لطالما ظننتُ أن الحب أعقد ما قد يواجهه الإنسان، لكنني لم أتخيل قط أنني سأحب شخصًا من عالم موازٍ... عالم يبتلع المنطق ويرفض الرحمة. إن الأمر ليس مجرد قصة حب مستحيلة، بل أشبه بمحاربة بني جنسي لأجل الوصول إلى من أحب، وكأنني أُشعل حربًا لا نهاية لها، وأنا وحيد في قلبها.

وجدت نفسي عالقًا بين عالمين، أو هكذا خُيِّل لي. لكن الحقيقة كانت أكثر رعبًا—هناك عالم ثالث، عالمٌ بينهما، لا ينتمي إلى أي منهما، وأنا الآن سجين لعنته.

الناس هنا... يشبهون البشر إلى حد ما، لكن شيئًا في نظراتهم، في طريقتهم بالكلام والسير، يشي بأنهم ليسوا كذلك. أشعر كأنني غريب في جسدي، أسير بينهم بخوف خفي، أحبس أنفاسي في كل لحظة خشية أن يكتشفوا حقيقتي. أعلم يقينًا أنني إن أفصحت عن كوني دخيلًا، فلن أعود إلى عالمي أبدًا، بل سأدفن حيًا في مقبرة العوالم الموازية، حيث لا يُسمع صراخ ولا تُذرف دموع.

لا أستطيع حتى السؤال عن طريق العودة. هنا، من يفكر بمغادرة عالمه يُعتبر خائنًا، والخائن يُقتل بلا تردد. هؤلاء لا يمنحون فرصة ثانية... ولا يسألون عن الدافع. مجرد الرغبة في الرحيل تُعد جريمة كبرى، وأنا أمشي فوق خيط رفيع بين الحياة والموت، أنظر في عيونهم محاولًا أن أبدو مثلهم، بينما الخوف يأكلني حيًا من الداخل.

أنا ضائع... لا أستطيع العودة إلى عالمي، ولا يمكنني التقدم نحو العالم الذي يسكنه من أحب. كل ما أملكه الآن هو هذا الظلام الذي يحيطني، وخوفي الذي صار رفيقي الوحيد في هذه المتاهة الملعونة.*

الحياة لا تتوقف عند حدث أو شخص معين..

كانت هذه الكلمات تتردد في ذهن تولين، كأنها تعويذة تحاول بها إقناع نفسها أن الأيام تمضي، مهما اشتدت مرارتها. تسير بخطوات ثابتة نحو محطة القطار في قلب روما، حيث اعتادت أن تبدأ صباحاتها الصامتة، متجاهلة ضجيج المدينة من حولها. تولين، تلك الفتاة الهادئة التي وجدت في العزلة ملاذًا، لا لأنها تكره الناس، بل لأنها تؤمن يقينًا أن وقت الأزمات يكشف الحقيقة القاسية: في النهاية، لا يقف أحد بجانبك.

لكنّ هذا الاعتقاد لم يشمل روز. روز لم تكن مجرد صديقة، بل شقيقة الروح التي رافقتها منذ الطفولة. فتاة مرحة، اجتماعية، ونقيض تولين في كل شيء تقريبًا.

عندما وصلت تولين إلى جامعتها، استقبلها صوت مألوف يناديها بحماس:

— "كيف حالكِ؟!"

كانت روز، مشرقة كعادتها، تركض نحوها بابتسامة عريضة.

— "أوه، تبدين سعيدة! ما الذي حدث الآن؟" سألتها تولين بابتسامة خفيفة.

— "لقد حصلت على دعوة غداء، وأحزري من؟!"

تولين، التي تعرف صديقتها أكثر مما تعرف نفسها، لم تحتج إلى وقت للتخمين.

— "باعتبار فرط السعادة التي أنتِ فيها… إنه أندريه، صحيح؟!"

ضحكت روز، مدهوشة من سرعة استنتاجها.

— "أنتِ تقرأين أفكاري يا فتاة!"

لكن الفرحة في عيني روز لم تُبدد قلق تولين.

— "روز، لا تثقي به... أنت تعرفين أنه ليس بشخص جيد."

— "أنتِ تقلقين أكثر من اللازم. هو أخبرني أنني مختلفة عن الآخرين، لذلك أُعجب بي!"

أضافت روز بمرح مستفز:

— "عليكِ أن تجربي المواعدة ولو لمرة واحدة! الأمير في الروايات التي تقرئينها طوال اليوم لن يأتي باحثًا عنكِ، صدقيني. أنا أقول هذا لمصلحتك!"

لكن تولين، بابتسامتها الهادئة التي تخفي خلفها قناعة راسخة، أجابت:

— "أنا أفضل أن أعيش في وهم رواياتي على أن أقع في علاقة تؤذيني أو تحطمني. أظن أن الشخص المناسب سيأتي في الوقت المناسب."

هزّت روز كتفيها باستسلام، ثم لوّحت لها وغادرت مع صديقاتها، تاركة تولين وحدها، تتمتم:

— "عزيزتي روز... ستفهمين كل شيء يومًا ما."

وفي مكان آخر... بعيدًا جدًا، في عالم آخر.

بينما كانت تولين تعيش صباحها الهادئ في روما، كان عالم موازٍ ينبض بحياة مختلفة تمامًا.

هناك، على كوكب آخر، في بُعد آخر، تعيش كائنات تشبه البشر، لكنها تختلف عنهم في شيء واحد: السحر.

في ذلك العالم، استخدام السحر أمرٌ بديهيّ، جزء من الحياة اليومية، تمامًا كالتنفس. لكن هناك قاعدة مقدسة لا تُكسر: أي شخص من عالم آخر يدخل إلى هذا العالم، مصيره الموت حتمًا.

العالم هناك تحكمه ثلاث إمبراطوريات عظيمة:

إمبراطورية دارك، الأقوى عسكريًا، موطن أعظم سحرة العالم، يحكمها الإمبراطور الغامض "تالونار نيارا"، رجل سياسي ذكي رغم محدودية قوته الجسدية، لكن الغموض الذي يحيط بعائلته جعل هذه الإمبراطورية مصدر خوف ورهبة.

إمبراطورية لايت، حيث يسود النظام والنقاء، تسعى للحفاظ على السلام.

إمبراطورية بلود، المعروفة بشراستها وسحرها المظلم.

السلام في هذا العالم مؤقت، هشّ كخيط رفيع على حافة هاوية، والجميع يتفادى إثارة غضب "دارك".

ولكن... ما سر عائلة نيارا؟ وما الذي يجعل هذه الإمبراطورية المخيفة تحافظ على قوتها لقرون؟

وبينما كان العالم الموازٍ يترقب حربًا قد تنفجر في أي لحظة، كانت تولين تعيش يومها العادي... غير مدركة أن هدوء حياتها على وشك أن يتبدد إلى الأبد.

فهل تستمر حياة تولين الهادئة بهذا الشكل؟ أم أن القدر يخبئ لها رحلة ستغير كل شيء؟