...كانت "جولييت" تُغطّي جسدها بالملاءة وهي تُراقب الرجل بأنفاسٍ متقطّعة....
...عندما خلع الرجل رداء الاستحمام، وأدار ظهره نحو السرير، رأت كتفيه العريضين وعضلات ظهره المشدودة، والتي كانت تظهر بوضوح تحت ضوء الصباح....
...كان يمتلك جسدًا متناسقًا بلا عيب، يُشبه في قوّته ورشاقته جسد مفترسٍ أنيق، ووجهًا جذّابًا ذو ملامح حادّة....
...وعلى جسده كانت آثار جروحٍ بالسيوف، منها الكبيرة والصغيرة، لكنّها بدت كأنّها تحفٌ فنيّة تزيده هيبة....
...شعرت "جولييت" بالذهول للحظة، تحدّق في ذلك الرجل بذهولٍ وإعجاب....
...وبينما كان يخلع رداءه، ارتدى الرجل قميصاً أبيض ناصعاً ونظيفاً....
...كان ذلك تصرفاً لا يليق بدوقٍ نبيلٍ ذو مكانةٍ مرموقة، إلّا أنّه اعتاد على ارتداء ملابسه بنفسه، لأنّه قضى نصف عمره في ساحة المعركة، ويكره رؤية جسده....
...ولذلك، لم يكن يُدخِل إلى غرفته سوى نوعين من النساء:...
...إمّا امرأة يقضي معها ليلةً واحدة، أو امرأة يستخدمها لغايةٍ ما....
...و"جولييت" كانت تنتمي إلى الفئة الثانية....
...وربما كِلاهما....
...فكّرت "جولييت" بذلك، ثمّ ابتسمت بسخريةٍ من نفسها....
...في تلك اللحظة، وبينما كانت تدفن وجهها في الوسادة محاولةً أن تتمالك نفسها، التقت عيناها بعيني الرجل الحمراء....
...كان دوق "لينوكس" يُحكِم أزرار أكمامه، وعيناه تضيّقان باهتمام....
..."هل أيقظتُكِ؟"...
...كان سؤاله طبيعيًّا تماماً....
...فعادةً، بعد قضاء ليلةٍ كهذه، كانت "جولييت" تُصبح مرهقة لدرجة أنها لا تستطيع تحريك إصبعها في اليوم التالي....
...وبدلاً من أن تستيقظ مع الفجر، كانت تنام حتى الظهيرة....
..."لا، يا صاحب السمو..."، أجابت بتنهيدة خفيفة....
...دفعت الملاءة عن جسدها، ونهضت واقفة. وبما أنّه قد لاحظ استيقاظها، لم يكن من المجدي التظاهر بالنوم....
...في الواقع، لم تنم "جولييت" على الإطلاق في الليلة الماضية....
...لقد بقيت مستيقظة حتى الصباح، دون أن تشعر بالتعب، بسبب توتّرها الشديد....
..."لديّ أمرٌ أودّ الحديث فيه معك..."، قالتها "جولييت" بهدوء، ثم نزلت من السرير حافية القدمين....
...كان شعرها الطويل، الذي بدا مبعثرًا، يتدلّى على أحد جانبيها....
...لكن "جولييت" لم تعد تهتمّ بمظهرها....
...فمهما حاولت أن تتأنّق، كانت تبدو باهتة أمام حبيبها، الذي كان يتوهّج كالشمس....
...وبجانب حضوره الطاغي، كانت أزهى فساتينها تبدو كأنّها ثياب نومٍ عاديّة....
..."تحدّثي لاحقًا."...
...لكن "جولييت" أسرعت بالإمساك بذراع الرجل عندما حاول أن يُشيح عنها بنظره....
...لكن لم يكن هناك "لاحقاً" بالنسبة لها....
...فإمّا الآن، أو لن يحدث أبداً....
...كان "لينوكس كارلايل"، أصغر حاكمٍ في الإمبراطورية، ودوق الشمال، هو حبيب "جولييت". لكنّه كان رجلًا مشغولًا للغاية....
...وبما أنّهما دائمًا محاطان بالناس، كانت هذه اللحظة الوحيدة التي يمكن أن يجتمعا فيها على انفراد....
..."لن يستغرق الأمر أكثر من دقيقة. أعدك أنني لن أُضيّع وقتك."...
...نظر الدوق إلى المرأة التي كانت تتشبّث بذراعه....
...عيناه الحمراوان الباردتان والقاسيتان جعلت "جولييت" ترتجف، لكنها لم تتركه، ولم تُشِح بنظرها عنه....
...وأخيرًا، وبعد لحظة صمت قصيرة، قال:...
..."حسنًا."...
...تنفّست "جولييت" الصعداء، وجلس الدوق على طرف الطاولة....
...وأمسك بعلبة سجائرٍ فضيّةٍ كانت موضوعةً هناك، وأخرج واحدة....
..."تحدّثي."...
..."أنا..."...
...فتحت "جولييت" شفتيها بصعوبة. لم تكن تعرف كيف تبدأ الحديث....
...'من أين أبدأ؟'...
..."أنا..."...
..."هدية؟"...
..."ماذا؟"...
..."هل الأمر يتعلّق بهديّة عيد ميلادك؟"...
...'هدية عيد الميلاد؟'...
..."آه..."...
...بدت "جولييت" مشوّشة قليلًا بسبب ردّه غير المتوقّع، لكنها سرعان ما تذكّرت:...
...عيد ميلادها الخامس والعشرين كان على بُعد أيّامٍ فقط....
...كان "لينوكس كارلايل" حبيبًا كريمًا جدًّا من الناحية المادّية، لكنه لم يكن حنوناً على الإطلاق....
...أن ترتبطي برجلٍ غنيٍّ ومشغول، يعني أن تعتادي على بروده وعدم اهتمامه....
...لكن عيد ميلادها كان المناسبة الوحيدة التي لا ينساها أبداً....
...يومٌ واحدٌ فقط في السنة....
...اليوم الوحيد الذي يمكن فيه لـ"جولييت موناد" أن تطلب منه أيّ شيء....
...وفي اللحظة التالية، ابتسمت "جولييت" ابتسامةً عريضة، وهزّت رأسها....
..."نعم، صحيح. كنت أودّ الحديث عن هدية عيد ميلادي."...
...لكن الدوق، بدلاً من أن يُلاحظ التغيّر المفاجئ في تعبيراتها، مرّر يده على شعره بخفّة....
...مرّر يده عبر شعره ببطء، وبدا وكأنّه فقد اهتمامه بالمحادثة....
...كانت تلك إشارة على انزعاجه،...
...لكنّها رغم بساطتها، بعثت في الجوّ شعورًا غريبًا بالتهديد....
..."قولي ما تريدين."...
...بدلًا من أن تُجيبه على الفور، ضحكت "جولييت" قليلاً....
...فمنذ سبع سنوات، عندما التقيا لأوّل مرة، قال لها هذا الرجل نفس العبارة:...
..."قولي ما تريدين، ما عدا الزواج."...
...في ذلك الوقت، وبسبب اشمئزازها من غروره، طلبت أشياء تعجيزية....
...لكن "جولييت" كانت تعرف أن هذا الرجل لا يُمكن الوصول إليه....
...وبحسب معاييره، كانت مجرّد عبءٍ مزعج....
...لكنّ "جولييت" كانت ذكيّة بما يكفي لتدرك ذلك سريعًا....
...نعم......
...لن يُحرّك ساكناً مهما طالبت به....
...وكانت "جولييت" تعرف ذلك أكثر من أيّ أحد....
...كانت تُدرك هذا أكثر من أيّ شخصٍ آخر....
..."لا أُريد هديّة هذا العام، بل أُريد منك طلبًا."...
..."طلب؟"...
..."نعم."...
...تردّدت "جولييت" قليلاً، ثم تابعت:...
..."هل تُعاهدني أنّك ستستمع لما سأقوله؟"...
...نظرة "جولييت" الجادة جعلت الابتسامة ترتسم لأوّل مرّة على شفتي دوق "كارلايل"....
...شفاهه المُغلقة شكّلت انحناءةً جذّابة للغاية. ...
...كانت ضحكة حقيقية....
...لكن لا أحد كان يجرؤ على انتقاد غرور الدوق الشاب....
...فهو لم يكن يخشى حتى الإمبراطور. ولو أراد، لكان بإمكان "لينوكس كارلايل" أن يستولي على العرش....
...فما بالك بطلبٍ صغير من حبيبته في عيد ميلادها؟...
..."حسناً. أُقسم."، قال "لينوكس" ببرود....
...ربّما قالها فقط بدافع السخرية، لكن بالنسبة لـ"جولييت"، كان ذلك كافياً....
..."شكراً، يا صاحب السمو. إذاً..."...
...ابتسمت "جولييت" بلُطف، وأغمضت عينيها للحظة....
...كل هذا فقط كي تُحافظ على مظهر الحبّ القائم بينهما....
...وفي اللحظة التالية، خرج من شفتيها طلبٌ فاق كلّ توقّعات "لينوكس كارلايل"....
..."أرجوك... انفصل عنّي."...
..."... ماذا؟"...
..."يا صاحب السمو..."...
...تابعت "جولييت" بابتسامةٍ مشرقةٍ ووجهٍ بريء:...
..."لنُنْهِ ما بيننا."...
...وُلِدَ لينوكس كارلايل في عائلةٍ شهيرةٍ جدًّا، ذاتِ تاريخٍ عريقٍ وماضٍ مهيب، وكان هو الوريثَ الوحيدَ لها....
...كان دوق كارلايل، الحاكمَ على إقليم الشَّمال، يتمتَّع بثروةٍ طائلةٍ وسُلطةٍ عظيمة، ولكن تاريخَ عائلتِه كان مُلطَّخًا بالدِّماءِ....
...ولم يكن الصبيُّ الذي وُلِدَ في تلك العائلةِ استثناءً....
...ففي سنِّ التَّاسعة، قَتلَ أوَّلَ إنسانٍ في حياتِه....
...وعندما تُوفِّي والدُه، الدّوقُ السّابق، أرسلَه أقرباؤُه الطمّاعون إلى ساحةِ المعركة، وهو لا يزال طفلاً....
...وما إنْ رأى جيشُ العدوِّ الصّبيَّ ذا التّاسعة، حتّى فرَّ هاربًا من ساحةِ الحرب، ثمّ اختفى الصبيُّ معهم. وبما أنّه لم يرَه أحدٌ بعد ذلك، فقد افترض الجميعُ أنّه قد مات....
...جميعُهم صدَّقوا ذلك......
...إلى أن عاد بعد عشرِ سنوات، رجلٌ ذو عينَين حمراوَين، على رأسِ جيشٍ لم يُهزم قطّ....
...عاد الصّبيُّ الذي غادر دوقيّة كارلايل بطلًا من أبطالِ الحرب....
...لقد كانت عودةٌ بعد عشرِ سنوات....
...كان جيشُه لا يعرفُ الرّحمة، وقد استعاد دوقيّةَ الشّمال بسهولةٍ مذهلة....
...لكن لم يجرؤ أحدٌ على الشكِّ في شرعيّة لينوكس كارلايل أو في أحقيّتِه....
...ولم يكن ذلك فقط لأنَّه يملكُ الشَّعر الأسود والعينين الحمراوَين اللذَين يميِّزان عائلة كارلايل، بل لأنَّ جميعَ أقربائه الذين اعترضوا عليه قُطِعَت رؤوسُهم بيدِه....
...ومنذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحدٌ على إغضابِ الدوق الشَّاب....
...ولذلك، فقد مضى وقتٌ طويلٌ منذ أن شعر لينوكس كارلايل بهذا القدر من الانزعاج....
...– "ماذا قلتِ؟"...
...– "طلبتُ منك أن تنفصل عنّي»"...
...حدَّق لينوكس بصمتٍ في المرأةِ الواقفةِ أمامه....
...كان شعرُها بنِّيًّا فاتحًا متموِّجًا، وعيناها زرقاوَين لامعتَين. ورغم أنَّها كانت ترتدي قميصَ نومٍ بسيطًا بلا زينة، إلا أنَّ وقفتَها كانت مستقيمةً كأنَّها ملكة....
...وبعد لحظةِ صمت، ابتسم كارلايل لها بهدوء....
...جولييت موناد....
...كانت العشيقةَ الرَّسميَّةَ لـ دوق كارلايل....
...– "هل تمازحينني؟"...
...ورغم أنَّها شعرت بالخوف من حدَّة صوته، إلا أنَّ جولييت أمالت رأسَها دون أن تُظهرَ فزعًا، ورفَّت بعينيها البريئتين وكأنَّها لا تفهمُ ما يقصده....
...– "لا يُعقَل، سموَّك". ...
...– "إذًا، اتركي الحكايات، وقولي كلامًا أكثرَ منطقيَّة"...
...– "لكنّني قلتُ ما أُريد. هذا كلُّ ما أُريده"...
...كان وجهُ جولييت هادئًا تمامًا عندما أجابت، كأنَّها في سباتٍ هانئ....
...في المقابل، ازدادت نظراتُ لينوكس حدّةً وغضبًا....
...فلم يمضِ سوى ثلاثةِ أيّامٍ فقط على مغادرتِهما دوقيّةَ الشّمال، ووصولِهما إلى قصر العاصمة....
...وكما في كلِّ عام، كان عليهما حضورُ حفلةِ رأسِ السَّنة الجديدة في القصرِ الإمبراطوريّ....
...كانت الرحلةُ عبر بوابتَين، ورافقَهما فيها موكبٌ ضخمٌ يضمُّ خَدَمَ الدوقِ وفرسانَه....
...وكانت جولييت، المعروفةُ بأنَّها حبيبةُ الدوق، قد جاءت معه إلى العاصمة....
...– "لن أُزعجك، سموّكَ."...
...كما قالت له قبل سبعِ سنوات، لم تُسبِّب جولييت له أيَّ إزعاجٍ على الإطلاق....
...لم تتوسَّل من أجل الحبّ، ولم تطلب اهتمامَه، ولم تتشبَّث به وهي تبكي....
...كما قالت قبل سبعِ سنوات، لم تُزعج جولييت الدوقَ قطّ....
...لم تتوسّل إليه من أجل الحُبّ، ولم تطلب اهتمامَه، ولم تتشبّث به وهي تذرف الدموع....
...كانت دائمًا جولييت موناد التي يعرفُها....
...لم تطلب منه يومًا ما شيئًا لا يستطيع أن يمنحَه....
...وكان الأمر كذلك حتى هذا اليوم....
...لكن، كان من الخطر أن يُغادر الشّمال في هذا الوقت تحديدًا....
...– "أرجوك، انفصل عنّي." ...
...– "أتجرئين على الرّحيل؟"...
...شعر لينوكس بالإهانة، رغم أنَّه لم يفهم ما الذي أغضبه تحديدًا....
...فهو رجلٌ لا يهتمُّ كثيرًا بمشاعرِ الآخرين، ولا حتّى بمشاعرِه هو، لذا لم يُعِرْ اهتمامًا لأسبابِ غضبِه....
...لكنَّه شعر بأنَّه بحاجةٍ إلى أن يعرف سبب تغيُّر جولييت المفاجئ، ولماذا تتصرَّفُ فجأةً كطفلة....
...– "ولماذا؟" ...
...– "هل يجب أن أُفسِّر؟" ...
...– "جولييت."...
...– "لقد وعدتَ. قلتَ إنّكَ ستستمعُ إلى أيّ شيء»....
...– «إذًا، أجيبيني الآن."...
...لم يعد لينوكس قادرًا على الاحتمال، فأمسكَ بذراع جولييت. لكن......
...طـَرق~ طَـرق~...
...– "سموك، هذا إليوت." ...
...قاطع الطَّرْقُ الخفيفُ الحديثَ بينهما....
...– "أعذرني، لكن ثمَّة ضيفًا ينتظرُكَ في الطّابقِ السُّفلي."...
...كان الطارق هو إليوت، سكرتيرُ الدوق، الذي طرق باب غرفة النوم....
...استغلّت جولييت لحظةَ شرودِ لينوكس لتفلت من قبضته بسرعة....
...وحين التفت إليها من جديد، وجدها قد ابتعدت عنه....
...وكأنّها طفلةٌ مشاكسة، تراجعت خطوتَين إلى الوراء، وابتسمت له ويدُها خلفَ ظهرها....
...– "أنتِ...." ...
...– «عليكَ أن تذهب الآن. الضيف ينتظرُكَ»....
...حدَّق فيها لينوكس بنظرةٍ باردة، لكن لفترةٍ وجيزة فقط....
...فقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ زيارته الأخيرة للعاصمة، وكان هناك جبلٌ من الأعمالِ بانتظارِه....
...وأخيرًا، تكلّم بتردُّدٍ واضح:...
...– "في وقتِ الظُّهر، سنتحدّثُ من جديد." ...
...– "نعم، لاحقًا." ...
...ودّعت جولييت الدوقَ بابتسامةٍ على وجهِها حتّى اللحظة الأخيرة....
...كـلـیـك~...
...لكن، في اللحظةِ التي غادرَ فيها الدوقُ الغرفة، وأُغلِق البابُ خلفَه، اختفت الابتسامةُ تمامًا، ...
...وجلست جولييت على الأرض كما لو أنّها انهارت....
...– "لا بأس... لا بأس... لقد فعلتِ الصَّواب."...
...وبينما كانت وحدَها، دفنت جولييت وجهَها الشّاحب في كفّيها، وهمست لنفسِها....
...كانت أطرافُ أصابعِها ترتجفُ قليلًا من شدّة التّوتّر. وقد لمعَت الدُّموع على أطراف رموشِها، مهدِّدةً بالسقوط، بدت كأنّها ستنهار في أية لحظة....
...لكن لم يكن لديها الآن وقت للإستسلامِ لمشاعرِها....
...بعد أن أخذت نفسًا عميقًا، أسرعت جولييت مباشرةً إلى غرفة الملابس، دون أن تنتظر وصولَ الخادمة....
...---...
...كان إليوت، سكرتيرُ الدُّوق، عائدًا بعد أن ودَّع أحد الضُّيوف، فصادف جولييت التي كانت تخرج من المبنى الرَّئيسي للقصر....
...كانت ترتدي فستانًا بسيطًا ومرتَّبًا كالمعتاد عند الخروج في نزهة، وتوشك أن تصعد إلى عربةِ الدُّوق....
...فقال لها متعجِّبًا:...
...– "في هذا الوقتِ المبكِّر؟ هل تنوين الخروج، آنسة؟"...
...أجابته بابتسامة هادئة:...
...– "نعم، سأذهب إلى المعبد. وسأتمنَّى لكَ أيضًا حظًّا سعيدًا في السَّنة الجديدة، يا إليوت." ...
...– "شكرًا لكِ. أتمنّى لكِ رحلةً موفَّقة."...
...رغم أنَّه لم يُخبر أحدًا بذلك، كان إليوت يُكنُّ احترامًا خاصًّا لهذه السيِّدة الهادئة....
...فـ جولييت موناد كانت ذكيَّةً وسريعةَ البديهة، ومع ذلك كانت متحفِّظةَ الطبع....
...وفي الواقع، كانت تستحقُّ الاحترامَ لكونِها عشيقةَ الدوق كارلايل لعدَّة سنوات....
...فهي الوحيدةُ التي كسرت القاعدةَ التي اتَّبعها الدُّوق، الذي كان يغيِّرُ عشيقاتِه في كلِّ يومٍ تقريبًا....
...لذلك، كانت جولييت استثناءً فريدًا من نوعه....
...وأثناء صعودها إلى العربة، سألت جولييت مشيرةً إلى الأصيصِ الذي كان إليوت يحمله:...
...– "ما هذا؟"...
...– "آه، هذا؟ إنَّه هديةٌ من أحد الضُّيوف." ...
...ماركيز رومان، الذي زار القصر عند الفجر، قدَّم هذه النَّبتة هدية، معتذرًا لأنَّه اقتحم القصر في وقتٍ مبكِّرٍ كهذا....
...كانت هديةً بسيطة، لكن الماركيز رومان كان معروفًا بحبِّه للبستنة....
...لكن لسببٍ ما، حدَّقت جولييت طويلًا في زهرةٍ بنفسجيَّةٍ في الأصيص، الأمر الذي دفع إليوت إلى النَّظر إليها هو الآخر، وسرعان ما أدرك خطأه....
...– "أوه...!" ...
...لم تكن جولييت موناد من النوع الذي يصعب إرضاؤه. ...
...بل كانت، على العكس، هادئةً ولطيفة....
...لكن، هناك أمرٌ واحد فقط كانت تُبغضه بشدَّة:...
...زهور الداليا البنفسجيَّة....
...فرغم أنَّ زهور الداليا كانت شائعةً في الشمال بسبب قوَّة حيويَّتها، إلا أن اللون البنفسجي منها كان محظورًا في دوقيَّة الشمال، فقط لأنَّ جولييت تكرهها....
...فقال بسرعة معتذرًا:...
...– "أعتذر، آنسة. سأقوم بالتَّخلُّص منها في الحال."...
...لكنَّها أجابته بهدوء:...
...– "لا، دَعْها كما هي."...
...– "هاه؟!" ...
...– "ستبدو جميلةً في مكتبِ سموِّه."...
...– "ماذا؟!"...
...لم يُصدِّق إليوت ما سمعه، لكن جولييت اكتفت بالابتسام، ثم صعدت إلى العربة وغادرت....
...بقي إليوت يُحدِّق في العربة وهي تبتعد، ثم تمتم لنفسه:...
...– "الآنسة موناد تتصرَّف بغرابةٍ اليوم."...
...لكنَّه لم يكن يعلم بعد، أنَّ جولييت لم تكن الوحيدة التي تتصرَّف بغرابةٍ في هذا اليوم....
...----...
...طـَرق~ طَـرق~...
...– "يا سموَّ الدُّوق، أنا إليوت."...
...– "ادخُل." ...
...كان في المكتب ثلاثة رجال: الدوق، وفارسان يقفان بجانبه بوجوهٍ جادَّة....
...لسببٍ ما، تبادل الفارسان نظراتٍ جادَّة من دون أن ينبسا ببنتِ شَفَة....
...كانت الأوراق مبعثرةً على الطاولة، وبجانبها صندوقٌ مُسطَّح يُشبه صندوق المجوهرات....
...استشعر إليوت جوًّا غريبًا يسودُ المكان، فوضع أصيص الزَّهرة بهدوءٍ على الطاولة الجانبيَّة....
...وكما هو متوقَّع، لم يُلقِ الدوق كارلايل نظرةً واحدةً على الزهرة....
...كان جالسًا على كرسيِّه يُحدِّق من النافذة....
...نظر إليوت بدورِه إلى الخارج النَّافذة، فرأى العربة وهي تغادر القصر....
...كانت نفس العربةُ التي استقلَّتها جولييت....
...قال الدُّوق فجأة:...
...– "إليوت."...
...– "نعم، سموَّ الدوق."...
...أجاب إليوت بأدب، وبدأ يُحضِّر في ذهنه جدول أعمال اليوم، معتقدًا أنَّ الدوق يُسأَل عن المواعيد....
...لكنَّ السُّؤال الذي طرحه الدوق كان غير متوقَّع على الإطلاق....
...– "من هو مُرافق جولييت الآن؟" ...
...– "أُهم... أعتقد إنَّه كاين."...
...– "إذن، استدعِ كاين."...
...– "حاضر."...
...أجاب إليوت تلقائيًّا، لكنَّه دُهش من السؤال....
...لماذا يهتمُّ الدوق فجأة بمُرافِق الآنسته؟ هل حدث شيء؟...
...ثم قال الدُّوق:...
...– "واجمع لي تقريرًا عن تحرُّكات جولييت خلال الأشهر الثَّلاثة الماضية، وقدِّمه لي قبل الظُّهر."...
...– "عفوًا؟" ...
...– "أين ذهبت، مَن قابلَت، كلُّ شيءٍ عن الرَّسائل التي استقبلتها أو أرسلتها. هل فهمت؟" ...
...– "لكن يا سموَّ الدوق، هذا..."...
...رفع إليوت رأسه، فقد بدا الأمرُ غريبًا للغاية....
...التحقيق من تحرُّكات الآنسة موناد؟ لماذا لا يسألُها مباشرةً؟...
...ولكن، حين التقت عيناه بالعينين الحمراوَين الباردتين، خفَض رأسه بسرعة....
...– "هل عليَّ أن أُكرِّر؟"...
...– "لا... أبدًا." ...
...– "لديك ثلاثَ ساعات. اخرُج." ...
...بَـانـغ!~...
...طُرِد إليوت من المكتب في لحظة....
...وقف مُتجمِّدًا للحظات، يُحدِّق في الباب المُغلق، ثم تمالك نفسه....
...كان يعلم أنَّ الدوق لا يُضيِّع وقته في أوامر عبثيَّة....
...لكن التحقيق في أمر الآنسة موناد؟...
...هل فعلَت شيئًا فظيعًا؟...
...– 'لو كنت أعلم أنَّ هذا سيحدث، لقلتُ لها ألَّا تخرج عندما التقيتُ بها قبل قليل...'...
...تمتم بهذه الكلمات داخليًّا، وسرَّع من خُطاه....
...بدا أنَّ ليلة رأس السَّنة السَّعيدة قد انتهت بالفعل....
...وصلت عربةُ الدّوق، الّتي كانت "جولييت" تستقلّها، سريعًا إلى المعبد العظيم في العاصمة....
...رغم أنّ الوقت كان في الصّباح الباكر، كانت هناك صفوفٌ طويلةٌ من العربات الملوّنة مصطفّةً أمام المعبد....
...فاليوم كان آخر أيّام السّنة، وهو كذلك اليوم الّذي يجني فيه المعبد أكبرَ قدرٍ من التّبرّعات....
...نزلت جولييت من العربة عمدًا على بُعد مسافةٍ من المعبد....
...قالت للسّائق:...
..."سأعود قريبًا."...
...لم يتعرّف الكثيرون على "جولييت"، خاصّةً أنّها كانت تسير وحدها من دون وصيفة....
...ولهذا، تمكّنت من زيارة المعبد بحرّيّةٍ تامّة....
...كان من عادة النّاس أن يكتبوا أُمنيةً على ورقةٍ ويُرفقوها بتبرّعٍ ماليّ، فيقوم المعبد بإشعال شمعةٍ باسم العائلة....
...وكلّما زادت قيمة التبرّع، ازدادت حجم الشمعة وجمالها وتعدُّد ألوانها....
...كانت حيلةً سطحيّة، لكنّها فعّالة، إذ جعلت النّبلاء الّذين يتمنّون الحظّ يُخرِجون المال من محافظهم بسخاء...
...ويبدو أنّ كثيرًا من الناس قد كتبوا أمانيَهم للعام الجديد بالفعل، إذ كانت الشموعُ تملأُ المكان حول المذبح....
...وبسبب تلك الأضواء، بدا أنّ تمثالَ الملك المصنوعِ من الرّخام الأبيض تحت القُبّة يبدو وكأنّه مُحاطٌ بهالةٍ من النّور....
...لكن عندما أخرجت "جولييت" محفظتها المليئة بالنّقود الذّهبيّة، أدركت فجأة أنّها لم تُفكّر بعد في أمنيتها....
...'أيُّ أمنيةٍ عليَّ أن أطلب؟'...
...كانت تُحدّق في تمثالِ الملك بشرودٍ، عندما سمعت همساتٍ خلفها:...
..."أليست تلك الفتاة؟" ...
..."هل هي؟ عشيقة دوق كارلايل؟"...
...لم تحتج "جولييت" إلى الالتفات كي تعرفَ عن مَن يتحدّثون، فقد شعرت بنظراتهم الّتي تخترقُ ظهرها....
..."لينوكس كارلايل" كان لا يُبالي مطلقًا بالمجتمع،...
...لكنّ نبلاء الإمبراطوريّة كانوا يُبدون اهتمامًا كبيرًا به....
...شابّ أعزب، دوق الشّمال، ثريّ وقويّ....
...كان يظهر في العاصمة مرّة واحدة فقط كلّ عام،...
...وذلك لحضور حفل رأس نهاية العام في القصر الملكي....
...كان دائمًا يحضر ذلك الحفل برفقة امرأةٍ جميلةٍ مختلفة كلّ عام....
...لم تكن علاقاته تدوم أكثر من ثلاثة أشهر، ومع ذلك، كانت أولئك النساء يُعرفن بأنّهن عشيقاتُ دوق كارلايل....
...ولطالما نالت عشيقاتُ الدّوق الكثيرَ من اهتمامِ الناس....
...وساهم ذوقه الغريب وسلوكه اللامبالي في إثارة المزيد من الفضول....
...فعشيقاته كنّ جميلاتٍ بلا شك، لكنّ معظمهنّ من طبقةٍ اجتماعيّةٍ متدنّية، وأحيانًا من دون تعليمٍ يُذكَر....
...لذلك، كنّ فريسةً سهلةً لثرثرةِ النّبلاء وسخريتهم....
...كانوا يقولون:...
..."ما أفظع ذوقه!"...
..."كم هي ساذجةٌ هذه الفتاة الجديدة!"...
...كانوا يسخرون من ذوقه الوضيع، ومن سذاجة الفتيات الّلاتي يرافقنه....
...لكنّ أكثر المواضيع إثارةً للثرثرة كانت شيئًا آخر:...
...ماذا يحدث لعشيقات الدّوق بعد أن يهجرهنّ؟...
..."أليست تلك الآنسة موناد؟"...
..."كما توقّعنا تمامًا..."...
...بمجرّد أن أعطت "جولييت" قطعةً ذهبيّةً للكاهن الشّابّ، وطلبت إشعال شمعة،...
...بدأ النّاس يتجمّعون حولها، يلقون التّحيّات، ويسألونها:...
..."الآنسة موناد، متى وصلتم إلى العاصمة؟"...
..."كيف حال الدّوق؟"...
..."لقد أرسلت إليكِ دعوةً لحفلة شاي قبل أيّام، لا أعلم إن وصلتكِ."...
..."سأكون حزينة إن واصلتِ الرّفض بهذه الطّريقة."...
...أخذت "جولييت" نفسًا عميقًا، ثم التفتت إليهم مبتسمةً وقالت:...
..."أنا مشغولةٌ قليلًا. أشكر دعوتكم، لكنّني أعتذر عن قبولها."...
...كانت تبتسم، لكنّ لهجتها كانت واضحةً في رسم الحدود....
...'إنّهم أناسٌ بلا معنى.'...
...كانت "جولييت" تعرف تمامًا ما يقولونه عنها في غيابها:...
..."يالها من فتاةٍ مثيرةٍ للشّفقة..."...
..."هل تعتقد حقًّا أنّها ستُصبح دوقة؟"...
...حين ظهرت "جولييت موناد" للمرّة الأولى برفقة دوق "كارلايل"، صُدم الجميع....
...فـ"جولييت" كانت الابنة الوحيدة لعائلة "موناد"،...
...عائلةٍ من طبقة الكونت، ذات تاريخٍ قديمٍ كمؤسّسين للأمبراطوريّة....
...ورغم أنّ العائلة لم يبقَ لها سوى الاسم، فمكانة "جولييت" كانت أعلى بكثيرٍ من عشيقات الدّوق السّابقات....
...بل وكانت تختلف عنهنّ كذلك في الشّكل، فقد كانت جميلةً، نعم، لكنّ جمالها كان رقيقًا هادئًا، أشبه بلوحةٍ مرسومةٍ بريشة فنّان....
...أولئك الّذين يعرفون ذوقَ دوق "كارلايل" أصابتهم الحيرة....
...كان الكونت "موناد" وزوجته أناسًا محترمين، وابنتهما "جولييت" كانت بعيدةً عن الشّائعات....
...فماذا عن "لينوكس كارلايل"؟...
...ذلك الرّجل الّذي كان محطّ كلّ الشّائعات؟...
..."هل تغيّر ذوقُ الدّوق أخيرًا؟" ...
..."ما الّذي ينوي فعله هذه المرّة؟"...
...لكنّهم لم يستغرقوا وقتًا طويلًا قبل أن يعودوا إلى الثرثرة من جديد. ...
...لكن رغم تغيّر الموضوع، إلّا أنّ الواقع لم يتغيّر....
...منذ أن أمسكت "جولييت" بيد الدّوق، كان مصيرها قد رُسم....
...فكلّما ارتفعت المكانه، كان السقوط أكثرَ إيلامًا....
...وهكذا أصبحت "جولييت موناد" هدفًا سهلًا لثرثرة المجتمع....
..."يالها من فتاةٍ حالمة، غارقةٍ في الوهم..."...
...حتى وفاة والديها، الكونت والكونتيسة، تحوّلت إلى موضوعٍ للسّخرية تحت غطاء الشّفقة....
...راحت الرّهانات تُقام حول المدّة الّتي سيستغرقها "الدّوق" ليتخلّى عن "جولييت موناد"....
...ضحكوا على "الكونتيسة السّاذجة"، وتوقّعوا سقوطها القريب....
...لكن… مرّ شهرٌ، ثمّ آخر......
...ورغم تغيّر الفصول وتعاقب الأعوام، لم تأتِ الأخبار الّتي توقّعوها....
...جولييت موناد لا تزالُ في الشّمال، ولا تزالُ عشيقة الدّوق....
...شعر الجميع بخيبة أمل....
...بالطّبع، لم يُصدّق أحدٌ أنّ الدّوق قد يكون عاشقًا بها حقًّا....
...فهو وريث الأسرة الدّوقيّة الوحيدة الّتي لا تنتمي إلى الدّم الإمبراطوري....
...ولكي تكون المرأة سيّدة لتلك الأسرة، كان لا بدّ أن تكون من عائلةٍ أرفع من "موناد"....
...لكنّ "كارلايل" لم يُغيّر من سلوكه معها. كان يتعامل معها كما كان يتعامل مع عشيقاته السّابقات....
...ولو أنّه أخذها على محمل الجدّ، لكان منحها مكانةً رسميّة، بدل أن يُبقي فتاةً نبيلة في سنّ الزّواج بلا لقبٍ أو صفة....
...لكنّ النّاس الّذين لم يكونوا راضين عن "جولييت" بدأوا الآن يُعبّرون عن ازدرائهم لها بسخريةٍ ووقاحة....
..."أتعلمون؟ الكونتيسة تملك موهبةً سحريّة."...
..."كيف تكون بهذه السّطحيّة؟"...
..."ربّما تظاهرت بأنّها مهذّبة، وهكذا كسبت وُدّ الدّوق."...
...لم يظنّ أحدٌ أنّها ستُصبح "دوقة الشّمال"....
...و"جولييت" كانت تُوافقهم الرّأي....
...فعلى عكس أوهام الكثيرين، لم تكن "جولييت" تعتقد يومًا أنّها ستتزوّج بـ"لينوكس كارلايل". فهي، أكثر من يعرف حقيقته....
...كانت تعلم جيّدًا، أنّه في اللّحظة الّتي يُصبح وجودها غير ضروري، فإنّه سيتخلّى عنها دون تردّد....
..."يا إلهي، من هذه؟!"...
...فجأة، ساد الهمس والضّجيج عند مدخل المعبد، وظهرت امرأةٌ تتقدّم مجموعة من النّاس بخطًى واثقة....
...وبوجهٍ مفعمٍ بالحيويّة، حيّت "جولييت" قائلة:...
..."مرّ وقتٌ طويل، آنسة جولييت."...
...كانت الأميرة "بريسيلا"....
...شعرت "جولييت" بعداءٍ واضحٍ في نبرة صوتها،...
...لكنّها مُتظاهرةً بعدم ملاحظة شيء....
...كانت "الأميرة بريسيلا"، ابنةُ أخ الإمبراطور....
...ولأنّ العائلة الإمبراطوريّة لم يكن فيها فتيات، فقد كانت هي المدلّلة لدى الإمبراطور، ومِن ثمّ نالت لقب "أميرة" في المجتمع الأرستقراطيّ....
...لكنّ شهرتها لم تقتصر على ذلك، بل كانت أوّل فتاةٍ ترقص مع "لينوكس كارلايل" في أول حفلٍ إمبراطوري حضره قبل عشر سنوات....
...'كم كان ذلك مبكّرًا!'...
...ففي ذلك الحين، لم تكن "بريسيلا" قد تجاوزت الخامسة عشرة من عمرها....
...ومنذ ذلك اليوم، وقعت في حبّ الدّوق الّذي يكبرها بأربع سنوات، وبدأت تُلحّ على الإمبراطور مرارًا وتكرارًا،...
...طالبةً منه أن يُرسل عرض زواجٍ إلى "كارلايل"....
...أربك هذا الطّلب الإمبراطور لبعض الوقت،...
...فزواج "لينوكس كارلايل" من ابنة أخيه كان يعني توسيع نفوذ الدّوقيّة الشّماليّة الّتي كانت تُشكّل تهديدًا بالفعل....
...لكن، في الوقت نفسه، رفض الطّلب علنًا كان ليُعدّ إهانةً للعائلة الإمبراطوريّة....
...وفي نهاية المطاف، وبسبب إصرار "بريسيلا"،...
...انتشرت شائعاتٌ بأنّ عرض الزّواج قُدِّم باسم العائلة الملكيّة....
...ثمّ قالت "جولييت" بابتسامةٍ هادئة:...
..."أعلم أنّني تأخّرت، لكنّني أُبارك لكِ على خطوبتكِ، أيتها الأميرة."...
...فأجابت "بريسيلا" بسخرية:...
..."لا بأس. بما أنّكِ تعيشين في منطقةٍ ريفيّة، فمن الطّبيعي أن تصلكِ الأخبار متأخرة."...
...كلماتها كانت مليئةً بالأشواك، لكن "جولييت" لم تُظهر سوى ابتسامةٍ باهتة. فكلّ شيءٍ له حدّ، حتّى اللّباقة الزّائفة....
...فمنذ نصف عام، كانت "بريسيلا" قد خُطبت إلى "الكونت كاسبر"، أحد أقارب العائلة الإمبراطوريّة....
...نظرت "جولييت" إلى الشّاب الواقف بجانب "بريسيلا"، الّذي كان يُحدّق بها علنًا وكأنّه يُقيّمها. ومن خلال تعابير وجهه المليئة بالازدراء وثيابه الفاخرة، فقد عرفت أنّه "الكونت كاسبر"....
...ليس خيارًا سيّئًا للأميرة بريسيلا....
...فـ"كاسبر" هو الابن المُتبنّى لـ"الماركيز غينيس"، وسيَرِث لقب الماركيز بعد وفاة والده...
...و"الماركيز غينيس" كان من كبار النّبلاء الّذين يحكمون جنوب الإمبراطوريّة....
...ثمّ قالت الأميرة بابتسامةٍ مصطنعة:...
..."على كلّ حال، لا بأس. بما أنّنا التقينا بهذه الطّريقة، فلماذا لا نتمنَّ أمنيةً معًا؟"...
...فجأةً، أمسكت "بريسيلا" يد "جولييت"، ثم شبكت ذراعيهما واقتادتها إلى المذبح بإصرار، وكأنّهما صديقتان قديمتان....
..."لم نرَ بعضنا منذ وقتٍ طويل، لذا أُريد أن أشعل شمعةً من أجل الآنسة موناد!"...
...وبتعبيرٍ ودودٍ على وجهها، أخرجت "بريسيلا" قطعةً ذهبيّة....
...طَنين!~...
...سقطت القطعة الذّهبيّة من يدها على الأرض....
..."يا إلهي!"...
...كان من الواضح أنّها أسقطتها عمدًا....
...ثمّ قالت متصنّعةً الحرج:...
..."عذرًا، لقد انزلقت من يدي. جولييت، هل يمكنكِ أن تلتقطيها من أجلي؟"...
...وأثناء حديثها، وضعت قدمها برفقٍ فوق القطعة الذّهبيّة....
..."لا بأس، أليس كذلك يا جولييت؟ فنحن صديقتان!"...
...عندها فقط، أدرك الحاضرون ما تنوي "بريسيلا" فعله، فـانفجر بعضهم ضاحكًا، مترقّبين كيف ستتصرّف "جولييت"....
...نظرت "جولييت" إلى قدم "بريسيلا" الّتي تسحق بها القطعة الذّهبيّة....
...كانت هذه إحدى حِيَل "بريسيلا" القديمة: طريقةٌ لإذلال عشيقات "الدّوق" في العلن، تجبرهنّ على الرّكوع والتّصرّف كما تريد....
...لكنّ "جولييت" لم تَحمَرَّ خجلًا، ولم تُصَبْ بالارتباك....
...على ما يبدو، فقد نسيت "بريسيلا" تمامًا من تكون "جولييت موناد"....
...رغم أنّ عائلة "موناد" لم تعُد في أوج مجدها،...
...إلّا أنّها واحدةٌ من العائلات الّتي ساهمت في تأسيس الإمبراطوريّة....
...وعلى الرّغم من أنّ "جولييت" عاشت في الشّمال طوال السّنوات الماضية، فقد نشأت في العاصمة، وكانت معتادةً على مثل هذه التّفاهات....
...الجميع أرادوا أن يروها مُحرجةً ومهزومةً، لكن حتّى لو أنّها اختارت الشّخص الخاطئ في الماضي، فهي لم تكن حمقاء....
...بدلًا من أن تحمرّ خجلًا، ابتسمت "جولييت" بهدوء....
..."جولييت" لم تكن فتاةً ساذجة وقعت في الحبّ وعلّقت آمالها على رجلٍ واحد....
...'لستُ ساذجةً إلى درجة أن أبكي بسبب شيءٍ كهذا.'...
...والأهمّ من ذلك، أنّ "جولييت موناد" كانت في مزاجٍ سيّئٍ هذا اليوم....
..."ما الّذي تفعلينه؟ هيا، التقطيها يا جولييت!"...
...ألحّت "بريسيلا" مجدّدًا....
...في العادة، وبما أنّ "جولييت" لا تحبّ المتاعب، لكانت تجاهلت الموقف ببساطة....
...لكن عندما نظرت إلى الأميرة ورأت بريق الخبث في عينيها، اكتفت بابتسامةٍ هادئة وقالت:...
..."لديّ فكرةٌ أفضل، يا أميرة."...
..."فكرةٌ أفضل؟"...
...عندها فقط، ارتسمت علامات الحيرة على وجه "بريسيلا"....
...طَنين~ طَنين~ طَنين!~...
...بصوتٍ رنّانٍ بهيج، سقطت عشرات القطع الذّهبيّة من يد "جولييت" على الأرض....
...اتّسعت عينا "بريسيلا" صدمةً....
...أمّا "جولييت"، فلم تُبالِ، بل رمت كلّ ما في حوزتها من ذهبٍ على الأرض، ثم قالت:...
..."لقد نسيتُ أن أُقدّم لكِ هديّة التّهنئة."...
..."ماذا تفعلين؟ ما هذا بحقّ..."...
...ضحكت "جولييت" بخفّة، ثمّ تابعت:...
..."مُباركٌ لكِ على خطوبتكِ، يا أميرة."...
...ثمّ أعادت كلمات "بريسيلا" إليها بنفس النّبرة:...
..."أوه، يداي تنزلقان بسهولةٍ هذه الأيّام... لكنّنا صديقتان، أليس كذلك؟ لن تغضبي من هذا، صحيح؟"...
...وفـي تـلـك الـلّحـظـة، سـاد صـمـتٌ تــامّ داخـل الـمـعـبـد....
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon