في زمنٍ بعيد، كانت هناك مدينة عظيمة تُدعى "أوراس"، تحيط بها الأسوار العالية، وتخفي وراء بواباتها أسراراً لم يعرفها إلا من تجرأ على البحث. كان الناس يتحاشون الحديث عنها، خوفاً مما قد تصنعه الأسرار القديمة إذا أُيقظت من سباتها الطويل.
في إحدى الليالي، دخل إلى المدينة مغامرٌ وحيد يُدعى "مالك"، يحمل قلباً جريئاً وعينين لا تخافان المجهول. لم يأتِ ليجمع الذهب ولا ليطلب المجد، بل جاء يبحث عن سرٍّ قيل إنه قادر على تغيير مصير من يكتشفه.
راح مالك يتنقل بين الأزقة الضيقة، يسأل العجائز ويستمع للقصص التي يتناقلها القرويون همساً. كان الحديث دائماً يدور حول "المنارة السوداء"، بناء مهجور في قلب المدينة، قيل إن من صعد إلى أعلاها ليلاً، يسمع همسات الماضي وينكشف له السر المكنون.
دفعه فضوله إلى الوصول للمنارة. كان الظلام يلف المكان، والريح تعصف بالأبواب الخشبية المتهالكة. صعد الدرجات المتصدعة خطوة بعد خطوة، وكلما اقترب من القمة، أحس وكأن العتمة تبتلعه أكثر.
عندما وصل إلى القمة، لم يجد كنزاً، ولا كتاباً قديماً، بل مرآة كبيرة مغطاة بالغبار. اقترب ومسح جزءاً من الغبار براحة يده، فرأى فيها صورة... لكنها لم تكن صورته.
تجمد في مكانه، إذ أن الوجه الذي رآه كان يبتسم له ابتسامة غامضة، وعيناه تتوهجان بلونٍ غريب. فجأةً، تلاشى كل شيء من حوله — المدينة، المنارة، والظلام نفسه.
لم يُر مالك بعدها أبداً.
أما المدينة، فقد ظلت كما هي، تنتظر المغامر التالي...
مرت سنوات طويلة، وكادت قصة "مالك" أن تُنسى، إلا بين قلة من الشيوخ الذين ظلوا يتهامسون بها في الأسواق الخافتة.
وفي مساءٍ عاصفٍ، دخل المدينة رجل آخر. كان شاباً غريب المظهر، عيونه بلون العاصفة، وملابسه ملوثة بغبار سفرٍ طويل. اسمه كان "رائد"، ولم يكن يعرف عن المدينة سوى أنها تحمل لغزاً قديماً قد يقوده لاكتشاف أعظم من كل الكنوز.
لم يكن رائد يعلم أن خطواته ستعيد تحريك الظلال الساكنة منذ رحيل مالك.
كان الشاب أكثر حذراً، ومع ذلك، شعر منذ دخوله للمدينة بشيءٍ يراقبه.
كلما سأل أحد السكان عن "المنارة السوداء"، كان يواجه بالصمت، أو بنظرات خوفٍ تملؤها التحذيرات.
ورغم ذلك، عزيمته لم تتزعزع.
في الليلة الرابعة لوصوله، قاده حدسه إلى زقاق ضيق خلف السوق القديم، وهناك، وجد امرأةً عجوزاً ترتدي عباءة رمادية، بدا كأنها كانت تنتظره.
قالت له بصوت مبحوح:
"إن كنت تبحث عن السر، فلن تجده في القمة كما فعل غيرك... السر في أن تعرف، لا أن ترى."
ثم مدت إليه مفتاحاً صدئاً صغيراً، قبل أن تختفي في الظلام كأنها لم تكن موجودة.
أخذ رائد المفتاح، وقادته خطواته الثقيلة إلى المنارة مجدداً. لكن هذه المرة، بدل أن يصعد السلالم كما فعل مالك، راح يبحث أسفل المبنى.
وهناك، خلف جدار متصدع، وجد باباً قديماً بالكاد يلاحظه أحد، وفُتح بالمفتاح الذي أعطي له.
في الداخل كان هناك ممر ضيق يؤدي إلى غرفة مضاءة بشعلة خافتة، وفي منتصف الغرفة... كتاب، ضخم ومغبر، موضوع فوق منضدة حجرية.
حين اقترب رائد وفتح أولى صفحاته، لم يجد كلمات عادية، بل انعكاسات... انعكاسات لذكريات لم يعشها من قبل.
رأى وجوه أناس غرباء، معارك دارت في شوارع المدينة، وعهد قديم خُتم بلعنة.
وفجأةً، سمع همسة خلفه:
"السر ليس أن تعرف الحقيقة، بل أن تختار مصيرك..."
استدار بسرعة، لكن الغرفة كانت فارغة.
أغلق الكتاب، وعندما خرج من الباب، وجد أن المدينة قد تغيرت — صارت مغطاة بضباب كثيف، ولا أثر للبشر فيها.
وكما حدث مع مالك، اختفى رائد... ولكن هذه المرة، حمل معه شيئاً من السر القديم.
ومنذ تلك الليلة، أصبحت المدينة أكثر صمتاً... وكأنها بانتظار مغامر ثالث... أو ربما، بانتظارك أنت.
بعد اختفاء رائد، مرت عقود... وأصبحت مدينة أوراس مجرد أطلالٍ مهجورة، يتفاداها الجميع كأنها لعنة تطوف في الريح.
لكن ذات فجرٍ غريب، ظهر طفل صغير على مشارف المدينة، لا يتجاوز عمره العاشرة، بثياب ممزقة وعينين تشعان بنور غامض.
كان الطفل لا يتحدث، ولا يعرف اسمه، ولكن عندما اقترب من أطلال المنارة السوداء، فتح بابها دون حاجة إلى مفتاح.
في الداخل، لم يجد لا الكتاب ولا المرآة... بل وجد شيئاً آخر:
لوحة حجرية ضخمة محفور عليها رموز قديمة، تتوهج كلما اقترب منها.
حين لمس الطفل اللوحة، انطلقت رؤى غريبة داخل رأسه:
رأى مالك واقفاً أمام المرآة، ورائد يفتح الكتاب، ثم رأى عشرات الوجوه الأخرى، مغامرين من عصور مختلفة، كلهم جمعتهم هذه المدينة الغامضة.
وفي آخر الرؤى، رأى المدينة نفسها، لكنها لم تكن كما يعرفها البشر. كانت حية، تتنفس، تتحدث بلغة لا يسمعها سوى المختارين.
كان السر الحقيقي أن المدينة لم تكن مجرد مكان... بل كانت كائناً قديماً، يحفظ أرواح المغامرين الذين يسعون لاكتشافها، وتمنحهم جزءاً من نفسها في المقابل.
في تلك اللحظة، فهم الطفل أن مالك ورائد لم يختفوا، بل أصبحوا جزءاً من المدينة. صدى أصواتهم يسكن جدرانها، عيونهم ترى من نوافذها، وحكاياتهم تروى في طيف الريح.
ابتسم الطفل ابتسامة غامضة، ثم جلس أمام اللوحة، وكأنه ينتظر...
ينتظر المغامر القادم، الذي سيواصل القصة.
قصة لا تنتهي... قصة سر المدينة العتيقة.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon