NovelToon NovelToon

أنا في علاقة سرية مع الإمبراطور لكنني لا أعلم ذلك

001

...ليس من المعتاد أن تكتشف مَن كنتَ في حياتك السابقة....

...ومع ذلك، حدثت تلك اللحظة الغريبة في يومٍ عاديٍّ تمامًا....

...على سبيل المثال، كنتُ في طريقي إلى العمل كموظفةٍ صغيرةٍ في وزارة المالية....

...أدركتُ ذلك أثناء غفوتي في عربةٍ مشتركةٍ متجهةٍ إلى القصر الإمبراطوري....

..."لقد وُلدتُ من جديدٍ في عالمِ رواية."...

...في اللحظة التي أدركتُ فيها حياتي السابقة، مرَّت أمامي سنواتي التي عشتُها على الأرض وكأنها عرض بانوراميٌّ¹ في ذهني....

...[ بانوراما: كلمةٌ تعني "رؤيةً شاملةً" وتأتي من اليونانية حيث تعني "كل منظر". تُستخدم في التصوير الفوتوغرافي للإشارة إلى صورة تلتقط مشهدًا واسعًا، وفي الفنون البصرية لوصف عرض فني يوفر مشهدًا متكاملاً. كما تُستخدم مجازًا للتعبير عن تدفُّق سريعٍ للذكريات أو الأحداث، مما يعطي إحساسًا بتجربةٍ شاملةٍ. ]¹...

...ثم اجتاحتني تفاصيل العالم الموجود في الرواية، العالم الذي أعيشُ فيه الآن، بوضوحٍ شديد....

..."سيقع الإمبراطور في حب البطلة أثناء علاقتهما التعاقدية، وسيتسبَّب ذلك في إثارة ضجةٍ في المجتمع الراقي، لكن هذا لا يهمني."...

...لم أشعر بالندم كثيرًا على حياتي الماضية، إذ لم يكن لديَّ عائلة أو أصدقاء مقربون....

...كان الأمر مجرد إضافة مجموعةٍ أخرى من الذكريات إلى عقلي....

..."من الغريب قليلًا أن يكون اسمي هو نفسه في كلتا الحياتين."...

...في حياتي السابقة كان اسمي "كوان لينا"، أما في هذه الحياة فاسمي "كارولينا"....

..."أتساءل عمَّا إذا كان اسم 'لينا' قد نُقِشَ على روحي."...

...كان هناك شيءٌ آخر مشتركٌ بين الحياتين: في كلتيهما كنت أشغل وظيفة حكومية....

..."طالما أنني لن أواجه الموت في سنٍّ مبكرةٍ بسبب الإرهاق تحت إدارة رئيسٍ مجنونٍ مرة أخرى، سأكون بخير."...

...في نهاية تلك الذكرى البانورامية، لمحتُ مكتب البلدية المألوف من حياتي السابقة، فبدأتُ أُصلي بصوتٍ منخفض....

...والأسوأ من ذلك أنني كنتُ قد وقعتُ بالفعل تحت رحمة "رئيس مجنون"....

..."أريد فقط أن أعيش حياةً طويلة."...

...في هذه الحياة، كنت أرغب بشدة في العمل بدون مشاكل، والتقاعد بسلام، وعيش حياةٍ هادئة....

...ومع ذلك، كان الإمبراطور، الذي أرهب القارة لما يقرب من عشر سنواتٍ في ساحة المعركة، يخطط قريبًا للعودة....

...كانت الوزارات في حالة تأهبٍ قصوى لوصول الرجل الذي كان غائبًا لفترةٍ طويلة، والذي قيل إنه سريع الغضب بشكلٍ لا يُصدق....

..."سمعتُ أنه يريد استلام تقارير العمل فور وصوله، والعمل يتراكم بشكلٍ رهيب."...

...بينما كنت أعاني من الخوف من الموت بسبب الإرهاق، وصلت العربة إلى مبنى وزارة المالية....

...ألقيتُ تحية على السائق، وتوجهتُ إلى المكتب بخطواتٍ مُترددة....

..."كم الساعة؟"...

...بمجرد أن فتحتُ الباب، استقبلني الصوت الحاد لرئيسي المجنون....

..."إنها الثامنة وعشر دقائق، يا دونوفان."...

...تحققتُ من الساعة بلا مبالاة وأجبتُ....

...عادةً، كان هذا الشخص يبدأ بالانتقاد فورًا، رغم أنني وصلتُ أبكر بكثير من وقت الدوام الرسمي. ومع ذلك، كان سيعلق بأنني تأخرتُ، ويخبرني كيف كان يصل للعمل قبل ساعتين عندما كان موظفًا جديدًا....

...لكن اليوم كان هناك شيء مختلفٌ قليلاً يُثير غضب دونوفان....

..."ماذا؟ دونوفان؟"...

...رئيسي، دونوفان، كان فخورًا للغاية بحقيقة أنه تمكّن من إدراج اسمه في نهاية سجل النبلاء....

...ورغم أنه في المكاتب الحكومية، تكون المناصب أكثر أهمية من الألقاب، فلم تكن هناك حاجة لاستخدام ألقاب النبلاء....

..."ليس وكأنه يطلب مني أن أدعوه 'أبي' أو شيئًا من هذا القبيل."...

..."سيدي."...

...أضفتُ اللقب الرسمي بلا مبالاة....

...عندها فقط، بدأ وجه دونوفان يرتخي قليلًا....

..."أنا لستُ متسلطًا لهذه الدرجة، كما تعلمين."...

...يبدو أن هناك قاعدة غير مكتوبة بأن من يدّعي أنه ليس متسلطًا يجب أن يبدأ حديثه بهذه الطريقة....

..."بغض النظر عن أن قانون القصر الإمبراطوري يُعطي الأولوية للمنصب على اللقب، فإن الحقيقة تبقى أن هناك فرقًا بين عامة الشعب والنبلاء لا يمكن إنكاره، ألا تعتقدين ذلك؟"...

...ألقى دونوفان نظرة إليَّ وكأنه يبحث عن إشارة تأكيد....

..."إن أردنا التحدث بدقة، فأنا من العامة أيضًا."...

...كان والدي أيضًا بارونًا مثل دونوفان، لكن لقب البارون لا يُورث....

...لذا، في الأساس، كنتُ من العامة، ولكن والدي كان نبيلًا....

..."ومع ذلك، بفضل ارتباطي البسيط بالمجتمع النبيل، يمنحني ذلك وضعًا أفضل مقارنة بمعظم عامة الشعب الآخرين."...

...لكن الوقت والمكان لم يكونا مناسبين لذكر ذلك، فاكتفيتُ بالرد بشكل غير مبالٍ....

..."نعم، ربما."...

...بدا دونوفان راضيًا بعض الشيء حتى مع ردي غير المبالي، واستمر في شكاواه....

..."لكن كيف يمكنهم ترقية رايتشل بدلاً مني؟ إنها مجرد من العامة، لا شيء أكثر!"...

...بدأت أفهم سبب غضب دونوفان اليوم بشكل خاص....

..."يبدو أن إعلان الترقية قد صدر للتو."...

...لم تكن علاقة رايتشل، رئيسة القسم المجاور، جيدة مع دونوفان....

..."حققت رايتشل نجاحها بقدراتها الذاتية، بينما دونوفان بالكاد احتفظ بمنصبه بفضل علاقات عائلته."...

...ربما أدرك دونوفان أنني كنتُ أشيد سرًا بعدالة قسم الموارد البشرية في القصر الإمبراطوري، أو ربما استاء لأنني لم أنضم إليه في انتقاد رايتشل....

...حافظ دونوفان على هدوئه حتى تلك اللحظة، ثم احمر وجهه فجأة وصرخ:...

..."ما هذا التعبير؟ هل تعتقدين حقًا أن رايتشل تستحق الترقية؟"...

..."بالطبع لا، كيف يمكنني؟"...

...ونظرًا لحساسية الموقف، أجبرت نفسي على الحفاظ على تعبير محايد ونفيت التهمة....

..."بالطبع لا! أنتِ تنحازين لها لأنكِ من العامة أيضًا. إنها غلطتي لأنني ظننتُ أن تربيتكِ في عائلة نبيلة ستعطيكِ بعض العقلانية."...

...وبعد سيلٍ من الاتهامات، غادر دونوفان غاضبًا بينما بدأ الموظفون الآخرون بالوصول....

...عندما رأت كوني دونوفان يغادر بوجه غاضب، اقتربت مني بحذر....

..."ما الذي يزعجه هذه المرة؟"...

..."لأنه لم يحصل على ترقية."...

...على الرغم من أنني لم أكن مستاءة بشكل خاص، إلا أن التعامل مع غضب دونوفان غير المبرر، بعد كل الصدمة المتعلقة بحياتي السابقة، جعلني أشعر بالإحباط....

...وبعد إجابتي المقتضبة على سؤال كوني، تظاهرت بالانشغال بعملي....

...بدا أن كوني أرادت طرح المزيد من الأسئلة، لكنها لم تحاول إيقافي....

...ربما لأن بداية يومي كانت سيئة للغاية، لم أستطع التركيز على العمل كما يجب. حتى المهام البسيطة التي عادة ما أنجزها بسرعة، بدت اليوم معقدة للغاية....

..."تماسكي. فقط تحمّلي هذا اليوم، ثم ستأتي عطلة نهاية الأسبوع."...

...حاولتُ استعادة تركيزي، لكن دون جدوى....

..."هل جُننتِ؟ الحسابات خاطئة!"...

...دونوفان، الذي اكتشف خطأً في المستندات التي قدمتها، انتهز الفرصة ليوبخني أمام الجميع....

...طارت المستندات باتجاهي....

...رغم أنني كنتُ أكثر حذرًا اليوم، إلا أن هذا الخطأ فاتني. لقد أدخلت رقمًا واحدًا بشكل خاطئ أثناء الحساب....

..."ألا تدركين مدى أهمية البيانات الضريبية الأولية الواردة من كل مقاطعة؟ إنها الأساس للتقرير الذي سنقدمه لجلالة الإمبراطور!"...

...حقيقة أن الخطأ كان بسيطًا، فقد نقلت رقمًا واحدًا بشكل خاطئ خلال عملية الحساب، لم تكن ذات أهمية....

...وحقيقة أن هناك جهازًا سحريًا كان سيكتشف أي أخطاء لاحقًا قبل التقديم، لم تكن مهمة أيضًا....

...ما كان يهم هو أن دونوفان، في حالته المزاجية السيئة، اكتشف خطئي قبل أن يصل إلى عملية المراجعة النهائية....

...وبما أن الخطأ كان مني، تحملتُ بصمتٍ توبيخ دونوفان الذي كان أقرب إلى التنفيس عن غضبه....

...عندما عدتُ إلى مكتبي، سلمتني كوني ملاحظة، محاولةً تجنب لفت انتباه دونوفان....

...نصف الملاحظة كان مليئًا بالإهانات تجاه دونوفان، مكتوبة بالرموز السرية التي يستخدمها موظفو وزارة المالية....

...أما النصف الآخر فكان اقتراحًا بالذهاب إلى الحانة بعد العمل لتخفيف التوتر....

..."موافقة."...

...أشرتُ بيدي إلى كوني بحركة دائرية علامة على الموافقة....

...ربما لأنني كنت أفكر في الجعة الباردة التي تنتظرني، أصبح تحمل بقية اليوم أسهل قليلاً....

...وبعد ساعاتٍ قليلة، دقّت أجراس القصر مُعلنةً نهاية دوام الموظفين....

...غادرتُ المكتبَ بسرعةٍ، مؤجِّلةً المهامَ المتبقيةَ للأسبوع المقبل....

...بمجردِ خروجي من مبنى وزارة المالية، شعرتُ وكأنَّ ثقلًا قد أُزيحَ عن كتفي....

..."سأفكرُ في أعمال الأسبوع المقبل عندما يأتي."...

...انتقلتُ إلى مكانٍ مظلّلٍ تحتَ شجرة، حيثُ لن يراني زملائي بسهولةٍ، منتظرةً كوني....

...كان هذا مكانَنا المعتادَ للاجتماعِ لتجنّب رفقةٍ غير مرغوبةٍ عندما نذهبُ إلى الحانة بعد العمل....

...انتظرتُ حوالي عشر دقائق، لكن كوني لم تظهرْ....

..."حسنًا، ربما غادرتُ مبكرًا."...

...مرّت عشر دقائق أخرى....

..."هل حدث شيءٌ ما؟"...

...بدأتُ أشعرُ بالقلقِ....

...عندما كنتُ على وشكِ العودةِ إلى المكتب، لاحظتُ شخصًا يقتربُ من بعيد....

..."مرحبًا، كارولينا؟"...

...لكن الشخصَ الذي اقتربَ لم يكن كوني....

..."لقد مرَّ وقتٌ طويل، هيذر. كيف حالكِ؟"...

...كانت هيذر صديقةَ طفولةِ كوني، لذا على الرغم من أننا عملنا في أقسامٍ مختلفة، كنا نعرفُ بعضنا البعض....

...بعد تبادل التحيات، ابتسمتْ هيذر بلطفٍ وقدمتْ لي ورقةً مجعدة....

..."أنا بخير. أوه، هذه لكِ. كوني طلبت مني أن أوصلها لكِ."...

...عندما فتحتُها، وجدتُ كلمات مكتوبةً على عجل: "حصلَ أمر طارئ، لذا لا أستطيعُ مغادرة العمل. دعينا نؤجل شرب الجعة إلى وقتٍ لاحق."...

..."يا إلهي، تعملُ في وقت إضافي في مساء جمعة."...

..."نعم."...

...وافقتني هيذر الرأي....

..."يبدو أنها كانت على وشك المغادرة، لكن دونوفان أمسكَ بها. لقد أعطاها وقتًا عصيبًا بسبب شيءٍ تافه، وطلب منها إعادة كل شيء وتسليمه فورًا."...

...'مسكينة كوني.'...

...يبدو أنها أصبحت الهدفَ التالي لدونوفان....

..."كوني طلبت مني أيضًا أن أعتذرَ لكِ."...

...بعد أن أوصلتِ الرسالة، غادرتْ هيذر....

...'ماذا أفعلُ الآن؟'...

...في العادة، كنتُ سأعودُ إلى المنزل بمجرد إلغاء الموعد، لكن......

...اليومَ كنتُ متوترةً جدًّا لدرجة أنني رغبتُ بشدةٍ في شرب جعة باردة....

..."سأذهب بمفردي إذًا."...

...الحانة التي خططتُ أنا وكوني للذهاب إليها كانت قريبةً من القصر الإمبراطوري، لذا كانت المنطقة آمنةً....

...كان مساء أوائل الصيف مثاليًّا لنزهةٍ هادئة....

...توجهتُ ببطءٍ نحو شارع ريكل....

...يبدو أن سوقًا ليليًا قد أُقيمَ اليوم بمناسبة الانتصار، حيث كان الباعة يُنادون بصوتٍ عالٍ لعرض بضائعهم منذ بداية الشارع....

...وكانت أنظار المارة تتجه نحو الباعة الذين يصرخون بأعلى صوتٍ للترويج لمنتجاتهم....

...لكن عيني اتجهتا نحو فتاة صغيرة تبيع الزهور في الجوار....

...بدت خجولة، تتردد عدة مرات قبل أن تحاول الاقتراب من المارة....

...'حان الوقت لتجديد الزهور في مزهريتي على أي حال.'...

...عندما اقتربتُ من بائعة الزهور، أضاء وجهها....

...بادلتها الابتسامة واشتريتُ باقة من زهور الفريزيا....

..."من الصعب العثور على زهور الفريزيا في هذا الوقت من العام."...

...وبينما كنتُ ألمس البتلات بلطف في تعجب، شرحت الفتاة التي كانت تلف الفريزيا بيد ماهرة إلى حد ما بصوت خجول....

..."هذه الزهور من العاصمة الشمالية. موسم الإزهار هناك يتأخر قليلًا. هذه آخر باقة، لأنها نهاية الربيع في الشمال."...

...قدمت لي الفتاة الباقة بابتسامة خجولة....

...أثناء استلامي للباقة واستنشاقي رائحة الفريزيا، اقترب رجل يرتدي قلنسوة من بائعة الزهور....

..."هل لديكِ أي فريزيا متبقية؟"...

..."آسفة، لقد اشترت الزبونة للتو آخر باقة."...

...التفتت نظرات الطفلة المضطربة إليَّ....

...تبعت نظرات الرجل نظرات الطفلة والتفت إليَّ....

...امتلأت رؤيتي بوجه الرجل الذي بالكاد كان يظهر منه خط الفك السفلي....

...'واو، إنه وسيم.'...

...(\ (\ ...

... („• ֊ •„) ♡ ...

...━━━━━━O━O━━━━━━...

...ترجمة : اوهانا ...

...انستا : Ohan.a505...

...الواتباد : Ohan__a505...

002

بدت ملامحُ الرجل كتحفةٍ فنيَّةٍ أبدعها فنَّانٌ عبقريٌّ كرَّس حياته بأكملها لنحتها. كان شعره الأسود المصفَّف بعنايةٍ يُغطِّي نصف جبينه، وبشرته البيضاء النقيَّة أشبه بالرخام المصقول. حاجباه الكثيفان وأنفه المنحوت بدقَّةٍ بدَوا وكأنهما نُحتا بعنايةٍ فائقة. شفتاه الحمراوان اللامعتان أضفتا جاذبيَّةً خاصَّةً، وكأنَّهما اللمسة الأخيرة التي تبثُّ الحياة في تمثالٍ صامت.

لكنَّ ما شدَّني حقًّا عيناه؛ فقد أضفى امتدادهما الأفقيُّ عُمقًا مميَّزًا على وجهه، بينما كان بريق قزحيَّتيه الذهبيَّتين يتلألأ في ضوءٍ سحريٍّ، ممَّا أضفى لمسةً من الغموض الآسر. كانت عيناه تُضفيان على وجهه الجميل، الذي بدا في أوائل العشرينات من عمره، مزيجًا من الجاذبيَّة والنضج.

العينان الذهبيَّتان، المتوهِّجتان بخفوتٍ كجمرٍ خامدٍ تحت الأضواء المُحمَّرة للسوق الليليِّ، أسرتاني تمامًا. بقيت لوهلةٍ أحدِّق فيهما، وكأنَّني تحت تأثير سحرٍ لا يُقاوم.

استمرَّ التحديق بيننا لوهلةٍ بدت طويلةً على نحوٍ غير لائق، إلى أن انقطع حينما سأل الرجل البائعة الصغيرة عن مكانٍ آخر يمكنه شراء زهرة الفريزيا منه.

"ألا يوجد بائع آخر يبيع الفريزيا؟" كانت في صوته نبرة استعجالٍ، وكأنَّه بحاجةٍ ماسَّةٍ للزهور.

"عذرًا..." ناديت عليه بصوتٍ خافت.

اتَّجهت نظرةُ الرجل نحوي مرَّةً أخرى.

قدَّمت له باقة الفريزيا.

"لا أعلم سبب حاجتك لهذه الزهور، ولكن يبدو أنَّك بحاجةٍ إليها أكثر مني."

حدَّق الرجل في باقة الزهور التي قدَّمتها له لبضع ثوانٍ قبل أن يقبلها بحذر.

"سأكافئكِ."

أهو نبيل؟ إنَّه يتحدَّث معي بطريقةٍ غير رسميَّة، وكأنَّه معتاد على السُّلطة.

لم يُعجبني أسلوب حديثه، إلَّا أنَّني شعرت أنَّ نيَّته كانت طيِّبة.

هززت كتفي بشكلٍ غير مبالٍ وقلت: "إذن، اشترِ لي بعض الزهور الأخرى لأضعها في مزهريتي بدلًا من الفريزيا."

لم يكن لدي نيَّةٌ في المطالبة بمكافأةٍ كبيرةٍ مقابل باقةٍ بسيطةٍ من الزهور.

"هل سيكون ذلك كافيًا؟" سأل وكأنَّه يُشجِّعني على طلب شيءٍ آخر.

"باقة زهورٍ واحدةٍ تكفيني."

عندما ابتسمت، طلب الرجل من الطفلة تغليف جميع الزهور المتبقِّية.

"لا أحتاج إلى كلِّ هذه الزهور."

ولكن عندما رأيت السعادة على وجه البائعة الصغيرة وهي تحظى بمكسبٍ غير متوقَّع، لم أجد في نفسي الرغبة في الاعتراض.

'يبدو أنَّ هذا كافٍ.'

شكرت الرجل، وانتظرت بهدوءٍ حتَّى انتهت الطفلة من تغليف الزهور.

"تفضَّلي، سأضعها في سلةٍ لتسهيل حملها."

وضعت الطفلة باقات الزهور المغلَّفة في سلة، ربما كانت التي أحضرتها لبيع الزهور في السوق الليلي.

"شكرًا لكِ."

كانت السلة ثقيلةً بشكلٍ مفاجئٍ عندما حملتها.

بعد أن دفع الرجل ثمن الزهور، أومأ لي برأسه مجدَّدًا ثمَّ اختفى بين الحشود.

'إنَّه بارد. نبرة حديثه صارمة تُذكِّرني بالجنود.'

راقبتُ ظهر الرجل وهو يبتعد بسرعةٍ للحظةٍ قصيرة.

"عليَّ الإسراع قبل أن تُغلق الحانة."

حملت سلة الزهور الثقيلة، وتوجَّهت نحو الحانة.

* * *

[بسببِ مرضِ ابنتي، سنتوقَّف عن العمل لفترةٍ مؤقَّتة.]

"يا إلهي، لا شيء يسير كما خطَّطتُ اليوم."

تنفَّستُ الصعداء وأنا أقرأ اللافتة المُعلَّقة على باب الحانة. قبضتُ على يديَّ المرتجفتين من الإحباط، وتمنَّيت الشفاء العاجل للطِّفلة، ثمَّ استدرت بخطواتٍ بطيئة.

'يبدو أنني سأعود إلى المنزل.'

لم تكن لديَّ أيُّ رغبةٍ في البحث عن حانةٍ أخرى.

"ربما يكون من الأفضل أن أنام مبكرًا."

كان منزلي بعيدًا قليلاً عن شارع ريكيل، لكن بالإمكان الوصول إليه سيرًا على الأقدام.

'على أيِّ حال، لن أتمكَّن من العثور على عربةٍ مشتركة.'

شققت طريقي بين الحشود المكتظَّة في الشوارع متَّجهةً نحو المنزل.

عندما وصلتُ إلى بداية شارع إندار، حيث أعيش، لاحظت أنَّ الحشود قد تقلَّصت بشكلٍ كبير.

'من النادر أن يزور أحدٌ الحديقة العامَّة في مثل هذه الأوقات.'

كان شارع إندار يضمُّ في معظمه حديقة غريزيل، إضافةً إلى بعض المنازل المتواضعة، ممَّا جعله بعيدًا قليلًا عن ضوضاء الاحتفالات.

بدأ المنزل ذو السقف الأخضر، الذي أستأجر فيه غرفة، يظهر أمامي من بعيد.

"أوَّل ما سأفعله هو الاستحمام فور دخولي…"

كان الإيجار رخيصًا جزئيًّا بسبب إطلالته على الحديقة، وأيضًا لأنَّ المياه كانت تتدفَّق ببطءٍ إذا قرَّر المستأجرون الآخرون الاستحمام في نفس الوقت.

بينما كنتُ أنظر إلى ساعتي لأتحقَّق من أوقات عودة باقي المستأجرين، لاحظتُ رجلاً مألوفًا يخرج من الزقاق المجاور.

"أليس هذا الرجل الذي كان يبحث عن الفريزيا؟"

كان نفس الرجل الذي قابلتُه سابقًا عند بائعة الزهور.

"يبدو أنَّه كان في طريقه إلى حديقة غريزيل."

كان يحمل باقة زهور الفريزيا وصندوقًا مُغلَّفًا من متجر الألعاب.

بينما كنتُ في الحانة وأضعتُ وقتي دون فائدة، كان الرجل قد مرَّ على متجر الألعاب، ووصلنا إلى هنا في نفس الوقت تقريبًا.

"لكنَّه يتجه في الاتجاه الخاطئ."

كان الرجل يسير نحو البوَّابة الرئيسية لحديقة غريزيل، التي كانت مُغلقةً بسبب أعمال الصيانة.

'سيهدر وقته إذا ذهب إلى هناك.'

كانت حديقة غريزيل ضخمةً لدرجة أنَّ الذهاب إلى البوَّابة الرئيسية ثمَّ العودة إلى البوابة الغربية المؤقتة سيستغرق وقتًا طويلًا.

"ولم يتبقَّ الكثير من الوقت قبل إغلاق الحديقة."

لم أرغب في أن يهدر وقته، خاصَّة بعد أن تخلَّيت له عن باقة الزهور.

'يبدو أنَّني سأتدخَّل مرَّةً أخرى.'

أثناء تفكيري، اقتربت المسافة بيننا أكثر.

"عذرًا!"

ركضتُ نحوه ولمستُ طرف معطفه بحذر.

أو على الأقل، كنتُ على وشك أن أفعل ذلك.

لكن في اللحظة التي اقتربتُ فيها يدي من ذراعه، أمسك الرجل بمعصمي.

"آه!"

تجمَّدت في مكاني، مذعورةً من قبضته القويَّة.

شعرتُ كأنَّني ضفدعٌ محاصرٌ أمام أفعى، عاجزةً عن الحركة.

"أنتِ…"

بعد لحظةٍ قصيرة، تعرَّف الرجل على وجهي وأطلق سراح معصمي.

وأنا أفرك معصمي الذي أمسكه، لم أستطع إلَّا أن أفكِّر، "هذا كان مؤلمًا أكثر ممَّا توقَّعت."

لم يبدُ أنَّه استخدم الكثير من القوَّة، ومع ذلك أصبح معصمي أحمرَ وعليه آثار يده.

'من المحتمل أن تظهر كدمة.'

بما أنَّني كنت الشخص الذي أمسكه أوَّلًا، لم أستطع لومه. بابتسامةٍ صغيرة، أنزلتُ كُمَّ قميصي لتغطية معصمي.

"لقد التقينا في وقتٍ سابق في شارع ريكيل، هل تذكر؟"

على الرغم من أنَّ كلماتي جعلتني أبدو مُتطفِّلة، إلَّا أنَّني شعرت بأنَّ الصمت قد يزيد من غرابة الموقف.

نظر الرجل إلى معصمي ثمَّ قال: "لقد تنازلتِ عن باقة الفريزيا لي."

لحسن الحظ، كان الرجل متعاونًا جدًّا في المحادثة.

* * *

كان إدوين يتفحَّص معصم لينا عن كثبٍ، الذي بدا وكأنَّه سيُصاب بكدمةٍ قريبًا.

"لقد بالغتُ في ردِّ فعلي."

لَوَّم إدوين نفسه للحظة. الحرب التي خاضها فور أن أصبح إمبراطورًا انتهت بعد ثماني سنوات، بانتصار إمبراطورية ريجينسيا.

لم يعد هناك حاجةٌ للعيش في حالةٍ من الشكِّ المستمرِّ والحذر الدائم، لكن العادات المتأصِّلة لا تزول بسهولة.

لحظة شعوره بشخصٍ ما في زاويته العمياء، تصرَّف بغريزة، وكأنَّه يتعامل مع قاتل.

بمجرد أن أمسك بمعصم المرأة، أدرك أنَّه لم يكن معصمًا لامرأةٍ تحمل سيفًا، بل كان يحمل قلمًا.

بمجرد أن أدرك أنَّها لم تكن عدوَّة، خفَّف قبضته، ولكن الأوان كان قد فات.

'تلك المرأة التي أعطتني الفريزيا؟'

تعرَّف إدوين على المرأة على الفور. تذكَّر كيف كانت تُحدِّق في وجهه كما لو كانت مسحورة.

كانت تفرك معصمها، على الأرجح من الألم. على الرغم من أنَّه خفَّف من قبضته في منتصف الحركة، إلَّا أنَّه كان يعلم أنَّه يمكنه كسر العظام بيديه العاريتين. كان قلقًا من أنَّه ربما تسبَّب لها في إصابةٍ خطيرة. فهي لم تكن جنديةً معادية، ولا واحدةً من فرسانه الأقوياء القادرين على تحمُّل مثل هذه المعاملة القاسية.

في الواقع، كانت شخصًا من المفترض أن يحميه، وليس يؤذيه.

بينما كان إدوين يُفكِّر في كيفية تعويضها، أنزلت المرأة كُمَّها لتُغطِّي معصمها وسألت، "لقد التقينا في وقتٍ سابق في شارع ريكيل، هل تذكر؟"

"لقد تنازلتِ عن باقة الفريزيا لي."

أجاب إدوين بلا مبالاة، وابتسمت المرأة قليلًا كما لو كانت مرتاحة، ثمَّ ألقت نظرةً خاطفة على وجهه.

"ليس بالأمر المهم حقًّا، لكن... هل كنت في طريقك إلى حديقة غريزيل؟"

الطريقة التي خمَّنت بها وجهته بدقة جعلت إدوين يُضيِّق عينيه.

في الوقت الذي صعد فيه إلى العرش لأول مرَّة، لم يكن مظهره قد نضج بعد، وكان جماله أقرب إلى الجمال الأنثوي. هذا المظهر جعله هدفًا سهلًا للسخرية من أعدائه في ساحة المعركة.

كونه صغيرًا، وعدم رغبته في خفض معنويات جيشه، كان يُقاتل في الخطوط الأمامية، وكان أكثر قسوةً ووحشيَّةً من أيِّ شخصٍ آخر.

لكنَّها كانت مهمة مرهقة.

لهذا السبب، لم يكن إدوين يُحب الأشخاص الذين يتقرَّبون منه بناءً على مظهره فقط.

بدأ إدوين في موازنة لطف المرأة مع انزعاجه.

"إذا واصلت السير في هذا الاتجاه، ستصل فقط إلى البوَّابة الرئيسيَّة لحديقة غريزيل."

لاحظت المرأة انزعاجه، فأضافت على عجل:

"أوقفتك لأخبرك بأنَّ المدخل تحت الصيانة."

صوتها تضاءل تدريجيًّا في نهاية الجملة، وتوجَّه نظرها، الذي كان يُحدِّق في وجهه، إلى الأسفل.

"إذا كنت تُخطِّط للذهاب إلى حديقة غريزيل، فستحتاج إلى استخدام البوَّابة الغربيَّة."

مالت كفَّة الميزان في عقل إدوين لصالح المرأة بفضل هذا اللطف الإضافي.

"شكرًا."

عندما قدَّم إدوين شكره المقتضب، لوَّحت المرأة بيدها وكأنَّ الأمر لا يستحقُّ الشكر.

"ليس بالأمر الكبير، هذا كلُّ ما أردتُ قوله، سأذهب الآن."

ثمَّ انحنت قليلًا، وحملت سلة الزهور التي كانت قد وضعتها على الأرض. كانت تستعدُّ للرحيل بسرعة، ربما لأنَّ الحديث أصبح مُحرجًا بعض الشيء بالنسبة لها.

"انتظري لحظة."

اعترض إدوين طريقها.

"معصمكِ."

"معصمي؟"

"دعيني أراه."

عندما أشار إدوين بذقنه، أخفت المرأة إحدى يديها خلف ظهرها.

"إنَّه بخير."

"هل تُريدين أن تجعلي مني شخصًا همجيًّا؟"

بعد إلحاحه مجددًا، مدَّت المرأة معصمها بتردُّد.

لم يبدُ أنَّه تعرَّض للكسر، لحسن الحظ.

"توجَّهي إلى المعبد عند الفجر. اذكري اسم إيفريت روهاس عندما تصلين إلى هناك، وسيتمُّ الاعتناء بكِ."

بعد أن أعطاها اسم مساعده، استدار إدوين ليغادر.

لم يكن يعلم حينها أنَّ المرأة ستعتقد أنَّ اسمه هو إيفريت روهاس، أو ما هي العواقب التي سيتسبَّب بها هذا الفهم الخاطئ.

(\ (\

(„• ֊ •„) ♡

━━━━━━O━O━━━━━━

تعبت وانا أعمل الفصل

الي يشاهد وما يصوت رح اظهر له في كوابيسه 💀

ترجمة : اوهانا

انستا : Ohan.a505

الواتباد : Ohan__a505

003

"آه..."

بعد وصولي مبكرًا إلى المكتب وقضائي الصباح بأكمله في إعداد التقارير، شعرتُ بتصلُّبٍ في معصمي. حرَّكتُ معصمي بخفةٍ ومدَّدتُه لتخفيف التوتر.

عندما انزلق كُمُّ ملابسي الطويل قليلًا، وقع نظري على معصمي.

"لقد تحسَّن كثيرًا الآن،" فكَّرت.

كانت الكدمة، التي كانت في السابق ذات لونٍ أرجواني غامق، قد بهتت كثيرًا حتى أصبحت مائلةً إلى اللون الأصفر.

"من الجيِّد أنني لم أذهب إلى المعبد."

كانت الإصابة في معصم يدي اليمنى تُسبِّب لي بعض المعاناة، لكن الوقت كان كفيلًا بعلاجها.

"المرهم كان كافيًا لذلك."

سحبتُ الكُمَّ إلى أسفل مجددًا وأمسكتُ بالقلم مرَّةً أخرى.

"الذهاب إلى المعبد لأمر بسيط كهذا؟"

لم أستطع إلا أن أسخر من "إيفريت روهاس".

حتى وإن لم تكن الأموال أموالي، بدا الأمر مُبالغةً لا داعي لها.

في المعبد، يتقاضون نفس التبرُّع سواء أكانت الإصابة طفيفةً أم خطيرة.

وكان ذلك لمنع الأشخاص الذين يُعانون إصاباتٍ بسيطة، والتي يُمكن علاجها بالأدوية أو على يد الأطباء العاديين، من الذهاب إلى المعبد. أو ربما كان الأمر مجرد وسيلةٍ لاستخلاص المال من النبلاء الذين يُفرطون في استخدام خدمات المعبد.

"لا يمكنني إنفاق مبلغٍ يُعادل نصف راتبي السنوي فقط لعلاج كدمة على معصمي."

يمكن لمرهمٍ سعره أربع فضياتٍ أن يشفي الأمر خلال بضعة أيَّام، فلماذا أنفق 200 قطعة ذهبية؟

هززتُ رأسي بتأييدٍ لفكرتي وعدتُ للتركيز على المهمة التي بين يدي.

في الواقع، لم يكن لدي رفاهية تضييع الوقت في هذه الأفكار الجانبية. بحلول نهاية اليوم، كان عليَّ إنهاء مراجعة سجلات الضرائب لثماني سنوات في سبع مناطق مختلفة.

"ربما تبقَّى اثنان فقط؟"

حتى بعد إنهاء ذلك، كان هناك جبلٌ آخر من العمل ينتظرني، وهذا مجرد البداية. مع عودة الإمبراطور بعد غيابٍ دام ثماني سنواتٍ منذ تتويجه ومغادرته إلى ميدان المعركة، صدرت أوامر لكل الإدارات بإعداد تقاريرها مُسبقًا.

"كم من الأيَّام تبقَّت حتى عودة الإمبراطور؟"

حوالي ثلاثة أو أربعة أيام، حسب تقديري، لكن عقلي المُنهك لم يكن يكترث بحساب التاريخ بالضبط.

"يا لها من معاناةٍ لا تنتهي."

بغضِّ النظر عن مدى وصف الناس للإمبراطور بأنَّه طاغية يعشق الحروب ويعامل حياة البشر كأنها بلا قيمة، كان من غير المُحتمل أن يصل غضبه إلى شخصٍ منخفض المرتبة مثلي.

بالنسبة لشخصٍ في موقعي، كانت الخطة بسيطة: خفض الرأس، التزام الصمت، والتحمُّل حتى تهدأ الأمور. أما من هم في المناصب العليا، فلم يكن لديهم هذه الرفاهية.

"الضغط عليهم جعلهم يُفرغون غضبهم على الآخرين."

بسبب الحالة المزاجيَّة القلقة لرؤسائي، كان جميع العاملين في القصر في حالة استنفارٍ قصوى، ولم تكن وزارة الماليَّة استثناءً.

"لا بدَّ أن الإمبراطور كان يتلقَّى تقارير عن القضايا المهمَّة حتى وهو في ساحة المعركة."

مع ذلك، كانت التقارير المُرسلة إلى الإمبراطور مصقولةً ومنقَّحة، مما يعني أن بعض التفاصيل الصغيرة قد تُغفل. وبطبيعة الحال، عندما يغيب السيِّد لفترةٍ طويلة، يميل المرؤوسون إلى التراخي.

الإمبراطور الحالي، الذي استولى على العرش بعد قتل الإمبراطور السابق وأفراد العائلة المالكة، كان يتمتَّع بسمعةٍ مخيفة. لكن حتى هذه الصورة المرعبة قد تلاشت بعد ثماني سنوات.

علاوة على ذلك، العديد من المسؤولين الحاليين، الذين تم تعيينهم خلال غياب الإمبراطور، لم يروه أبدًا.

"بالتأكيد، كانت هناك شائعات مُستمرَّة مثل القضاء على مملكة بأكملها أو التخلُّص من جميع أفراد العائلة المالكة في إحدى الدول، لكنها بدت كأحاديث بعيدة المنال."

الخوف غالبًا ما يتلاشى عندما لا يكون هناك وجود مرئي له.

"لكن الآن سيصبح ظاهرًا للجميع."

مع عزم الإمبراطور على فحص كلِّ ما حدث أثناء غيابه، من الطبيعي أن يشعر الجميع بالتوتر.

حتى أنا، الذي أفتخر بعيش حياةٍ نظيفةٍ ونزيهة، شعرت بالقلق، متسائلًا إذا كنت قد ارتكبت أيَّ خطأ صغير.

"أُراهن أن ذلك الرجل أكثر قلقًا."

تنهدت وأنا أُلقي نظرة على دونوفان، الذي كان يصرخ على كوني بالقرب مني. كان دونوفان في هذه الحالة الهستيريَّة منذ إعلان خبر عودة الإمبراطور.

بينما كان معظم المسؤولين رفيعي المستوى يبدون متوترين بشكلٍ واضح، كان سلوك دونوفان في مستوى آخر تمامًا.

"لا بدَّ أنَّه فعل شيئًا مشبوهًا."

هززتُ كتفي بخفَّةٍ لتخفيف التوتر، محاولًا كبح أحكامي النهائيَّة.

رغم أنَّ دونوفان بدا وكأنَّه تجسيد لموظَّفٍ فاسد، ذكَّرت نفسي بعدم الشكِّ في الناس دون دليل.

لكن مع ردود فعله المُتزايدة حدَّة، لم أستطع منع نفسي من التساؤل.

"إنَّه من النوع الذي يتظاهر بالقوَّة، لكنه جبانٌ جدًا لتنفيذ أيِّ شيءٍ كبير."

تصرفه المذعور بهذا الشكل لن يؤدِّي إلا إلى جعله يبدو أكثر إثارةً للريبة.

وبالطبع، الإمبراطور لا يهتم بحجم الخطأ عند معاقبة أحد.

بناءً على ما قرأتُه في القصة الأصليَّة، كان الإمبراطور، قبل أن يتغيَّر بفضل البطلة، مثالًا للطاغية المثالي في روايات الرومانسيَّة الخياليَّة.

"لا يرحم على الإطلاق، سواء مع العامة أو النبلاء."

وبما أنَّ دونوفان كان يعمل في وزارة الماليَّة منذ عهد الإمبراطور السابق، فمن الطبيعي أنَّه يعرف طبيعة الإمبراطور الحقيقيَّة.

"وهذا يُفسِّر ذعره."

كنت الآن مُقتنعًا تقريبًا بأنَّ دونوفان يُخفي شيئًا.

صراخه العالي كان يُسبِّب إزعاجًا للجميع في المكتب، وجذب إليه نظرات استياءٍ من زملائه.

"كم مرَّة قلت إنَّ الأمر عاجل؟ ولم ينتهِ بعد؟"

"لقد طلبت ذلك بالأمس فقط، والعمل يستغرق أسبوعًا."

مهما حاولت الاستعجال، هناك حدود لما يمكن تسريعه.

"سينتهي قريبًا."

ردَّت كوني على دونوفان بنبرةٍ مكبوحة.

في البداية، كانت كوني تتعامل مع دونوفان بابتسامةٍ مهنيَّة، نتيجةً لخبرتها في التعاملات الاجتماعية، لكن صبرها وصل إلى نهايته.

من المؤكد أنَّه لو لم يقترب دونوفان من كوني كلَّ ساعةٍ ليُضايقها، لكانت قد أنجزت المهمة بشكلٍ أسرع قليلًا.

"كم مرَّةً سأسمع كلمة قريبًا؟ تِسك."

استمرَّ دونوفان في مضايقة كوني حتى النهاية، قبل أن يغادر أخيرًا.

بمجرد أن خرج دونوفان من المكتب تمامًا، انهارت كوني على كرسيها.

على الرغم من أنَّ صوتها لم يُسمَع، إلا أنَّ حركات شفتيها كانت واضحة لأيِّ شخصٍ يتحدَّث لغتها الأم.

كان اسم دونوفان يتخلَّل سلسلةً من الكلمات البذيئة للغاية.

تجاهل الجميع في المكتب تنفيس كوني عن غضبها.

خلال الأيام القليلة الماضية، أصبح دونوفان أكثر هستيريَّة، وكانت كوني هدفه الأساسي.

اقتربتُ منها بحذرٍ ووضعت يدي على كتفها. أشرتُ نحو الباب، فقادتني بخطًى متثاقلة، ووجهها ما زال يحمل ملامح التذمُّر.

سرتُ بهدوءٍ نحو الجزء الخلفي من مبنى وزارة المالية، لأمنحها بعض الوقت لتهدأ.

بعد أن استعادت كوني بعضًا من هدوئها، بدأت تتمتم بغضب.

كانت تُكرِّر تقريبًا نفس الكلمات التي كانت تتمتم بها سابقًا، لكنها هذه المرَّة بصوتٍ مسموع.

استمعتُ إليها وأظهرتُ تفاعلًا بين الحين والآخر.

بعد فترة طويلة من الحديث، أصبح وجه كوني بنفس لون شعرها تقريبًا من شدة الغضب. أخذت نفسًا عميقًا وأراحت رأسها على كتفي.

"ذلك الوغد دونوفان، كان دائمًا لا يُطاق، لكنه أصبح أسوأ بكثير مؤخرًا."

"صحيح، منذ أن أُعلِن عن عودة الإمبراطور، وهو في هذه الحالة."

بدت متحمِّسةً للثرثرة، فقامت كوني بتجعيد أنفها وهمست بسرِّيَّة: "تذكَّرت كيف كان دونوفان سعيدًا لأنَّه أصبح على علاقةٍ جيِّدة مع دوق كاميلوت؟"

كان دوق كاميلوت زعيم الفصيل النبيل.

يبدو أنَّ أحد أقارب دونوفان البعيدين كان تابعًا لدوق كاميلوت، ومن خلال تلك الصلة، تمكَّن دونوفان من مقابلة الدوق عدَّة مرَّات.

"وكان يتفاخر بذلك بلا نهاية."

كان الجميع يعلمون ذلك الجزء.

"لكن يبدو أنَّ جلالته يُخطِّط للإطاحة بدوق كاميلوت فور عودته."

"أوه."

ضغطتُ على شفتيَّ وأنا أتنفَّس بعمق.

"يقولون إنَّ جلالته ودوق كاميلوت لم يكونا على وفاقٍ حتى قبل التتويج. لا أعلم لماذا غضَّ النظر عن الأمر قبل ثماني سنوات."

ضحكت كوني قائلةً إنَّ الإمبراطور ربما نسي أمر الدوق بسبب عدد الأشخاص الذين كان ينوي التخلُّص منهم.

مهما كان السبب، فإنَّ دوق كاميلوت، الذي نجا من المذبحة السياسية التي وقعت في بداية عهد الإمبراطور، كان يعمل على توسيع نفوذه خلال غياب الإمبراطور.

حتى أنَّه كان يُحاول تأمين موقعه استعدادًا لعودة الإمبراطور.

لكن يبدو أنَّ الإمبراطور، بعد أن أنهى الحرب، قرَّر أنَّ الوقت قد حان لفرض السيطرة داخليًّا.

"الجميع يعرف هذا الأمر، لكنه ليس شيئًا يمكن الحديث عنه علانية."

كوني، التي كانت لا تزال تميل على كتفي، اعتدلت وألقت عليَّ نظرةً ماكرة.

"مثل الوايفرن الذي حاول أن يلعب دور الملك أثناء غياب التنِّين عن عرينه. انتهى أمره الآن."

أضافت كوني بابتسامة: "أتمنَّى أن يتمَّ التخلُّص من غولٍ أو اثنين أثناء التخلُّص من الوايفرن."

حقيقة أنَّ تصرُّفات جلالته العلنيَّة ضد الدوق وصلت حتى إلى كوني، التي كانت موظَّفةً بسيطة في القصر الإمبراطوري، كانت لها دلالة واضحة.

"ولكن هل سيكتفي دوق كاميلوت بمشاهدة كلِّ هذا؟"

تمتمتُ بهذا السؤال وكأنَّني أُخاطب نفسي، فأجابت كوني بجوابٍ غامضٍ قائلة: "علينا أن نُراقب ما سيحدث."

بعد ذلك، تحوَّل الحديث إلى مواضيع خفيفة ومُسلِّية لبعض الوقت.

عندما استعادَت كوني مزاجها بالكامل، تحدَّثت بتردُّد.

"هل علينا العودة الآن؟"

"يبدو أنَّ علينا ذلك."

على الرغم من أنَّنا كنَّا نعلم أنَّ كلَّ لحظة نقضيها واقفين هنا تُقلِّل من وقت نومنا الذي نحتاجه بشدَّة، فإنَّ فكرة العودة إلى المكتب، حيث تنتظرنا أكوام العمل، كانت مُؤلمة.

عدنا ببطءٍ إلى المكتب.

بينما انشغل كلٌّ منا بمهامه المؤجَّلة، لم يظهر دونوفان مجدَّدًا.

عند منتصف الليل تقريبًا، ومع انتهاء الموظفين الآخرين من أعمالهم، غادروا واحدًا تلو الآخر بوجوهٍ شاحبة مثل الزومبي. أنهيتُ أخيرًا توثيق البيانات الضريبية للإقليم الأخير المتبقِّي.

توجَّهتُ إلى كوني، التي بدت وكأنَّها غارقة في كومة أعمالٍ لا تنتهي، وسألتها: "هل تريدين بعض المساعدة؟"

كوني، التي بدت منهكةً تمامًا من عبء العمل الهائل، أضاء وجهها بتردُّد.

بعد لحظةٍ قصيرة من الصراع الداخلي، قبلت مساعدتي بحذر.

"حسنًا، إذا كان بإمكانكِ مساعدتي بهذا، فسأكون ممتنَّة جدًا."

أخذتُ الوثائق التي قدَّمتها لي كوني ونظرتُ تلقائيًا إلى الصفحات الأولى.

"هاه؟"

رمشتُ بعينيَّ المُتعبتين، وتأكدتُ مرةً أخرى من النص للتأكد من أنَّني لم أُخطئ القراءة.

لم تتغيَّر الكلمات.

دون أن أُدرك، انفلت مني سؤالٌ بصوتٍ عالٍ:

"كوني، ما الذي تعملين عليه بالضبط؟"

(\ (\

(„• ֊ •„) ♡

━━━━━━O━O━━━━━━

ترجمة : اوهانا

انستا : Ohan.a505

الواتباد : Ohan__a505

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon