الفصل الأول: أنفاس تأتي من الجدار
الليل كان ثقيلاً كجثةٍ غارقة في الدم. الساعة تجاوزت الثالثة، والظلام في غرفة "ليان" كان مختلفًا... ظلام كأن فيه روح. ليس مجرد غيابٍ للضوء، بل حضورٌ لشيء آخر... شيء حي.
فتحت عينيها ببطء، ليس لأنها استيقظت، بل لأنها شعرت بها...
أنفاس خلف الجدار.
نعم، بوضوح. شخصٌ ما... أو شيء ما... يتنفس من خلف الجدار بجانب سريرها. الصوت كان رطبًا، بطيئًا، كأن أحدهم يتنفس من خلال رئة مهترئة ومليئة بالماء.
نهضت، تتصبب عرقًا رغم برودة الغرفة، وخطت نحو الحائط بخطواتٍ مرتجفة. مدت يدها... ولحظة لمسها الحائط، خُدشت.
كأن الجدار نفسه تنفس فجأة، وسحب طرف أصابعها بأظافره.
تراجعت وهي تصرخ، لكن لم يكن هناك من يسمع.
الباب انفتح وحده، رغم أنها تذكرت جيدًا أنها أغلقته بالمفتاح.
ودخل هو.
لكن هذه المرة... لم يكن وسيمًا.
كان جسده نحيفًا حد المرض، عيناه عاريتان من الرحمة، يبتسم بفمٍ ممتد حتى أذنه، والدم يقطر من أنامله.
قال لها:
"ظننتكِ لن تفتحيني اليوم، لكنك كنتِ دائمًا فضولية... أليس كذلك، ليان؟"
تجمدت الكلمات في حلقها.
"مَن أنت؟!" صرخت.
أجاب بصوتٍ كأنه يأتي من داخل رأسها:
"أنا من كتبت اسمكِ على أبواب الجحيم بدم قلبي، منذ أن خُـلقتِ... أنا الذي يحبكِ بجنون لا يُشفى، ويريد أن يسكنكِ... إلى الأبد."
وقبل أن تصرخ مجددًا،
انطفأ كل شيء.
النور... الهواء... حتى صوت قلبها اختفى.
وكل ما سمعته كان ضحكته... تتردد في جدران عقلها، إلى أن فقدت الوعي.
استيقظت ليان على رائحة معدنية نفّاذة... كانت رائحة دم، لكنها لم ترَ دمًا.
كانت وحدها... أو هكذا ظنّت.
الساعة ما تزال تشير إلى الثالثة، كما لو أن الزمن تجمّد، يأبى أن يغادر هذا الليل. كانت الغرفة هادئة حدّ الصراخ، إلا من نبضات قلبها، التي صارت تدق كالمطارق في صدرها.
نهضت من سريرها، والعرق يبلل جسدها كما لو أنها غُطست في بحر من الجليد.
كانت تريد أن تصرخ، أن تركض، أن تفتح النافذة وتُلقي بنفسها، لكن ساقيها لم تطاوعاها.
المصباح بجانب السرير لم يعمل... ضُغط الزر مرارًا، بلا فائدة.
فجأة، أضاءت المرآة وحدها.
لم تكن إضاءةً عادية، بل وهجًا خافتًا كأن المرآة تتنفس نورًا من عالمٍ آخر.
اقتربت ليان ببطء، وكل خطوة كانت تحملها إلى هاوية لا تعرف قاعها.
وعندما وقفت أمام المرآة... لم ترَ نفسها.
رأت غرفة أخرى.
نعم... نسخة مطابقة لغرفتها، لكن فيها هي، واقفة هناك، ترتدي نفس الملابس، لكن وجهها كان... مشوّهًا.
فمها مشقوق حتى العنق، وعيناها مقلوبتان، لا يظهر فيهما سوى البياض.
ليان حاولت الصراخ، لكن الأخرى — تلك التي في المرآة — رفعت يدها، وأشارت إلى شفتيها، ثم همست:
"اصمتي... لقد سمعك."
وفجأة... خرج ظل من خلف المرآة، لم يكن له شكل واضح، كأن الظلام تكوّن في صورة كائن يمشي على أربع، يلهث بصوت خشن، يزحف خارجًا، وينتظر.
تراجعت ليان، لكنها لم تجد خلفها شيئًا.
الحائط اختفى.
كانت محاطة بالمرايا، كل مرآة تعرض نسخة منها... كل نسخة أكثر تحلّلاً وجنونًا من الأخرى.
إحداهن كانت تضحك.
الأخرى تمزق وجهها بأظافرها.
وأخرى... تلد شيطانًا.
ليان بدأت تبكي، تصرخ، تتوسل، لكن لا صوت يخرج.
وفجأة... انفجرت المرآة.
شظايا الزجاج طارت في كل اتجاه، وواحدة منها اخترقت كتفها. شعرت بالألم، لكن الدم لم ينزل.
مدّت يدها إلى الجرح... فوجدت رمادًا.
جسدها بدأ يتحول إلى رماد.
ببطء... يتفتّت.
ثم، وسط هذا الانهيار الجنوني، سُمِع صوته من جديد، تلك الهمسات الملعونة التي تنبت من باطن عقلها:
"أنا لا أترك من أحببتهم... أنت لي، حتى بعد فناءك."
ثم ظهرت يد من العدم، يدٌ نحيلة، عظمية، تمسك بقلبها من الداخل... وتضغط عليه برفق، كأنها تعبث بمفتاحٍ لآلة موسيقية.
ليان شهقت، وقبل أن تُغمى عليها، سمعت الجملة الأخيرة، مرسومة على جدران روحها:
"الحياةُ ليست خلاصكِ يا ليان... بل بدايتكِ."
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon