...حـيّ تـشـاويـانـغ...
...عندما بلغ سنّ الثامنة عشرة من عمره، تزوّج....
...كان شابًّا من عائلةٍ عسكريّة عريق تزوّج من فتاةٍ من عائلة مُلّاك أراضٍ أثرياء....
...فيُعدّان زوجًا مُناسبًا من حيث النسب والمكانة....
...حيث رتّب الأهلُ الزواج من كلا الطرفين، وتمّت الخطبة وفقًا للتقاليد، ولم يكن على الأبناء إلا الامتثال لما خُطِّط لهم....
...عندما أتى اليومُ المُبارك، عُلِّقت الفوانيس، وزُينت المنازل بالزّهور، وأُطلقت الألعاب الناريّة الحمراء، ووُضع النبيذ الورديّ. حين وصلت العربة إلى المنزل، دخلت العروسُ من الباب، وأدّت طقوس الركوع التقليدي أمام السماء والأرض [1]....
...وفي النهاية، لم يكن بوسعه أن يُحدّد إن كان يحبّها أم لا....
...ففي ذلك الزمن، الزواج كان يُفرض على الإنسان عند بلوغه سنًّا معيّنة، كما يتساقط الثلج في الشتاء: سواء أحبّ ذلك أم لا، فلا مفرّ منه....
...وفي بعض الأحيان، كان قلب الشابّ يتساءل بدافع الفضول: تُرى، ما شكلُ الزوجة التي سيتزوّجها؟ كيف تكون شخصيّتها؟...
...لكنّ تلك الأفكار لم تكن إلا كتموّجات خفيفة على سطح البحيرة، سرعان ما تتلاشى. لوّح بيده مستسلمًا لما سيأتي، وكلّ ما كان يطلبه هو أن تُحافظ زوجته على "الطاعة الثلاثيّة والفضائل الأربع" [2]، فبذلك، ستبقى دومًا زوجته الشرعيّة....
...---...
...وهكذا، في يوم الزواج، انفجرت الألعاب النارية في السماء، وتوقّفت عربة العروس عند باب المنزل....
...مشَت العروس على موقد النار، ركعت أمام السماء والأرض، شربت نبيذ الطقوس… ثم جاء دور غرفة الزفاف....
...لكنه لم يعُد يتذكّر شكلها وهي ترتدي ثوب الزفاف....
...فقد كان قد شرب حتى الثّمالة، بالكاد رفع غطاء وجهها ورأى لمحةً خافتةً من جمالٍ غامض....
...الضوء كان خافتًا، وثوبها الأحمر بدا غير واضح… ثم غلبه النوم....
...---...
...في صباح اليوم التالي حين استيقظ، كان أوّل شيء وقعت عيناه عليها هي هيئةُ فتاةٍ رقيقة الجسد، تقف أمام مرآة الزينة، وشَعرُها الأسود الطويل ينساب كجداول الماء....
...دُهش قليلًا، ثم تذكّر أنّه بالأمس قد تزوج، وأنّها من هذا اليوم اصبحت زوجته، شريكةَ حياته....
...فتقدّم نحوها بخطًى هادئة....
...ومن خلفها، لم يرَ في المرآة سوى شفتين ورديّتين، وذقنٍ رقيق، وبشرةٍ شاحبة تزيدها جمالًا هشًّا كأنّ فيه لمسةَ زُرقةٍ خفيفة....
...وقبل أن تلتفت إليه، ابتسم وقال:...
..."شفاهكِ باهتةٌ للغاية، دعيني أضع عليها قليلًا من اللون لتزداد إشراقًا، ما رأيكِ؟"...
...كانت هذه أوّل جملةٍ يقولها لها....
...فاستدارت نحوه وابتسمت....
...عيناها صافيتان كمياه البحر، وحاجباها كجبالٍ زرقاء رقيقة....
...اقترب منها، وفتح علبة المساحيق، وغمس إصبعه في اللون، ثم مرّره بلُطفٍ على شفتيها....
...وتحت لمسته، بدأت الشفاه تكتسبُ اللون شيئًا فشيئًا، كزهرةٍ تتفتح رويدًا رويدًا....
...ولكن تلك الزهرة… قد غدت له وحده....
...تسرّب الدفء إلى قلبه، وقال بشغف:...
..."من الآن فصاعدًا، سأضع لكِ اللون على شفتيكِ كلّ يوم."...
...رأى أحد الخدم هذا المشهد، وانتشرت الأحاديث سريعًا بين الناس....
...قالوا إنّه شغوف بزوجته، كـ"تشانغ تشانغ"[3]، الذي كان يُضرب به المثل في حبّه لزوجته، وإنّهما يعيشان حبًّا متبادلًا....
...---...
...بـعـد ثــلاث سـنــوات...
...كانت تحبُّ ارتداء الألوان الهادئة كالزهري الفاتح والأزرق السماوي....
...كانت ملابسها اليوميّة بهذه الألوان، ومن يراها من بعيد، كان يظنّها غيمةً تمرّ بهدوء في السماء....
...نادرًا ما كانت تضع مساحيق تجميل، ولم تكن تُلوّن سوى شفتيها باللون الوردي، هو اللون الذي اعتاد زوجها أن يضعه لها....
...حاجباها كالجبل، عيناها كماء البحر، بشرتها نقيّة بيضاء، وشعرها طويل أسود كالليل....
...بسيطةٌ في مظهرها، لكنّها أنيقة....
...كانت شفتاها فقط ملوّنتين بلونٍ أحمر ناعم....
...لكنّ الناس ما عادوا يتحدّثون عن حبّه لها، بل بدأت الهمسات تتحدّث عن أمرٍ آخر:...
...كيف مضت ثلاث سنواتٍ من الزواج، ولم يُرزقا بطفل؟...
...ألم يكن الإنجاب أحد أركان البرّ، وأحد مسؤوليات الزوجة تجاه العائلة؟...
...وفي صباحِ أحد الأيّام، وبينما كانت ترافقه لتحيّة والديه، قالت له فجأة:...
..."لقد قصّرتُ ككنّةٍ في هذا البيت. تزوّجتُ منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك لم أُنجِب طفلًا شرعيًّا يحمل اسم العائلة. ولا سبيل للمحافظة على سُلالة العائلة سوى بأن تتزوّج أخرى — حتى وإن كانت جارية — ليظلّ البخور مشتعلًا، وتستمرّ السلالة."[4]...
...---...
...كانت حواجبها لا تزال زرقاء، والعينان ما زالتا بلون البحر. البشرةُ ظلّت شديدة البياض، والشعر ما يزال طويلًا وأسود....
...أما شفتاها الورديتان، الشبيهتان بزهرة الخوخ، فقد نطقتا بهدوءٍ عن موضوع اتخاذ زوجةٍ ثانوية (جارية). وكلّ شيءٍ فيها بدا كما هو في الأيام العادية....
...نظرت الحماة إلى زوجها، وكأنها تنتظر منه الكلام. لكنّه أومأ برأسه دون أن ينبس بكلمة، وكأنه يمنعه من التحدّث....
...إن لم تُنجب الزوجةُ الأولى، فلتُنجب الجارية، وإن لم تُنجب الجارية، فربما الخادمة. إن لم تنفع امرأة، فيتزوج ثانية....
...وإن لم تكفِ اثنتان، فليتزوّج ثالثة، ما دام المطلوب هو إنجاب فتى يحمل اسم العائلة. هكذا كانت العادة في كل منزل؛ نادرًا ما يكتفي أحد بزوجةٍ واحدة....
...ذلك كان دورها. وكان ذلك أيضًا دوره....
...وهكذا، تقرَّر كلُّ شيء. تمامًا كما في العام الذي تزوّجت فيه....
...لم يكن إدخالُ جاريةٍ أمرًا مُستهجَنًا؛ فقط فانوسان أحمران إضافيّان يُعلّقان على السطح، وكلمتان مُبتهجتان تُلصقان على الأبواب....
...لم يكن اتخاذ جارية أمرًا مستغربًا، فقط فانوسان أحمران جديدان يُعلّقان على السقف، وكلمتان مبهجتان تُلصقان على الباب....
...ثمّ قامت بتعديل ثوبه برفق، وهمست: "عربة العروس أوشكت على الوصول إلى الباب."...
...رفع ذقنها برفق، ثم مسح شيئًا من الطلاء على شفتيها، ونظر في عينيها. لكن فجأة، وجد رموشها قد أُغلقت. لم تُزِح نظراته عن وجهها الشاحب، وأخذ يُلوّن شفتيها بهدوء، كما اعتاد دومًا، بأصابعٍ حانية ورقيقة....
...قال بهدوء: "لا تَحزني."...
...فأجابت بابتسامةٍ باهتة: "لا بأس... هذا أمرٌ لا بُدّ منه."...
...أنزل أصابعَه، وأمسك بيديها، وضغط عليهما برفق....
...وفجأة، سُمِع صوتٌ من الخارج: "لقد دخلت العربةُ من البوابة!"...
...---...
...ومع دخول الجارية الجديدة، انشغل الزوج بين الأيام والشهور، يمرّ بها أحيانًا، ويتبادلان كلماتٍ قليلة من السؤال أو التنبيه....
...الشخص الذي اعتاد أن يسأل ظلّ يسأل، والذي اعتاد أن يُصغي ظلّ يصغي. وفي بعض الأحيان، كان يلمح ظلّها في آخر الممر، يغيب بين الطوابق والسلالم وغرف الدار، فيتوقّف فجأةً ويلتفتُ إليها....
...ما زالت الحواجبُ زرقاء، والعينان بحريّتان؛ ولكن، بهتتا أكثرَ من ذي قبل....
...ما الفائدة؟ هو وهي، كلاهما كان يعلم أنّ الأمرَ بديهيّ. الاعتراض لن يُغيّر شيئًا سوى أنه يؤلم القلب....
...---...
...وبعد عام، أنجبت الجارية الثانية فتاة. وحين بلغت الطفلة شهرها الأول، رآها مجددًا....
...كانت ما تزال ترتدي ثيابًا خفيفة، وشعرها طويل، ولكنها كانت أشدّ شحوبًا من ذي قبل....
...ثم مرّ عامٌ آخر، فتزوّج بجارية ثالثة. هذه المرة، لم يُواسيها أحد، ولم يقل لها "لا تحزني" لأنها، هي وهو، والجاريتان، جميعهم أدركوا أنّ هذا أصبح أمرًا طبيعيًّا....
...ثمّ مرّ عامٌ آخر، فأنجبت الجاريةُ الجديدةُ صبيًا. وعندما بلغَ الطفلُ شهرَه الأول، نظّمت العائلةُ احتفالًا كبيرًا، وارتدى كلُّ خادمٍ زهرةً حمراء على صدره....
...حتى هو نفسهُ ضحكَ قائلًا: "أخيرًا، جاء من يحملُ إسم العائلة."...
...وفي تلك السنة، كانت هي الأكثر إنهاكًا من أيّ وقتٍ مضى....
...---...
...مضت الشهور، وتتابعت الأعوام، وتوالت عربات العرائس على أبواب الزقاق. يأتي العام الجديد، ثمّ عيد قارب التنين، ثم عيد الفوانيس، ثم عيد التاسع المزدوج، ثم يعود العام الجديد مجددًا....
...وكانت هي، بجسدها الهزيل وشحوبها المستمر، تمضي في الظلّ خلف زينة الخادمات والجواري، حتى اصبح من النادر أن يُلاحظها....
...شيئًا فشيئًا، بدأت تختفي بين ألوان الحشد الوردي والبنفسجي، فلم يَعُد لها وجودٌ ظاهر....
...---...
...وحين اضطرّ للسفر إلى مكانٍ بعيد، مرضت هي في المنزل مرضًا شديدًا. لم تُجدِ الأدوية نفعًا، وازدادت حالتها سوءًا....
...حين وصلهُ خبرُ مرضها، عاد مُسرعًا إلى المنزل. لكنّ الأوان كان قد فات....
...وجدها مستلقية على السرير، عيناها مغمضتان وكأنّها نائمة. وجنتاها شاحبتان نحيلتان، وشعرها الطويل مبعثر، ولم يبقَ فيها شيءٌ من المرأة التي جلست أمام المرآة قبل سنوات. لم تَعُد رموشُها طويلة، ولا شفتاها......
...وفجأةً، تذكّر شفتيها، وكأنّه أدرك أمرًا مهمًّا. نظر إليهما، فوجدهما باهتتين. نظر حوله بسرعة، يبحث عن عُلبة طلاء الشفاه الأحمر....
...قالت الخادمةُ التي كانت تُرافقها بهدوء:...
..."لقد مضى وقتٌ طويلٌ منذ أن وضعت السيدةُ طلاءَ الشفاه."...
...اندفع نحو المرآةِ، وأخذ يُقلبُ الأدراجَ واحدًا تلو الآخر، حتى وجد أخيرًا علبةَ الطلاء القديمة. فتحها بيدين مُرتجفتين، فإذا بالطلاءِ قد جفّ تمامًا، ولم يتركْ أثرًا على أصبعه....
...تذكّر حين قال لها يومًا:...
..."مـن الآن فـصـاعـدًا، سـأُلـوِّن شـفـتـیـكِ كــلّ يــوم."...
...سقطت علبة الطلاء من يده، وتحطّمت. وتفتّتَ قطع الطلاء الجافّ واحدة تلو الأخرى، وبدأت وتبعثرت تحت قدميه، وكأنّها شظايا الزمن....
...تـبـعـثـرت الـقـطـع كـلـهـا عـلــى الأرض....
...الــنــهــایـــة...
..._______...
...[1] طقوس الزفاف التقليديّة في الصين القديمة، من ضمنها الركوع للسماء والأرض كجزء من القسم المقدّس....
...[2] الطاعة الثلاثيّة: طاعة الأب قبل الزواج، الزوج بعد الزواج، والابن بعد وفاة الزوج. - الفضائل الأربع: الأخلاق، الكلام، السلوك، العمل المنزلي....
...[3] تشانغ تشانغ: رجلٌ في الصين القديمة اشتهر بحبّه لزوجته وعنايته بها، فصار مَثَلًا يُضرب في حبّ الأزواج....
...[4] "عود البخور" استعارة تُشير إلى استمرار النسب والذرّيّة في الثقافة الصينية القديمة....
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon