولكنك كنتَ مشغولًا بالتباهي أمام الجميع.
- مجد باندهاش: ماذا؟! أنا أتباهى؟
- رائد: حرفيًا نعم، أعتقد أني سأحصل على الصفر في ذلك النشاط.
- مجد: وما أدراني أنا؟ كان عليك مناداتي.
- رائد: حسنًا لا تُشغل بالك، فأنا لا أهتم بالعلامات التي أحصل عليها مطلقًا.
- مجد: لا تهتم لها؟!
- رائد: نعم، ففي النهاية لدي هدف أسعى لتحقيقه وليست المدرسة على أجندة ذلك الهدف.
- مجد: لم أفهم شيئًا!
- رائد بجدية: سأشرح لك الأمر، عمري الآن 16 عامًا كما تعلم، لقد مضت عشر سنوات منذ أن أتيتُ إلى الميتم، لقد عاهدتُ نفسي منذ ذلك الحين أن أُناضل في سبيل استعادة وطني الذي سُرق منا قبل 35 عامًا، ولكن مضت عشر سنوات ولم أفعل أي شيء لتحقيق ذلك حتى الآن، لقد مللت من الجلوس عاجزًا بلا حراك.
- مجد بقلق: رائد!
- رائد: سأضع حدًا لكل ذلك، لقد ضقت ذرعًا وأنا أُراقب بصمت، حان الوقت لأتحرك، لستَ مُجبرًا على السير معي في هذا الطريق يا مجد.
- مجد بصدمة: ماذا؟!
- رائد بعد أن أدار ظهره لمجد: لقد كنتَ اجتماعيًا اليوم، على الرغم أن هذه ليست عادتك ولكن يمكنك أن تُكوّن صداقات كثيرة إن بقيتَ بعيدًا عني، ولكن هناك شيء يجب أن تعلمه، صديقك الجديد وكذلك المعلم.
- مجد بعد أن صمت رائد: لماذا توقفت؟
- رائد: لا شيء، انسَ الأمر.
- أحد رجال الشرطة وهو يتجه نحو رائد ومجد: أنتما هناك، توقفا مكانكما.
- رائد وهو يسير نحو الشرطي: يبدو أن بمجرد عزمي على بدء السير في ذلك الطريق باتت ضحاياي تأتي إليّ.
- مجد بعد أن أمسك يد رائد: رائد! لا تفعل شيئًا تندم عليه، فكر بعواقب فعلتك وما الذي قد يحل بإخوتنا في الميتم!
يتبع.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon