NovelToon NovelToon

كيفية الهروب من الرجال المهووسين

𝟏 + 𝟐

...الـفـصـل الآول...

...في بردٍ قارس يخترق العظام، فتحت ليندسي عينيها....

...'أين أنا؟'...

...انكمش جبينها الرقيق في دهشةٍ حذرة، فيما كانت تحدق في محيطها بعينين يكسوهما الذهول....

...التحوُّل المفاجئ في الأحداث شلّ تفكيرها، وتركها غارقة في حيرة مربكة....

...'أنا متأكدة أنني كنت أُصدُّ غزوًا هائلًا...'...

...كانت واثقةً أنها كانت هناك، في قلب ساحة المعركة، تؤدي مهامها كمرشدة من الدرجة S، تقاتل بكل ما أوتيت من عزم....

...لكن الغرفة التي وجدت نفسها فيها الآن... كانت فاخرة، مترفة على نحوٍ صارخ. الأحجار اللامعة تملأ الزوايا، والزجاج المكسور متناثر على الأرض كأثر لجنونٍ خفي....

...كانت الغرفة تعجّ بالفوضى، ومع ذلك، خُيّل إليها أنها رأتها من قبل....

...وفجأة، شحب وجهها بينما انبعث صوت مألوف، ارتجّ في أذنيها كطعنة....

..."ليندسي كيسيون."...

...اتسعت عيناها....

...كان صوتًا عزبًا حد الألم، جميلًا إلى جد يثير الأسى، حلوًا في نبرته ولكن مشبعًا بشيء خفي من السخرية...

...لم تكن بحاجة لتخمين، فهي تعرفه جيدًا....

...ذاك الصوت، الذي سئمته منذ زمن بعيد، عاد ليطاردها من جديد....

..."على ما يبدو، كان الأمر مجرد مبالغة."...

...كان هناك، واقفًا أمامها. رجلٌ بشعرٍ ذهبي يتلألأ تحت الضوء، وعينين خضراوين كأنهما انسكبتا من مصهور الذهب....

...ازداد برد الغرفة، لا من الطقس، بل من جليد حضوره....

...ليندسي تعرف هذا الرجل....

...أرتجفت يدها التي كانت تقبض على البطانية حتى فقدت لونها شاحبه كأن الدم غادرها....

...لم تكن قادرة على تصديق ما يحدث… أو ربّما، لم تكن تريده أن يكون حقيقيًا....

..."هذا جنون."...

..."ما الذي تتفوهين به؟ هل اصطدمت راسك الغبية بشيء مجددًا لتصبحي أكثر جنونًا مما أنتِ عليه؟"...

...كينيان راديان....

...لماذا هو هنا؟ ولماذا... الآن؟...

..."قلتِ إنك تحتضرين، وعندما أتيت، لم أجد سوى هراء. إن كنتِ بحاجة إلى الاهتمام، فابحثي عن طريقة أكثر إثارة."...

..."..."...

..."أخبركِ مهما فعلتِ، آزيت لن يهتم بكِ. هذا مؤسف… ومثير للشفقة حقًا."...

...قالها وهو يرمقها بنظرات كاسرة، كأنها شيء مرفوض الوجود....

...ثم نهض من مكانه، وقد ارتسم على ملامحه تعب لم يُخفف من حدة صوته:...

..."إن كررتِ مثل هذا التصرف السخيف مرة أخرى، فلن يكون آزيت مَن يتعامل معك، بل أنا… ولن أكون رحيمًا."...

...وغادر الغرفة، تاركًا وراءه كلمات كالسكاكين....

...حدّقت ليندسي نحو الباب الذي خرج منه، لوقت بدا وكأنه دهر… وحين استعادت انفاسها، خفضت بصرها نحو يديها...

...كانت شاحبة، ممتدة فوق البطانية، ومغطاة بجروح صغيرة....

...'هل كانت يدي دومًا بهذا النحول؟'...

...حتى بصفتها مرشدة، كان التمرين الجسدي ضروريًا....

...لا سيما مرشدة من الدرجة S، تنخرط في المعارك، تلامس الموت عن قرب....

...لكن ما رأته الآن لم يكن جسدًا رياضيًا ولا قويًا....

...نهضت بسرعة....

...كان هناك إناء ماء على الطاولة، بدا كأن أحدهم تركه لها....

...'لا… لا يمكن… لا يجب أن يكون هذا حقيقيًا.'...

...اقتربت، ونظرت في انعكاس سطح الماء....

...فتاة ذات شعرٍ أسود، وعينين ذهبيتين، تطل عليها من أعماق المرآة المائية. وجه شاحب، ونظرات يعلوها شيء يشبه الحزن والغياب....

...لقد كانت تعرف هذه الفتاة أكثر من أي أحد آخر....

...ليندسي كيسيون....

...الطفلة الملعونة....

...ذاتها القديمة، قبل أن تولد مجددًا كمرشدة في هذا العصر....

...امتدت الكآبة على وجهها كستار رمادي… فقد عرفت الآن تمامًا أين هي، ومَن عادت لتكونه....

...•••...

...الـفـصـل الـثـانـی...

..."ليندسي كيسيون…"...

...همست باسمها، كأنها تُعيد نطق حياةٍ سابقة. اسمٌ بدا مألوفًا، لكنه يغمرها بالغربة....

...ليندسي كيسيون… كانت قد ماتت قبل خمسةٍ وعشرين عامًا. وبعد موتها، وُلدت من جديد، هناك، في كوريا....

...في حياتها الجديدة، كانت تُدعى هان جي-يو… مرشدة من الدرجة S....

...ذاك هو الاسم الذي عاشت به في كوريا....

...'لكن... ما الذي يعنيه هذا الآن؟'...

...مدّت يدها إلى وجهها ببطء، تتحسّس الملامح التي ربما لم تعُد تعرفها....

...حينما كانت تعمل مرشدة في كوريا، باتت بشرتها خشنة بسبب المعارك المتكرّرة… ذلك كان أمرًا لا مفرّ منه....

...لكن الآن… بشرتها ناعمة، صافية كأنها لم تعرف الألم قط....

...رغم احتقارهم لها، إلا أنها كانت ابنة لأحد النبلاء، فكان من الطبيعي أن يكون جسدها بهذه النعومة....

...ومع ذلك، شعرت باليأس أكثر من أي وقت مضى....

...'هل عدتُ بالفعل؟'...

...لم تكن ترغب في العودة....

...فحياة "جي-يو" في كوريا كانت أسمى، أكثر امتلاءً، وأكثر صدقًا من حياة "ليندسي كيسيون"....

...في كوريا، كانت المرشدات والممسوسين حقيقة معروفة....

...الممسوسون… أولئك الذين وُهِبوا قوى خارقة، غامضة....

...والمرشدون… من يُهدّئون آلامهم....

...وقد أحبت ليندسي عملها كمرشدة. أحبت أولئك الذين وثقوا بها، احتاجوا إليها، وشهدوا قيمتها....

...كانت حياتها هناك مليئة بالتحديات… لكنّها كانت حياة تُعاش حقًا....

...لم تكن تتمنى العودة....

...بل لم يخطر ببالها أنها قد تعود يومًا....

...حتى مجرد تخيّل العودة كان إهانة لكل ما بنته جي-يو....

...لكن ها هي تعود… كأن شيئًا لم يكن....

...عادت لتكون ليندسي كيسيون....

...اقتربت ببطء من النافذة، وعيناها تُحاولان احتواء الصدمة....

...نظرت إلى ساحة التدريب… وارتجف وجهها حين رأت ما لم ترغب برؤيته....

...آزيت… خطيبها....

...وكينيان… الرجل الذي نشر الشائعات عنها....

...آزيت، الذي لم تره منذ زمن… كان جميلًا، حدّ الألم....

...شعره الذهبي يُشبه خيوط الشمس، وعيناه البنفسجيتان تتلألآن كحجارة كريمة لا تُقدّر بثمن....

...سيفه يرقص بين يديه في حركات لا يُجاريها أحد في الإمبراطورية....

...رجلٌ مثالي، بكل المقاييس....

...الجميع يُحبّه، يتمنّى قربه، يتحدّث عنه بإعجاب....

...تمتمت ليندسي وهي تحدّق فيه:...

..." وما جدوى الكمال، إن كان خاليًا من الرحمة؟"...

...في تلك اللحظة، تذكّرت لماذا تمنّت ألا تعود....

...'لأن أحدًا لم يُرِدني حقًا.'...

...في كوريا، كانت مطلوبة. بل كانت حاجة لا غنى عنها....

...أما هنا… فقد كانت عالة، عبئًا، نجسة في نظرهم....

...خطيبها لم يكن يحبها… بل كان يحتقرها....

...زواجهما لم يكن سوى عقد… بلا روح، بلا دفء....

...قال لها ذات مرة، دون أن يطرف له جفن:...

..."من فضلك، لا تحبيني..."...

..."ارتباطنا كان بدافع الضرورة، ليس أكثر."...

..."كل ما عليكِ فعله هو رفع هذه اللعنة التي تنهشني. وإن فعلتِ… سأعطيكِ كل شيء، إلا الحب."...

...لكنها فشلت. لم تستطع الوفاء بالوعد....

...كما كانت كوريا موطنًا للممسوسين والمرشدين، كان هذا العالم موطنًا للكائنات المتسامية والكهنة....

...وكانت شروط العقد بينهما تقوم على أن تُظهِر هي قوة إلهية....

...لكن تلك القوة… لم تستيقظ فيها....

...'لابد أن الوقت الآن… قبل أن يتم الزواج.'...

...لذا جاءت إلى دوقية راديان، وتوسلت إلى آزيت… ألا يفسخ الخطبة....

...أقسمت أن تُصبح نافعة، أن تُظهر قوتها، أن تُبرهن على جدارتها....

...قال الجميع إنها ستُصبح كاهنة. حتى المعبد صدّق ذلك....

...الكهنة والمتسامون…...

...المتسامون، وُهِبوا قوتهم، فاصبحوا يصنعون المعجزات، ويفوقون البشر جمالًا وذكاءً....

...لكنّ تلك الهبة جاءت بثمن:...

...عطش لا ينطفئ....

...كان وحدهم الكهنة قادرين على تهدئته… لكنهم لا يملكون القدرة على إروائه بالكامل....

...حتى أقوى الكهنة، لم يستطيعوا شفاء أقوى المتسامين دون ألم....

...'الكهنة هنا، كمرشدين من رتبة ضعيفة. لذا، الألم كان حتميًا.'...

...الممسوس القوي، إن لم يجد مرشدًا يناسب رتبته، لن ينال سوى راحة مؤقتة....

...وهكذا، كان آزيت يتعذّب… بلا نهاية....

...ولم يكن وحده، بل أغلب المتسامين في هذا العالم يُكابدون الألم ذاته....

...حتى هذه اللحظة، كان هو وكينيان يتبارزان، لا للمهارة، بل للهروب المؤقت من آلامهم....

...'عائلة راديان اعتقدت أنني سأُظهر قوتي…'...

...ولذا أنقذوني من جحيم عائلة كيسيون....

...عادةً، تظهر القوى قبل البلوغ....

...أما بعده… فذاك أمر نادر، شبه مستحيل....

...لكن حتى في عيد ميلادها الأخير… لم تستيقظ....

...وفي ذلك اليوم… قال لها آزيت ببرود:...

..."لم تُحققي شروط العقد. فسخ الخطبة هو القرار العادل. عودي إلى قصر عائلتك مع شروق الشمس."...

...كان ذلك، في نظرها، حُكمًا بالإعدام....

...ذاك القصر… كان الجحيم ذاته....

...توسلت إليه، بدموع صامتة، ألا يعيدها، فقال:...

..."اصمتي. هل تعلمين كم كذبة سبّبت الأذى للناس؟ زواجي بك، رغم سمعتك السيئة، كان بسبب العقد... لكنّك خذلتِني. ولهذا، ارحلي."...

..."أرجوك، آزيت… إن عدتُ، فلن يتركني والدي وشأني."...

..."افْعلي ما تشائين. الأمر لا يعنيني."...

...لم تجد ما تقوله....

...كل من في الدوقية كانوا يرمقونها بنظرات ملؤها الازدراء....

...لم يكن هناك أحد إلى صفّها....

...قال كينيان، ساخرًا:...

..."يا لها من مزحة… أن يُقال إن شقيق آزيت سيتزوج فتاة لا تليق به! اخرجي من عائلتنا فورًا!"...

...الدوقة، أمّ آزيت، لم تكن أفضل منه....

...أومأت برأسها، وقالت بابتسامة باردة:...

..."أمتعتكِ تنتظرك عند البوابة…."...

...ثم أضافت:...

..."على الناس أن يعرفوا حجمهم الحقيقي. هل ظننتِ أن فتاة مثلك تصلح لآزيت؟"...

...وبهذا، طُردت....

...كان شتاءً قارصًا....

...لم تستطع العودة إلى عائلتها… فانتظرت عند البوابة....

...لكنها لم تُفتح قط. حتى فقدت وعيها… وماتت....

...ثم عادت… باسم هان جي-يو....

...'كنتُ أظن أن الأمر انتهى… لكن...'...

...عيناها ما زالتا على آزيت وكينيان، وهما يتبارزان....

...تلاقت نظراتهما....

...أدار وجهه عنها… لكن جسده… كان يصرخ من الداخل....

...شعرت بذلك....

...'لن يجد الراحة… مهما تلقى من الإرشاد.'...

...لم تكن تفهم ذلك سابقًا، لكنها تعرف الآن....

...إنه يتعذّب....

...ربما يأسه يمتدّ معه إلى الموت....

...كما كان يحدث في كوريا… للممسوسين الذين لم يجدوا مرشدًا يليق بهم....

...ربما… طباعه الكريهة كانت السبب....

..."مسكين..."...

...همستها خرجت باردة....

...رغم أنها أحبّته....

...رغم أنها رأت فيه منقذًا ذات يوم....

...لكن وحدها هي من أحبّ....

...وهو، في المقابل، لم يبادلها شيئًا… بل كرهها مع الوقت....

...'لقد صدّق الشائعات التي نسجتها سيلفيا.'...

...سيلفيا راديان… والدة آزيت....

...امرأة كرهتها، حتى العظم....

...كانت تغذّي أبناءها بالكره....

..."آزيت، تلك الفتاة شريرة! ستدمّرنا!"...

..."تسرف على نفسها، وتعذب الخدم!"...

..."آزيت وكينيان يظنّان أنني امرأة سيئة…"...

...لطالما اتُّهِمَت زيفًا…...

...'ومع ذلك… ألم يستطيعوا رؤية الحقيقة؟'...

...نظرت إلى آزيت، ثم همست في داخلها:...

..."إذًا، لن أشفق عليه بدوري."...

...دون أن ترفع يدها، كانت تعرف… أنها قادرة على إنهاء ألمه....

...لكن الحقيقة التي لا يُدركونها…...

...أنها لم تعِش كامرأة تُدعى "هان جي-يو"....

...بل كانت دائمًا… كاهنة....

...قوتها… فقط تأخرت في الظهور....

...ومع أنها كانت تملك القدرة على إنهاء عذاباتهم…...

...إلا أن ليندسي كيسيون، لم تكن تنوي فعل شيء....

...ولن تفعل شيئًا… إطلاقًا....

𝟑

...في صباحٍ رمادي جديد، طرق كينيان باب غرفة ليندسي، ودخل دون أن ينتظر إذنًا....

...وقف أمامها، متأمّلاً إياها بنظراتٍ غريبة، وكأن شيئًا ما يضطرب داخله، لكنه لا يملك الجرأة ليتلفّظ به....

..."ما الأمر؟!"...

...سألته ليندسي بنبرة غير معتادة، خشنة، متحفّزة....

..."ماذا؟!"...

...تراجع بخفة، يحدّق فيها بدهشة، إذ لم يعتد سماع هذه النغمة في صوتها....

...كانت... مختلفة....

..."لم تأتِ بلا سبب، أليس كذلك؟!"...

...ردّ ببرودٍ كعادته، كأنما يتحدث عن أمرٍ تافه:...

..."جئت لأخبرك ألا تغادري الغرفة اليوم."...

...رفعت حاجبيها....

..."لماذا؟"...

..."زوار من العشائر الأخرى سيحضرون إلى القصر."...

...ساد الصمت بينهما، ثقيلًا كجدارٍ لا يُهدم....

..."وجودك وحده يثير النفور فيهم، فالأفضل أن تبقي هنا. في غرفتك."...

...ثم أضاف، دون أن يلتفت:...

..."ولن تزعجي الخدم مجددًا، أليس كذلك؟"...

...كان كلامه أشبه بخنجر مغروز بابتسامة جامدة. ثم جال بنظره في أرجاء غرفتها المزينة، وابتسم بسخرية:...

..."تبدو حياتك مريحة في هذا الترف الذي لم تسعي له يومًا."...

...ثم أدار وجهه عنها، كمن يأبى حتى النظر إليها....

...كينيان كان يمقتها...لا، أكثر من ذلك....

...كان يراها وصمة، خيانة لنقاء الدم، وُجِدت حيث لا ينبغي لها أن تكون....

...'هو يظن أنني أعيش مدلّلة، مستمتعة بمزايا لا أستحقها.'...

...لم تكن ليندسي من نبلاء الدم الخالص....

...كانت ابنة أمّ من العامة، نالت الاعتراف فقط بفضل موهبتها النادرة في الكهانة....

...لكن بعد أن سقطت تلك الهالة عنها، بعدما كُشِف أنها لم تعُد كاهنة… أصبح وجودها محلّ شك....

...ولم يكن ذلك وحده....

...خطط سيلفيا الدنيئة جعلت كينيان يظن أنها تضطهد الخدم وتتدلل، متنعّمة بترفٍ لا يليق بها....

...قال دون أن ينظر إليها:...

..."حين يغادر الزوار، عودي لمكانك الحقيقي. حتى صبري له حدّ."...

...فأجابته بثبات:...

..."كنت أفكر بالأمر."...

...ارتسمت على وجهه ابتسامة دهشة واستخفاف:...

..."ستغادرين؟ حقًا؟ وهل تظنين أن هناك مكانًا ينتظرك؟"...

...كان يظنها تتشبث بالقصر كما يتشبث الغريق بخشبة، لكنه لم يعلم أن قرار الرحيل كان محفورًا في قلبها منذ زمن....

..."سأعود إلى دوقية كيسيون."...

...كلماتها خرجت ثقيلة، كأنها تُنزِفها من قلبها لا من لسانها....

...ذاك المكان... لم يكن وطنًا، بل سجنًا....

...لكنه كان الطريق الوحيد....

...'عليّ أن أُسقِط اسمي من سجل العائلة. إن بقي هناك... فلن أتحرّر منه أبدًا.'...

...كان التحدي قاسيًا، لكن لا بد من الخلاص....

...'يجب أن أجد طريقة. يجب أن أهرب، أن أعود إلى كوريا... مهما كلّف الأمر.'...

...صوت كينيان فجأة شقّ أفكارها بصراخ:...

..."ليندسي كيسيون! أما زلتِ تسمعينني؟!"...

...فوجئت، شعرت بقبضته تطبق على معصمها....

...لكن ما بدا كغضب، لم يدم....

...تغيّر وجهه، أصبح غريبًا....

...كان يحدّق في يدها، في بشرتها الشاحبة تحت أصابعه، وكأن شيئًا خفيًّا يربكه....

...'لقد نسيته... هو أيضًا من المتعالين.'...

...قواها الروحية كانت ما تزال غير مستقرة منذ استيقاظها....

...لكن كينيان، بقوته، لا يمكن أن يكون قد تأثر بها فعليًا... لا، هو مَن اختار أن يترك يدها....

...يده انسلت من معصمها بهدوء، لكنها ظلّت تحدّق فيه، وفي تلك اللحظة، ظل هو بدوره يحدّق في كفّه الفارغة....

...'ما هذا الشعور الغريب؟ حين لمستها... شيء داخلي اهتزّ. كأن السكون داخلي انكسر.'...

...كان قد عاش حياة جافة، مليئة بالقوة... لكنها تخلو من الشعور....

...القوة التي امتلكها لم تكن نعمة، بل لعنة. ...

...شعور أبديّ بالعطش، بجوعٍ لا يُروى....

...وكان، منذ وُلد، يعاني من هذا الفراغ الذي لا يُفهم....

...لكنه، للحظة واحدة فقط، حين لمسها... شعر بالراحة....

...'لا... بل شعرت كأنني إنسان.'...

...لكن الشعور تلاشى فور أن أزاحت يدها....

...أراد أن يعود إليه، أراد أن يلمسها مجددًا فقط ليسترجعه....

...صُدم من رغبته....

..."أبعد يدك."...

...قالتها بنظرة صارمة، لم ترتعش....

...هو، الذي لطالما احتقرها، لم يستطع هذه المرة أن يرد....

...، تذكّر من تكون. تلك المرأة... خانت أزيث. شوّهت اسم العائلة.'...

...تمالك نفسه وقال:...

..."ما بالكِ لا تتحدثين بأدب؟"...

...فأجابته بنبرة ساخرة:...

..."هل أستخدم الألقاب وأنت لا تحترمني؟"...

...اقترب، صوته يحمل تهديدًا:...

...'كان عليّ أن أطردها منذ البداية... لم يكن عليّ أن أرحمها لحظة.'...

...لكنها لم تتراجع....

...كانت أقوى من ماضيها، أقوى من نظراته....

..."أتظنين أن أزيث سيحميك؟"...

..."..."...

..."سبق أن قلت، أزيث لا يعنيه أمرك. إن أردتِ الخروج من هنا بكرامة، فتصرّفي على هذا الأساس."...

...كانت الحقيقة واضحة....

...حتى حين اشتكت له من ظلم الخدم، كان جوابه:...

...> "لا تثيري المتاعب."...

...لم يعد يؤلمها ذلك. لم تعد تنتظر شيئًا....

..."لا تقلق. سأرحل وحدي."...

..."ماذا؟"...

..."لا تتعب نفسك. أنت لا تكترث لحياتي... ولا لموتي."...

...ابتسمت، بثبات يشبه الانكسار....

...'اضربني إن شئت. لم أعد أخافك.'...

...ما عاشته في ساحات المعارك كان أهون من غضب كينيان....

...وفي اللحظة التي كاد أن يمدّ يده إليها، دوى صوت هادئ، آمر:...

..."توقف، كينيان."...

...تصلّبت أطرافها، لأن ذلك الصوت لم يكن غريبًا....

...كان أزيث راديان....

...خطيبها السابق....

..."الزوار وصلوا. لا وقت لإضاعة الجهد على هذه المرأة."...

...تبادل النظرات معها، لكن نظرته مرّت من خلالها كأنها هواء....

...'أنا، بالنسبة له... مجرد حجر في الطريق.'...

..."ليندسي، يا عزيزتي."...

..."..."...

..."لا تكوني فظة مع كينيان."...

...ضحكت، بسخرية مريرة:...

..."أما كان الأجدر بك أن تقول هذا له؟"...

...رفع يده كمن يتأفف:...

..."هذا أقصى ما يمكنني فعله لأجلك."...

...كلماته كانت باردة كثلجٍ يلامس جرحًا مفتوحًا....

...'هذا هو، أزيث.'...

...كانت قد تساءلت من قبل، حين أصبحت "هان جي-يو" في عالمٍ آخر......

...'لو متُّ هناك... هل كان سيحزن؟'...

...والآن... عرفت....

...لم يكن ليحزن....

...بل ربما كان ليرتاح....

...لكن قبل أن ترحل، كان لا بد لها من كلمة أخيرة....

...حدّقت فيه وقالت بثقة:...

..."هل تعلم يا أزيث؟ لم أنعم يومًا، ولم أُهن خادمًا."...

...تجاهلها، كأن الكلمات لا تعنيه....

...كينيان كذلك، اكتفى بنظرةٍ مشككة، كأنها تهذي....

...لكنها أكملت:...

..."ستندمان."...

..."نندم؟"...

..."أجل... يومًا ما، ستندمان على ما فعلتماه بي."...

...قالتها بصوتٍ واثق، عيناها مشتعلة، وقلبها ساكن....

...ضحك أزيث بسخرية... وسامته تلمع لكنها جوفاء....

..."ندم؟… مستحيل."...

...كان متيقنًا تمامًا بأنه لن يندم أبدًا....

...بل، في الحقيقة، تساءل ببرود:...

...وهل يوجد شيء يستحق الندم بالأصل؟...

...كلمات ليندسي لم تُحرّك فيه شيئًا....

...لم تُشعل فيه شعورًا، ولم تترك ندبة....

...كانت مجرد هواء يتلاشى في صمت....

...لذا، قال بصوتٍ هادئ، خالٍ من الندم… ...

...وبملامح جامدة كقناع:...

..."للأسف… لا أظن ذلك."...

𝟒

...غادر أزيث وكينيان صامتَين، تتبع خطواتهما أصداء ثقيلة، تقودهما نحو قاعة الضيوف في قصر راديان، حيث تنتظر الكائنات المتعالية ذات الطاقات المقدّسة....

...كانت هذه اللقاءات المتكررة بينهم ليست للتعارف، بل للنجاة....

...> "لكي لا يجتاحهم الجنون، يجب أن يُفرغوا القوة."...

...تذكّر أزيث تلك العبارة التي ترددت كثيرًا في طفولتهم....

...القوة، رغم ما يُقال عنها من بركة، كانت نارًا تُضمر في أرواحهم، لا تهدأ إلا بالحرق....

...أغمض عينيه، وضغط على صدغيه....

...التعب... كان يسكن العظم....

...– "أزيث، لمَ كلّ هذا التأخير؟"...

...التفت نحو الصوت الناعم، فوجد بيانكا روسيت واقفة أمامه، تقرأه بعينيها لا بكلماتها....

...– "آنسة بيانكا."...

...– "الخدم قالوا إنك ذهبت لرؤية ليندسي."...

...كانت محاطة ببقية المتعالين، الذين جلسوا يلهثون، منهكين بعد تفريغ طاقتهم....

...أزيث ابتسم بخفة....

...> "لقد تمّ الإمساك بي."...

...اقتربت منه، وملامحها تحمل شيئًا من اللوم المغلّف بالشفقة....

...– "هل أسأت معاملتها؟ لقد بدت منهكة... لماذا لم تسمح لها بالدخول؟"...

...– "كان ذلك قرار والدتي. نوعٌ من التأديب على تصرّفاتها الأخيرة."...

...– "تصرّفاتها؟"...

...– "ألا تعرفين كم هي ماكرة؟"...

...لكن بيانكا، رغم صمتها، لم تُصدق تلك الكلمات....

...ليندسي لم تكن أبدًا ذلك النوع من الفتيات....

...إن كانت قد دخلت القصر أصلاً، فالفضل لها....

...فهي التي وجدتها تنهار عند بوابة القصر في ليلٍ قارس، حين أغلقوا عليها الأبواب....

...* * *...

...في الزاوية الأخرى، جلس كينيان يحدّق في راحة يده بصمتٍ عميق، كمن يحاول أن يفسّر ما لا يُفسّر....

...سأله أحدهم:...

...– "ألم تُشفَ بالكامل؟ تبدو شاردًا."...

...لكن "كينيان" لم يُجِب....

...وحين لاحظ الجميع توجّهه الصامت، رفع عينيه وسأل فجأة:...

...– "هل أنتم متأكدون أن ليندسي... لم تُفعّل قواها؟"...

...أزيث أومأ بثبات....

...كان يتأمّله، متسائلًا:...

...> "منذ متى يهتم هذا الرجل بوجودها؟"...

...لطالما تعامل معها كأنها هواء لا يُرى، كأنها ظل عارٍ على أرض نبيلة....

...– "غريبة."...

...– "لطالما كانت كذلك."...

...– "لا، ليس بهذه الطريقة. هناك شيء... آخر."...

...ظلّ يحدّق في كفّه كأن فيها أثرًا لمسةٍ لا تُمحى....

..."لا بدّ أنها فعلت شيئًا. سحرًا... أو خدعة. عليّ أن أراها مجددًا. عليّ أن أتأكد."...

...قالها، ثم نهض....

...– "سأعود حالًا."...

...* * *...

...في تلك اللحظة، كانت ليندسي تجمع أغراضها....

...صندوق صغير، بعض الملابس، قلب ممزق....

..."البقاء هنا لن يُغيّر شيئًا. يجب أن أعود إلى قصر كيسيون. إلى الجحيم."...

...لكنها لم تكن تُفكر في كيسيون وحده....

...كانت تفكّر في كوريا، في وطنٍ لا يحملها ذنبًا لم ترتكبه....

..."لا عائلة لدي هناك. لكن على الأقل... لم أكن عارًا."...

...تذكرت "بايك جيهيوك"، ذلك الرفيق الذي لم يحبّها، لكنه لم يخذلها....

...كان نقيًا، بطريقة تشبه النور....

...> "عليكِ أن تُثمّني نفسك أكثر."...

...همسه الذي لم يفارقها منذ ذلك اليوم....

...* * *...

...فتحت باب الغرفة، على الرغم من تحذير كينيان، فقط لتُفاجأ بامرأة تنتظرها كابتسامة خبيثة......

...سيلفيا راديان....

...كأس نبيذ في يدها، وكلمات أكثر مرارة من الخمر في لسانها....

...– "أخيرًا قررتِ المغادرة؟"...

...صمت....

...– "لماذا تظاهرتِ بأنكِ كاهنة؟ أردتِ رجلًا فاضلًا وأنتِ لا تصلحين حتى لخادمة!"...

...ردّت ليندسي بنبرة هادئة:...

...– "فكّري بما شئتِ."...

...أذهلتها....

...كانت تتوقّع دموعًا... خضوعًا... لا هذا الجمود الصلب....

...– "أنتِ تطردينني؟ لا... بل أنا من يُغادر."...

...حتى الخدم خلف سيلفيا تبادلوا النظرات....

..."هل... أصبحت مجنونة؟"...

...لكن ليندسي كانت ترى الأمر بوضوح:...

...– "سأطلّق ابنك. ولن تربطني بكِ أي صلة بعد الآن."...

...سيلفيا، وقد انفجر غيظها، سكبت كأس النبيذ على رأسها....

...قطرات حمراء......

...كأن الدم سال من جبهتها، لا النبيذ....

...لكن المفاجأة الحقيقية لم تكن هناك....

...بل حين نظرت ليندسي إلى إحدى الخادمات، ومدّت يدها:...

...– "أعطني الزجاجة."...

...ارتبكت الخادمة... لكن لم تستطع الرفض....

...وعندما أمسكتها......

...سكبت ليندسي الزجاجة بأكملها فوق رأسها... بنفسها....

...شهقة~...

...صمت....

...جميع من في الممر... توقّفوا....

...سيلفيا لم تصدّق ما ترى....

..."هذه المرأة... جُنّت."...

...لكن في عيني ليندسي، لم يكن هناك جنون....

...بل ولادة....

...كانت تولد من جديد، تخلع كل شيء... حتى النبيذ، وتغادر عارية من الماضي....

...حينها فقط، انطلق صوت من نهاية الرواق:...

...– "ما الذي يحدث هنا؟!"...

...كان كينيان... ونظراته تتجمّد على ليندسي....

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon