الفصل الخامس

الفصل الخامس — حفلة الخطوبة

تألقت القاعة الملكية تلك الليلة كما لم تتألّق من قبل. الثريات الكريستالية انهمرت منها أضواءٌ ذهبية انعكست على الجدران المزخرفة برسوماتٍ قديمة لأباطرةٍ منسيّين. تفوح في المكان رائحة العود والورد الأحمر، والموسيقى تعزف ألحانًا رقيقة تتلاشى تحت ضجيج الهمسات التي تملأ المكان كالنار المتقدة في الهشيم.

"هل سمعت؟ الأمير السفّاح سيتزوج!"

"لا يمكن أن يكون هذا حقيقيًا!"

"قالوا إن العروس فتاة عادية… بلا دمٍ نبيل!"

"تجرؤ وتقبل الزواج من الوحش؟ ربما أُجبرت!"

كل كلمة كانت تصل إلى مسامع ليليان كطعنةٍ صغيرة. كانت تمشي بخطواتٍ متوترة إلى جوار ليكاردو، ذراعها بين يديه، لكنها لم تشعر بالأمان لحظة. العيون كلها تتبعها، تقيّمها، تحكم عليها، وتنتظر سقوطها.

ارتجف قلبها، وارتفعت أنفاسها حين أحست ببرودةٍ غريبة في أطرافها.

لماذا أنا؟ لماذا عليّ أن أكون محور هذه المسرحية الملعونة؟!

كان فستانها الأبيض الفخم ينساب حولها كأمواجٍ من الحرير، يجر ذيلًا طويلًا يعكس أضواء القاعة. لكنها لم تنتبه له… حتى تعثّرت.

صرخةٌ صغيرة أفلتت من شفتيها، كادت أن تهوي أرضًا أمام مئات النبلاء، لولا يدٍ قوية أمسكت بها في اللحظة الأخيرة.

رفعت عينيها بارتباك لتجد نفسها أمام نظرةٍ نافذة كحدّ السيف.

ليكاردو، بثيابه السوداء المطرزة بخيوطٍ فضية، كان يقف أمامها بثباتٍ مهيب، وجهه هادئ لكن عينيه تحملان شيئًا لا يمكن تفسيره.

قال بصوتٍ منخفضٍ كالنذر:

"احترسي."

تمتمت وهي تخفض رأسها خجلًا:

"الـ… الفستان طويل جدًا."

لم يعلّق. نظر للحظةٍ نحوها ثم التفت فجأة إلى أحد الخدم وقال بصرامةٍ أثارت رعشة في القاعة:

"أحضِروا فستانًا آخر. الآن."

ساد الصمت، ثم تسرّبت الهمسات مجددًا من بين الحشود:

"يا إلهي، هل أغضب منها؟"

"لقد أمر بتبديل فستانها فورًا!"

"مسكينة… لن تعيش طويلًا، كما يقولون."

لكن ما أربك الجميع أكثر، هو أنه هو نفسه — الأمير السفّاح — أمسك بيدها وقادها خارج القاعة بنفسه، غير عابئٍ بنظرات الفضول أو الارتباك الذي خيّم على المكان.

 

في الغرفة الجانبية

كان الصمت يسيطر على الغرفة إلا من صوت أنفاسها المضطربة. وقفت ليليان في المنتصف، تتجنّب النظر إليه. الباب أُغلق خلفهما ببطء، وصدى الخطوة الأخيرة له جعل قلبها يقفز.

همست بتوترٍ وهي تحاول التراجع:

"أأنت… ستبقى هنا؟"

أجاب ببرودٍ ناعمٍ لكنه قاتل:

"ولِمَ لا؟"

احمرّ وجهها أكثر، حاولت أن تبدو شجاعة لكنها فشلت:

"لأنني… سأبدّل ملابسي. أيمكن أن تخرج… مثل أي رجلٍ طبيعي؟"

صمت للحظة، ثم ابتسم. لم تكن ابتسامة دفء، بل ابتسامة من يعرف أنه يرعبك ويستمتع بذلك. اقترب خطوة، وقال بصوتٍ خفيضٍ غارقٍ بالخطورة:

"من قال إنني رجل طبيعي؟"

تجمدت في مكانها، عيناها تتسعان، قبل أن يقترب منها أكثر، حتى شعرت بحرارة أنفاسه على بشرتها. انحنى قليلًا… وقبّل عنقها قبلةً سريعة، حارّة كالنار، لكنها أحرقت كل ما تبقّى من تماسكها.

شهقت، ارتجفت، ووضعت يدها على مكان القبلة كأنها تحاول محوها.

أما هو، فابتعد بخطواتٍ هادئة، ثم قال وهو يفتح الباب دون أن ينظر إليها:

"ذكّرتك فقط… بأنكِ تخصّينني."

خرج تاركًا خلفه رائحةٍ من العطر الداكن وارتجافًا في قلبها. بقيت واقفةً، تتنفس بصعوبة، وعيناها تلمعان بالذهول والارتباك.

هل… هل قبّلني حقًا؟ أمام أنفاسي مباشرة؟!

استجمعت نفسها، بدّلت الفستان بسرعة، وخرجت إلى القاعة وحرارة الخجل لا تزال على وجهها.

 

المراسم

حين عادت، كانت الهمسات قد اشتعلت مجددًا:

"ها قد عادت العروس!"

"انظري إلى وجهها، كأنه اشتعل!"

"هل حدث بينهما شيء؟"

أما ليكاردو فكان واقفًا في مكانه، هادئًا كما لو أن كل ما حدث لم يكن إلا تفصيلًا صغيرًا في ليلةٍ طويلة.

وقفت إلى جانبه، محاولـة ألا تلتقي بنظره.

عندما أعلن الكاهن الخطوبة رسميًا، دوّى التصفيق، وارتجفت القاعة من ضجيج التهاني.

لكن وسط كل ذلك، لم تسمع ليليان شيئًا سوى صوت قلبها، يصرخ داخلها:

لقد وقعتِ يا ليليان… وقعتِ في مصيدة هذا الوحش

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon